المنبر الحر | صراع “تيك توك” من أجل البقاء
في الوقت الذي تواجه فيه شركة “تيك توك” تحديا قانونيا حاسما في واشنطن، تجد منصة التواصل الاجتماعي الشهيرة نفسها عند مفترق طرق محوري.. فقد أصدرت الحكومة الأمريكية أمرا إلى شركة “بايت دانس”، الشركة الأم الصينية لـ”تيك توك”، إما بسحب عملياتها في الولايات المتحدة أو مواجهة حظر على مستوى البلاد ككل بحلول يناير 2025، وينطلق هذا الإنذار النهائي من مخاوف الأمن القومي المتزايدة فيما يتعلق بخصوصية البيانات والتأثير الأجنبي المحتمل، خاصة في ضوء علاقات “تيك توك” بالتنين الصيني.
بدأت المعركة عندما وقع الرئيس بايدن قانونا يجبر “بايت دانس” على بيع أصول “تيك توك” في الولايات المتحدة أو مواجهة حظر كامل، وقد شكل هذا التشريع جزء من حزمة مساعدات خارجية أوسع نطاقا، ويعكس مخاوف الحزبين بشأن تداعيات الملكية الصينية لتطبيق يستخدمه ما يقرب من 170 مليون أمريكي. وتدور المخاوف في المقام الأول حول إمكانية تمكن الحكومة الصينية من الوصول إلى بيانات المستخدم الحساسة والتلاعب بالمحتوى من خلال خوارزمية التطبيق، مما يثير مخاوف من التجسس والدعاية..
في إجراءات المحكمة الأخيرة، زعم الفريق القانوني لشركة” تيك توك” أن الشركة تتعرض لتمييز غير عادل، وأن حظر التطبيق من شأنه أن ينتهك حقوق التعديل الأول لمستخدميه، وتزعم الصين أن الحكومة يجب أن تثبت “تدقيقا صارما” – وهو معيار قانوني مرتفع يتطلب تبريرا مقنعا لمثل هذه الإجراءات – مما يثبت استنفاد جميع التدابير البديلة قبل اللجوء إلى الحظر، وسلط محامو “تيك توك” الضوء على الأحكام القضائية السابقة التي كانت لصالح موقفهم، بما في ذلك قضية في مونتانا، حيث منع القاضي الحظر على أساس حرية التعبير.
فإذا فشلت “تيك توك” في الامتثال للقانون من خلال سحب عملياتها في الولايات المتحدة، فإنها تخاطر بإزالتها من متاجر التطبيقات ومضيفي الويب في جميع أنحاء البلاد، مما يعني إغلاق خدماتها فعليا في واحدة من أكبر أسواقها، ومن بين المشترين المحتملين لأصول “تيك توك” في الولايات المتحدة شخصيات وشركات بارزة مثل وزير الخزانة السابق ستيف منوشين، وشركات التكنولوجيا العملاقة مثل “مايكروسوفت” و”أوراكل”، على الرغم من أن المحللين يعتقدون أن أي عملية بيع من المرجح أن تستبعد خوارزمية “تيك توك” الملكية بسبب القيود التي تفرضها الحكومة الصينية على صادرات التكنولوجيا.
إن المخاطر كبيرة ليس فقط بالنسبة لـ”تيك توك”، ولكن أيضا لمستخدميه وموظفيه الذين يعتمدون على المنصة للحصول على الدخل والتواصل، إذ قد يؤدي الحظر الكامل إلى تعطيل سبل عيش عدد لا يحصى من منشئي المحتوى والشركات التي نشأت حول نظام “تيك توك” البيئي، ومبرر الحكومة الأمريكية لهذه الخطوة التشريعية، متجذر في مخاوف تتعلق بالأمن القومي، حيث يزعم المسؤولون أن البيانات التي يجمعها تطبيق “تيك توك” يمكن للحكومة الصينية استغلالها لأغراض خبيثة، بما في ذلك التجسس أو التأثير على الرأي العام في أمريكا، وقد أكدت وزارة العدل على الكميات الهائلة من البيانات التي يجمعها تطبيق “تيك توك” من مستخدميه، والتي قد تكون ذات قيمة للخصوم الأجانب.
وخلال جلسات المحكمة، أقر القضاة بهذه التهديدات للأمن القومي، لكنهم أعربوا أيضا عن قلقهم بشأن العواقب المترتبة عن تقييد حرية التعبير، وقد سلط الخطاب القانوني الضوء على التوتر بين حماية مصالح الأمن القومي ودعم الحقوق الدستورية..
لا يواجه تطبيق “تيك توك” التدقيق من جانب الحكومات الغربية فحسب، فقد اتُخذت إجراءات مماثلة ضد المنصة في بلدان أخرى بسبب مخاوف مماثلة بشأن خصوصية البيانات والتأثير الأجنبي. على سبيل المثال، تم حظر “تيك توك” بالفعل على الأجهزة التي تصدرها الحكومات في العديد من الدول، بما في ذلك كندا ونيوزيلندا، وقد يشير هذا الاتجاه إلى تحرك أوسع بين الدول الغربية لإعادة تقييم علاقاتها مع المنصات التكنولوجية المملوكة للأجانب.
ومع اقتراب يناير 2025، أصبح مستقبل “تيك توك” معلقا في الميزان، حيث تستعد الشركة للطعن في القانون أمام المحكمة، مؤكدة أنه ينتهك الحقوق الدستورية بينما تسعى للحصول على أمر قضائي ضد أي حظر محتمل، ويتوقع خبراء القانون أنه في حالة صدور حكم من المحاكم الأدنى ضد “تيك توك”، فقد تصل القضية إلى المحكمة العليا، حيث سيتم مناقشة الأثار الأوسع نطاقا على الحقوق الرقمية والأمن القومي.
ولن تحدد نتيجة هذه المعركة القانونية مصير “تيك توك” فحسب، بل ستشكل أيضا سوابق فيما يتعلق بكيفية تنظيم الحكومات لشركات التكنولوجيا المملوكة للأجانب العاملة داخل حدودها، وبينما يستعد الجانبان لما قد يكون حكما تاريخيا، فإن العواقب المترتبة على المستخدمين والمبدعين وصناع السياسات على حد سواء، ستكون عميقة.
وبينما تخوض شركة “تيك توك” هذا التحدي القانوني الحاسم في واشنطن، فإنها تواجه خيارين قاسيين: إما التخلي عن عملياتها، أو المخاطرة بالحظر الكامل من إحدى أهم أسواقها، ولا شك أن الأحداث المتكشفة لن تشكل مستقبل “تيك توك” فقط، بل ستؤثر أيضا على كيفية تنظيم المنصات الرقمية عالميا وسط مخاوف متزايدة بشأن الأمن القومي.