مع الحدث | خبراء يشرحون أهداف الإحصاء ودوافع إبعاده عن الحسابات السياسية
شرعت المندوبية السامية للتخطيط، بتنسيق مع وزارة الداخلية، في عملية الإحصاء الوطني للسكان والسكنى 2024، بعد إحصاء شتنبر 2014، الذي خلص إلى أن عدد سكان المملكة 33 مليونا و848 ألف نسمة، من بينهم 86 ألف أجنبي، بينما بلغ عدد الأسر 7 ملايين و313 ألف أسرة.
ويعد الإحصاء العام للسكان والسكنى من أهم الوسائل لجمع البيانات السكانية، نظرا للمنهجية التي يتم من خلالها تجميع وتصنيف وتقييم وتحليل البيانات الديمغرافية والاقتصادية والاجتماعية المتعلقة بجميع السكان في أي بلد، كما أنه يسمح بإمكانية التعرف بشكل دقيق على خصائص السكان من حيث العدد والسن والجنس والمستوى التعليمي، والمهنة، والهجرة، وظروف السكن، والتغطية الصحية، والمؤشرات المرتبطة بالتنمية البشرية والاجتماعية.
الرباط. الأسبوع
شهد المغرب أول إحصاء سنة 1962 رغم أنه لم يكن شاملا، ونظم بعد خمس سنوات من حصول المغرب على الاستقلال، ثم جاء بعده إحصاء 1971 الذي شمل جميع التراب الوطني باستثناء الأقاليم الجنوبية التي تم إحصاءها خلال عملية 1982، ثم جاءت إحصاءات أخرى سنوات 1994، 2004، و2014، والتي ركزت في بدايتها على التطور الديمغرافي للمغرب، الذي تراجع خلال السنوات الأخيرة بسبب اتباع المغرب لسياسة المؤسسات المالية وتراجع نسبة الخصوبة، مما ينذر بتراجع معدل السكان خلال السنوات المقبلة.
فقد خصصت الحكومة ميزانية مهمة للإحصاء تقدر بحوالي 146 مليار سنتيم وضعتها رهن إشارة المندوبية السامية للتخطيط وولاة وعمال وزارة الداخلية، دون الإشارة إليها في قانون المالية 2024 وكأن الإحصاء العام كان عملية خاصة للمندوبية بدون علم الحكومة، بدون تتبع أو مراقبة من قبل مصالح وزارة المالية على كيفية صرف هذه الأموال المأخوذة من صندوق خصوصي “الخاص بالعلاقات العامة”، حيث قامت المندوبية باقتناء اللوحات الإلكترونية المستعملة في العملية إلى جانب ميزانية الوصلات الإشهارية، وتعويضات الباحثين والمشاركين والمراقبين والمشرفين الجهويين، وكراء السيارات المستعملة في التنقلات.
لكن يرى متتبعون أن الإحصاء العام للسكان يجب أن يحدد الأسر والفئات التي كانت تنتمي للطبقة المتوسطة وتضررت بسبب الأوضاع الاقتصادية والتحقت بالفئات الفقيرة، وكذا مديونية الأسر، إلى جانب مشكل التراجع الديمغرافي في بعض المدن الصغيرة والمتوسطة، والهجرة التي أثرت بشكل كبير على الاقتصاد المحلي والوطني بشكل عام، بالإضافة إلى البطالة ونسبة العاطلين داخل الأسر وتصنيف مستوى العيش داخل الأحياء السكنية، ومعدل الأسر الفقيرة والفوارق الاجتماعية في كل وسط سكني.
ويشكل الإحصاء لدى الدول المتقدمة إحدى الآليات والوسائل لوضع تصورات وخطط استراتيجية واستشرافية بعيدة المدى في تنفيذ السياسات العامة وحاجيات السكان، بحيث أن هناك بعض الدول تقوم بالإحصاء كل خمس سنوات لاعتبارات متعلقة بزمن السياسات العمومية، خاصة وأن بياناته تعتبر إحدى المصادر الأساسية لإعداد السياسات العمومية لمختلف القطاعات، ورغم اختلاف مصادر البيانات والإحصاءات، إلا أن الإحصاء العام يحظى بأهمية بالغة في جميع المعطيات والبيانات.
في هذا السياق، يرى المحلل الاقتصادي عمر الكتاني، أن الإحصاء من المفروض أنه يجرى كل عشر سنوات، والمفروض أن يعطي فكرة عامة على الطبقية في المجتمع (الفئات الميسورة، الفئات المتوسطة والضعيفة)، وبما أن الأوضاع الاجتماعية تغيرت خلال السنوات الأخيرة لأسباب أحيانا موضوعية وأحيانا سياسية، فالدولة من مصلحتها أن تأخذ فكرة واضحة عن الأوضاع الاجتماعية بالخصوص عن الفئات التي مست بسبب الأزمات الأخيرة، مضيفا أن المعطيات في المغرب تغيرت بسبب الجفاف والجائحة والحرب الأوكرانية، وبالتالي، من المفروض على السلطات أن تقوم بتقييم جميع التغيرات، خصوصا فيما يتعلق بانتشار الحاجة بين الفئات التي انتقلت من الطبقة الوسطى إلى الطبقة المعوزة، ثم توزيع السكان حسب الفئات الاجتماعية الميسورة وغير الميسورة، وانتقال الفقر من البادية إلى المدينة، وهي ظاهرة تؤثر على الاقتصاد الوطني بشكل عام، لأن الفقر لديه طريقا يسلكه من البوادي إلى الحواضر.
وأضاف الكتاني أن الإحصاء يشمل المستوى التعليمي حسب المناطق ومستوى التكوين والتأهيل، وأيضا الاستهلاك حسب المناطق والفئات الاجتماعية، وتقييد هل تغير أو تحسن أو انخفض في المواد الأساسية التي كانت تستهلك من قبل، بالإضافة إلى جوانب يمكن أن لا تكون معلنة بشكل كبير حول الفئات التي تتكلم بالأمازيغية أو بالدارجة أو الحسانية، ومجموعة من المعطيات لا تعلن ولكن يحتفظ بها لدى وزارة الداخلية بالخصوص، بهدف تحقيق التوازن بين المناطق في المغرب لأن اللاتوازن هو المشكل الأساسي، ثم النمو الديمغرافي للسكان الذي تراجع كثيرا، موضحا أن انخفاض النمو الديمغرافي من أبرز المشاكل التي يعاني منها المغرب خلال السنوات الأخيرة بعدما تراجع إلى 1.7 % بعدما سجل منذ سنوات 3.3 %، مما يطرح إشكالية كبيرة تتعلق بفئات المتقاعدين، حيث أن انخفاض نسبة السكان النشيطين والعاملين سيطرح سؤال من سيؤدي رواتب المتقاعدين، الشيء الذي نبه إليه مسؤولون في الصين التي تملك أكثر من مليار من السكان لكنهم يتساءلون من سيسدد رواتب الفئات المتقاعدة، مبرزا أنه بعد بضع سنوات سيكون هناك عجز في صندوق الضمان الاجتماعي والتقاعد، بسبب اتباع توصيات البنك الدولي وصندوق النقد بخصوص نقص النمو الديمغرافي لكي تنخفض كلفة الدولة في الحاجيات العمومية، مما سنؤدي ثمنه في السنوات المقبلة وسيتم تحمل العاملين النشيطين المزيد من الضرائب لتحمل كلفة التقاعد، وهو ما سيؤدي حتما إلى تفقير الطبقة الوسطى.
وأكد الكتاني أنه موازاة مع الإحصاء الشامل للسكان، من الضروري قيام الدولة بإحصاء عام للمصاريف العمومية ونشرها، عبر تقييم الكلفة الاستهلاكية لجهاز الدولة، لأن هناك طبقة امتيازات منحتها الدولة لنفسها منذ الاستقلال إلى الآن، والتي تزايدت بشكل تدريجي منذ الاستقلال، بما فيها أكثر من 100 امتياز للموظفين الكبار للدولة وأجورهم العالية، لهذا يجب إحصاء كلفة الجهاز العمومي للدولة ومردوديته ومصاريفه، لأن أجور الموظفين الكبار ليست لها علاقة بالإنتاجية، لذلك لابد من إحصاء من قبل الدولة لكي نعرف من يستحق الأجور والامتيازات، معتبرا أن الإحصائيات التي سيأتي بها الإحصاء جد مهمة لكي نقارن بين آخر إحصاء والإحصاء الجديد، ونعرف إلى أين نسير، لأنه في المجتمع أصبحنا نرى مظاهر الثراء والغنى بينما هناك فئات تعيش الحاجة ومع الأسف الإحصائيات لا تتكلم عنها.
من جانبه، يقول المحلل السياسي رشيد لزرق، أن الإحصاء هو شأن الدولة ومن الأمور الاستراتيجية، لهذا دأب المغرب على تنظيم الإحصاء كل عشر سنوات، على أساس أمور استراتيجية وتقييم السياسات العمومية، وبالتالي، فهو يتجاوز الحكومة التي مدتها محدودة، مضيفا أن تخصيص موارد مالية من قبلها أمر عادي جدا لأن تصرف من مالية الدولة للمندوبية السامية التي تقوم بهذا الإحصاء تحت إشراف الملك وليس رئيس الحكومة، لأن ترك الإحصاء لهذه الأخيرة أو لفاعل واحد يمكن أن يؤدي إلى تقييم إيديولوجي أو تقييم لحظي اعتبارا لمدة عمل الحكومة (خمس سنوات)، خاصة وأن هناك تضاربا بينها وبين مندوبية التخطيط التي تعتمد على الاستقلالية عكس رئاسة الحكومة التي تبقى جهازا سياسيا تابعا لأحزاب سياسية.
وأضاف لزرق أن الإحصاء السابق كشف عن بداية انقلاب الهرم السكاني بالمغرب، على اعتبار تراجع الولادات والخصوبة والذهاب نحو ارتفاع نسبة الشيخوخة، وهذه المعطيات ستؤثر على السياسات العمومية من خلال التقاعد والتغطية الصحية، ومدى ملاءمة هذه البيانات مع السياسات العمومية، على شكل أمور استراتيجية لدى الدولة، سواء من خلال تشجيع الولادات أو وضع رؤية استباقية لتوفير حاجيات السكان، وتقييم السياسيات المتخذة، سواء من خلال إصلاحها أو تبني استراتيجيات أخرى وفق المعطيات التي يكشف عنها الإحصاء، مشيرا إلى أن إحصاء 2014 أعطى مجموعة من المعطيات، حيث تبنت الدولة الاجتماعية وإصلاح التعليم والصحة واعتماد التغطية الصحية، كذلك تهييئ الظروف بالنسبة لعدة قطاعات حيوية، سواء المجال الصناعي وما هو تنموي وخدمات اجتماعية بالنسبة للسكان.
بدوره، يرى المحلل الاقتصادي محمد جدري، أن الإحصاء العام يأتي طبقا لمقتضيات الأمم المتحدة، ويجب تنظيمه كل عشر سنوات، لهذا ينظم المغرب الإحصاء السابع لكي يحافظ على دورته منذ تسعينات القرن الماضي، حيث بدأ التحضير للإحصاء منذ سنتين من طرف المندوبية السامية للتخطيط بهدف معرفة وضعية البلاد من حيث الديمغرافية والخصوبة والحماية الاجتماعية، والأمور المتعلقة بالهجرة، مضيفا أن المغاربة اليوم لا يعيشون في منطقة محددة، وبالتالي، لأجل إعداد مجموعة من السياسات العمومية توازي حاجيات المواطنين، وهذه العملية لا علاقة لها بالإملاءات الدولية، بل إنها مبنية على أسس علمية.
بالرجوع إلى إحصاء 2014، يتبين أن النمو الديمغرافي في تراجع بنسبة 1.25 %، بعد انخفاض نسبة الشباب البالغين أقل من 15 سنة لـ 28 %، بينما تظل نسبة الساكنة فوق 15 سنة إلى 59 سنة تشكل 62 %، فيما ارتفعت نسبة الشيخوخة إلى 9.6 % وتراجعت نسبة الخصوبة لدى الإناث في الوسط القروي، حيث أن نسبة التمدن ارتفعت إلى 60.3 %، و70.2 من الساكنة يتمركزون، حسب التقسيم الجهوي الجديد للمملكة، في خمس جهات تضم كل واحدة منها أكثر من ثلاثة ملايين ونصف مليون نسمة، تتقدمها جهة الدار البيضاء، ثم الرباط القنيطرة، ومراكش أسفي.