للنقاش | الضوابط القانونية في الاستعمال المشروع لزراعة القنب الهندي
بعد العفو الملكي على من كانوا متورطين في قضايا زراعة وتجارة القنب الهندي، وموجة الفرح التي عمت الممتهنين لهذه الزراعة، يبقى من المفيد الاطلاع على الضوابط المتعلقة بممارسة زراعة نبتة القنب الهندي، لأن ممارسة هذا النشاط الفلاحي لها قيود وشروط جد منظمة تنظيما دقيقا حتى لا يساء استعمال هذه الزراعة واستخدامها استخداما مضرا، أو تكون له انعكاسات سلبية.
إن أهم الضوابط المحددة لشرعية استعمال القنب الهندي، المرسوم رقم 2.22.159 الصادر في 15 شعبان 1443 الموافق لـ 18 مارس 2022 بتطبيق بعض أحكام القانون رقم 13.21 المتعلق بالاستعمالات المشروعة للقنب الهندي، ونشر في الجريدة الرسمية عدد 7078 بتاريخ 28 شعبان 1443 الموافق لـ 18 مارس 2022 الصفحة 2055، ثم القرار المشترك لوزير الداخلية ووزير الصحة والحماية الاجتماعية ووزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات ووزير الصناعة والتجارة رقم 1293.22 الصادر في 11 شوال 1443 الموافق لـ 12 ماي 2022، بتحديد كيفيات تسليم رخص ممارسة الأنشطة المتعلقة بالقنب الهندي المنشور في الجريدة الرسمية عدد 7096 بتاريخ 2 ذو القعدة 1443 الموافق لـ 21 يونيو 2022 ابتداء من الصفحة 3332.. هذا القرار المشترك يحتوي على 11 مادة ومشفوع بملحق رقم “1” هو عبارة عن نموذج طلب رخصة ممارسة هذا النشاط يوجه إلى المدير العام للوكالة الوطنية لتقنين الأنشطة المتعلقة بالقنب الهندي، وملحق رقم “2” هو عبارة عن نموذج “الالتزام بالشرف”، إما من شخص ذاتي أو شخص اعتباري، يوجه إلى نفس الوكالة، وهناك قرار مشترك أيضا بتحديد نماذج عقد بيع محاصيل القنب الهندي ومحضر تسليم المحاصيل ومحاضر إتلاف فوائض إنتاج القنب الهندي وبذوره ومشاتله ونبتاته ومحاصيله ومنتجاته، ويحتوي هذا القرار على مادتين فقط، وهو أيضا مرفق بمحلق رقم “1” يتعلق بنموذج عقد بيع محاصيل القنب الهندي، وهذا الملحق جاء ليفصل عقد بيع محاصيل القنب الهندي، وذلك بذكر محل العقد، وتكوين العقد، والتعريفات والتأويل، ولإزالة الغموض، حاول هذا الملحق أن يشرح بعض مدلولات العقد والتعريف بها والقصد منها، مثلا: المقصود بالوكالة الوطنية لتقنين الأنشطة المتعلقة بالقنب الهندي، والتعريف المتعلق بالقنب الهندي، وفي القسم المتعلق بحقوق البائع والتزاماته، أشار ذلك القسم إلى موضوع تحديد موقع القطع الأرضية المخصصة للزراعة والإنتاج، وطبيعة الأصناف المزروعة، والجانب المادي المتعلق بالمردوديات المتعاقد بشأنها، ومعايير الجودة، ثم تتبع الإنتاج بمراقبة التزامات البائع طول الموسم الزراعي، ووجه الاهتمام بحقوق المشتري والتزاماته واحترام الشروط المبرمة بين البائع والمشتري، وهذا الجانب أخذ اهتماما فيما يتعلق بثمن البيع، ودفع التسبيق، والتأكد من جودة المحصول، وبيان الأثمنة التعاقدية ومراجعتها، وكيفيات الدفع وآجاله، وبما أن هذه الزراعة قد يقبل عليها عدد من المستثمرين، فإن القرار تطرق لموضوع الاستثمارات والمسؤوليات والتأمينات، وبما أن بعض أطراف العقد لا يحترمون شروط العقد والوفاء بالتزاماته، فقد نص القرار على الفسخ بسبب إخلال جسيم بأحد الالتزامات القانونية أو التعاقدية، ولم يفت القرار الإشارة إلى الظروف التي تحول دون تنفيذ العقد، لذلك أشار وعرف المقصود بالقوة القاهرة، ونهاية القرار تضمنت الأحكام المشتركة بين الطرفين، ومنها: تصريحات الطرفين، الالتزام بحسن النية، والالتزام بالسرية، وعند نشوب خلاف، يتم الرجوع إلى مسطرة التسوية المتعلقة بالخلافات كما ورد في المادة 27 من القرار، وختاما هناك “المقتضيات الختامية”، وتتعلق باختيار محل المخابرة، وعدم الصحة الجزئية للبنود، ثم شرط الكتابة عند التبليغ، كما أن المادة 31 من القرار أشارت إلى الملاحق وعددها خمسة وهي: قائمة المنخرطين بالتعاونية، قائمة القطع الأرضية المزروعة من قبل منخرطي البائع، نسخة من رخصة المشتري المسلمة من الوكالة الوطنية لتقنين الأنشطة المتعلقة بالقنب الهندي، نسخ من رخص المنخرطين بالتعاونية ـ البائع ـ المسلمة من الوكالة الوطنية لتقنين الأنشطة المتعلقة بالقنب الهندي، وأهم ما جاء في المرسوم رقم 2.22.159، أن زراعة القنب الهندي لا تمارس في جميع الجهات.. فقد نص المرسوم على أنه ((لا يجوز الترخيص بزراعة وإنتاج القنب الهندي، وكذا إنشاء واستغلال مشاتله، إلا بإقليم الحسيمة وشفشاون وتاونات، ويحدد محتوى ملفات طلبات الرخص وكيفيات منحها بقرار مشترك للسلطات الحكومية المكلفة على التوالي بالداخلية والصحة والفلاحة والصناعة والتجارة))، وألقى المرسوم مسؤولية جسيمة على الوكالة الوطنية لتقنين الأنشطة المتعلقة بالقنب الهندي، إذ أناط بها بمناسبة ممارسة مهامها، وبالتنسيق مع السلطات العمومية المختصة، أن تواكب طالبي الرخصة خلال الإجراءات والمساطر التي تسبق منح هذه الرخص، أما اللجنة الاستشارية المكلفة بدراسة طلبات الرخص المحالة عليها من الوكالة لإبداء الرأي بشأن تلك الطلبات، فتتكون من مجموعة من المسؤولين من عدة وزارات، ونظمت المادة الثالثة من المرسوم مهام رئيس اللجنة، ونظام سير الوكالة، أما المادة الرابعة، فقد أوجبت على أصحاب الرخص إبلاغ الوكالة بما يلي: قائمة كميات القنب الهندي المدخلة والمخرجة، ووضعية مخزونه وبذوره وشتائله ومنتجاته حسب الحالة، معدة شهريا، وذلك في اليوم العاشر من الشهر الموالي لكل ثلاثة أشهر منصرمة على أبعد تقدير، وإبلاغ الوكالة أيضا بالجرد السنوي لمخزون القنب الهندي وبذوره ومشاتله ومنتجاته حسب الحالة معد برسم السنة المنصرمة، وذلك قبل 31 يناير من السنة الموالية، وبما أن كل نشاط يستلزم مسك السجلات، فإن قرارا سيصدر ببيان نماذج السجلات التي يجب مسكها من لدن الوكالة وأصحاب الرخص وكذا كيفيات مسكها، وليست كل البذور تكون صالحة لهذه الزراعة، لذلك ستحدد شروط وكيفيات اعتماد بذور وشتائل القنب الهندي من لدن الوكالة بقرار مشترك للسلطات المكلفة على التوالي بالداخلية والفلاحة، وإذا كان عقد البيع حسب القواعد العامة خاضعا لمبدأ سلطان الإرادة، فنظرا لأهمية هذا النوع من الزراعة، وما يروج في شأنه، فقد قرر المرسوم تحديد نماذج بيع محاصيل القنب الهندي ومحضر تسليم المحاصيل ومحاضر إتلاف فائض الإنتاج من القنب الهندي وإتلاف بذوره وشتائله ونباتاته ومحاصيله ومنتجاته، ويحدد عقد البيع بقرار مشترك للسلطات الحكومية المكلفة على التوالي بالداخلية والفلاحة والصناعة والتجارة، وبما أن المحصول الزراعي قد يتعرض للتلف بسبب الجفاف أو الفيضان أو انتشار فيروس زراعي، فإن المرسوم ذكر أنه ستتحدد كيفيات التصريح بتضرر أو هلاك محاصيل القنب الهندي نتيجة حدوث قوة قاهرة أو حادث فجائي بقرار للسلطة الحكومية المكلفة بالداخلية وإن كان تعريف القوة القاهرة والحادث الفجائي وقع تعريفهما في قانون الالتزامات والعقود.
وهكذا اتخذت جميع التدابير والاحتياطات وما يمكن أن يطرأ لضمان سير زراعة القنب الهندي وفق ضوابط تسهر على تطبيقها عدة جهات، من ذلك الوكالة الوطنية لتقنين الأنشطة المتعلقة بالقنب الهندي، وانخراط المزارعين في تعاونيات، بحيث يكون العمل بصفة جماعية وليس بأنشطة فردية تختلف كل واحدة عن الأخرى، وإذا كانت التعاونيات في المغرب منظمة بالقانون رقم 83.226 بتاريخ 5 أكتوبر 1984، وهو يتعلق بتحديد النظام الأساسي العام للتعاونيات ومهام مكتب تنمية التعاون، فربما يكون هذا النص العام غير صالح للتطبيق على تعاونيات زراعة القنب الهندي، نظرا لخصوصية هذه الزراعة وتحديد مناطقها، ويكون من المفيد وضع نظام بمرسوم يتعلق بتعاونيات زراعة القنب الهندي، والتعاونية تقوم على عمل جماعي يهدف إلى رفع مستوى أعضاء التعاونية بتربيتهم، حيث أنهم اتحدوا لا باعتبار الحصص التي قدمها كل واحد منهم، بل بناء على ما يتوفر لهم من معلومات شخصية وعلى إرادة التضامن التي تحدوهم، ونعتقد أنه من المفيد القيام بحملة تحسيسية ولقاءات مع المزارعين للقنب الهندي، قصد شرح محتويات المرسوم والقرار بأسلوب بسيط وبلغة وعبارات يفهمها هؤلاء المزارعون لنجاح هذه التجربة..
لقد ذكرت بعض المواقع أن بعض المزارعين لازال الخوف من الاعتقال والمتابعة راسخا في أذهانهم، بل إنهم يتساءلون أيضا عن أثار العفو الملكي في حقهم، وكيف يندمجون في المجتمع بعد العفو، وجاء ذلك في حوار ومقابلات جهة إعلامية مع من متعوا بالعفو الملكي، إلا أن وزارة العدل وفي بلاغ صدر عنها وجاء فيه أنه ((فضلا عن الجوانب الإنسانية لهذه الالتفاتة المولوية السامية، فإنها ستمكن المشمولين بها من الاندماج في الاستراتيجية الجديدة التي انخرطت فيها الأقاليم المعنية في أعقاب تأسيس الوكالة الوطنية لتقنين الأنشطة المتعلقة بالقنب الهندي والأثر المهيكل الذي سيحدثه نشاطها على المستويين الاقتصادي والاجتماعي، من خلال تصنيع وتحويل وتصدير القنب الهندي واستيراد منتوجاته لأغراض طبية وصيدلية وصناعية، وكذا المساهمة في تطوير الزراعات البديلة والأنشطة غير الفلاحية))، لا شك أن الوضعية الاجتماعية والعائلية لمزارعي القنب الهندي ستتحسن، لأن الفلاح أصبح سيد نشاطه، وأحيط بحماية وحماية محصوله، وتمت حمايته من الابتزاز من طرف من كانوا يستولون على المحاصيل بأبخس الأثمان ويستخدمونها في أغراض غير مشروعة، وقال أحد الباحثين في المجال، أنه بهذه الخطوة الاستراتيجية، فإن الدولة تسعى بكل جدية وثبات إلى تعزيز زراعة القنب الهندي لأغراض قانونية وتنموية، وبإشراك جميع ساكنة مناطق زراعة القنب الهندي بدون استثناء، لإنجاح تجربة الزراعة والاتجار القانونيين، وكذا مكافحة الاتجار غير المشروع بالمخدرات.