المنبر الحر

المنبر الحر | الإصلاحات التشريعية تحتم تكريس مفهوم جديد للسلطة

بقلم: مراد علوي

    اعتمد المغرب منذ اعتلاء الملك محمد السادس العرش في 30 يوليوز 1999، سلسلة من الإصلاحات التشريعية والتنظيمية لتوسيع حقل الحريات والممارسات الديمقراطية، واضطلاع الأحزاب السياسية والهيئات النقابية والمنظمات غير الحكومية بأدوار تكرس المفهوم الجديد للسلطة على أرض الواقع.

وفي هذا السياق، دخلت البلاد في عملية مفتوحة لإعادة هيكلة المؤسسات الإدارية والحزبية من أجل لارتقاء بها لتكون في مستوى تطلعات المواطن عبر ضمان حقوقه السياسية والاقتصادية، غير أن هذه العملية – حسب رأي المتتبعين للشأن المغربي – كان لا بد لها أن تمر بعدة مراحل، وتخضع المغرب الجديد للاختبار رغم أن الخيارات التي نحن بصدد الحديث عنها تبناها بملء إرادته لإحداث قطيعة مع سلبيات المراحل السابقة.

ويرى باحثون مغاربة أن المفهوم الجديد للسلطة يتجلى – في شكله – في التحولات التي عرفتها البلاد في ظل قيادة ملك متنور، واعتماد التناوب كطريق نحو الديمقراطية، وإعلان الحرب على الفساد الإداري والمالي، أما مضمون المفهوم الجديد للسلطة، فيرتكز على الدخول الفعلي في تطبيق “التناوب” كخيار توافقي، شكل قطيعة مع زمن الانفراد بالحكومة من طرف تيار واحد، وخلق بالتالي انفتاحا سياسيا في المغرب، أصبح من الممكن استثماره للحصول على انتخابات ديمقراطية نزيهة وشفافة.

تتمة المقال تحت الإعلان

خلال السنوات الثمانية الأخيرة، تجسد مضمون المفهوم الجديد للسلطة في ميلاد العديد من المشاريع السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وكذا الدينية التي رأت النور، كان أبرزها تقدم تيارات سياسية جديدة مثل حزب العدالة والتنمية، وتكتل الأحزاب التي عرفت في الماضي انقسامات كانت تعزى إلى تدخل الإدارة، وطرح الملف الأمازيغي مع التعامل معه بجرأة وبقرارات متطورة، وظهور حقيقي للنساء في الواجهة، ونتائج جد مثيرة لهيأة “الإنصاف والمصالحة”، وإصلاحات في المشهد الإعلامي، وتعزيز سلطة منظمات المجتمع المدني وإشراكها في التنمية، وإعادة تأهيل الحقل الديني وإصلاحات في مجال قوانين تنظيم الأسرة.

وقد صاحبت هذه المشاريع التي شهد المغرب ميلادها في ظل حكم الملك محمد السادس، جملة من الإجراءات والقوانين المواكبة تتوخى تمكين كافة الهيئات المنتخبة والمؤسسات المحلية من أداء مهامها في أجواء تخلو من كل أشكال البيروقراطية.

وكان الملك قد حدد إطار المفهوم الجديد للسلطة بوضع خطوطه العريضة في الخطاب الذي وجهه جلالته يوم 12 أكتوبر 1999 بمدينة الدار البيضاء، إلى مسؤولي الإدارة الترابية وأطر الإدارة المركزية وممثلي المواطنين، حيث شكل هذا الإطار قطيعة واضحة مع أساليب العمل في الماضي، لأنه ركز على مختلف مهام ومسؤوليات السلطة، التي أصبحت في المرحلة الجديدة تضمن حماية الحريات الفردية والجماعية وتصون حقوق المواطنين وتتيح الظروف المناسبة لترسيخ وتوطيد دولة الحق القانون.

تتمة المقال تحت الإعلان

كما ارتبط المفهوم الجديد للسلطة برعاية وحماية المصالح العمومية ومتابعة حسن سير الشؤون المحلية عن قرب، والسهر على الأمن والاستقرار، وتشجيع المحافظة على السلم الاجتماعي.

وتجدر الإشارة إلى أن تطبيق المفهوم الجديد للسلطة تطلب إجراء مراجعة عميقة لعدد من النصوص القانونية والتنظيمية بهدف خلق مناخ ملائم، ومن ذلك مهام الولاة التي أعيد تحديدها لتتركز على القضايا الاقتصادية بغية تحقيق أهداف اجتماعية محددة، بالإضافة إلى تغيير دور مؤسسات الدولة التي لم تعد وظيفتها تنحصر في التدبير الإداري وحده، بل امتدت إلى التنمية الاقتصادية التي تقوم على تبسيط المساطر الإدارية من أجل تسهيل وتشجيع الاستثمارات التي من شأنها خلق الأنشطة الاقتصادية وتوفير مناصب الشغل، وبالتالي، ضمان المزيد من الاستقرار والأمن، وفي هذا المجال أحدثت مراكز جهوية للاستثمار التي جاءت لتجسد بعدا جوهريا في المفهوم الجديد للسلطة، وهو إنعاش الاستثمار والنهوض بالاقتصاد، وبالتالي، تحقيق التنمية السريعة والمستدامة، حيث ارتكز تحقيق هذا الهدف على أربع أولويات رئيسية هي: التنمية المحلية، التحفيز على الاستثمار المحلي والأجنبي، وتحسين قدرات وكفاءات الاقتصاد الوطني، ثم تحسين مستوى عيش الفئات المحرومة.

ونتيجة لهذا المفهوم الآخذ في التجسيد على أرض الواقع، رغم الصعوبات الكبيرة والتحديات الجسيمة التي تواجه المغرب، فإنه أصبح يشكل مرجعا بالنسبة إلى العديد من بلدان الجنوب، التي لم تخف استعدادها لاعتماد النموذج المغربي.

تتمة المقال تحت الإعلان

تعليق واحد

  1. لكن ما الفرق بين زمن الانفراد بالحكومة من طرف تيار سياسي منتخب واحد،و زمن الانفراد بالحكم من طرف الدولة العميقة ؟
    و ما الفرق بين اجواء البيروقراطية التي كان يمارسها التيار السياسي الواحد، و اجواء البيروقراطية التي تمارسها الدولة العميقة؟
    و ما الفرق بين الكيفية و الكمية التي تهدر بها اموال البلاد بين التيار السياسي الواحد و الدولة العميقة؟
    و كيف كان التيار الواحد يهدد مصالح الدولة العميقة؟
    و من الاقرب للمحاسبة و المتابعة و العقاب، التيار الواحد ام الدولة العميقة؟
    و ما الفائدة من احترام مبدأ التناوب على السلطة،بين الاحزاب السياسية ،ان لم يتم احترامه من طرف الدولة العميقة؟
    ان احترام مبدأ التناوب على السلطة ينبغي ان يبتدأ من اعلى سلطة,,التي هي سلطة الدولة العميقة,,
    ما هي الاليات و الاستراتيجيات التي تنهجها الدولة العميقة للحفاظ على استمرارية بقاءها؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى