رأي | الرئيس شي جين بينغ و”الفوكاك” والغرب الذي لا ينام
بصفته القائد الأعلى للصين حزبا ودولة، يواصل الرئيس شي جين بين إحراج الغرب بمبادرته، التي تصب في اتجاه “بناء مصير مشترك للبشرية”، بناءا على اختيارات “عالية الجودة”، وبعيدا عن منطق الحرب السائد هذه الأيام في مناطق مختلفة من العالم، اختارت الصين تأكيد خطواتها الجادة نحو استضافة قمة أخرى ل”منتدى التعاون الصيني- الإفريقي” المعروف اختصارا بمنتدى “فوكاك”.
القمة ستنعقد من 4 إلى 6 سبتمبر 2024 تحت عنوان بالغ الأهمية: “التكاثف من أجل تعزيز التحديث وبناء مجتمع مصير مشترك رفيع المستوى بين الصين وإفريقيا”، وينتظر أن يحضر الرئيس شي جين بينغ شخصيا للإفتتاح، بل وسيكون لبعض القادة الأفارقة شرف الجلوس إلى “مائدة ترحيبية” خاصة إلى جانب الرئيس، وسيكون من بين الحاضرين أيضا الأمين العام للأمم المتحدة، ورئيس مفوضية الإتحاد الإفريقي ما يجعل هذه القمة، أكبر حدث دبلوماسي للصين في الفترة الأخيرة.
ومن الطبيعي أن يشهد لقاء بهذا الحجم اجتماعات رفيعة المستوى، حددتها الصين مسبقا في أربع اجتماعات كبرى تتمحور حول حوكمة الدولة، والتصنيع والتحديث الزراعي، والسلام والأمن، وطبعا لا يمكن أن تمر القمة دون الحديث عن المشروع العملاق والمرحب به على نطاق واسع، وهو مبادرة “الحزام والطريق”، التي تحاكي أمجاد تجربة “طريق الحرير” القديمة، ولكن هذه المرة بأسلوب عصري تم التخطيط له بعناية كبيرة.
ورغم أن الصين تعرف مسبقا الخط التحريري لبعض وسائل الإعلام الغربية إلا أنها لم تكن لتغلق الباب أمام حضور ممثلي وسائل الإعلام الدولية، بما فيها “أدوات الدعاية والهيمنة الغربية”، وكان كثير من ممثليها قد حلوا ضيوفا مرحبا بهم، إلى جانب العشرات من ممثلي وسائل الإعلام الأخرى، في القاعة الكبرى لوزارة الخارجية الصينية، حيث تكلف تشن شياو دونغ، نائب وزير الخارجية الصيني، بالحديث عن آخر التحضيرات الجارية على قدم وساق، خلال نهاية الأسبوع المنصرم.
بعض الأسئلة التي طرحها بعض ممثلي وسائل الإعلام الغربية، عكست بشكل مفضوح أجواء القلق السائدة بين أمريكا وأروبا إزاء هذه الصداقة النامية، بصدق، بين “الشعب الإفريقي” والشعب الصيني، حيث كان البعض يتساءل عن الإحتياطات الوبائية، رغم عدم وجود وباء قاهر حتى هذه الأثناء، بإمكانه أن يؤثر على انعقاد القمة، أما آخرون فقد كانوا يسألون عن انعكاسات بعض الصراعات الإقليمية على اجتماع “الفوكاك”، والبعض كان يحاول إظهار تعاطف “مزور” مع الحزب الشيوعي الصيني الكبير، من خلال الحديث عن مدى وجود أدوات للتأكد من وصول “مساعدات الحزب” إلى المستهدفين في إفريقيا.. أما آخرون وبعضهم لم يصلهم الدور لطرح أسئلتهم، فلم يجدوا حرجا في إخراج أسئلة مكتوبة سلفا، بآلات راقنة، قبل الندوة من جيوبهم، لطرحها خلال ندوة المتحدث باسم وزارة الخارجية، ما يجعلها أسئلة غير صحفية، وربما هي أسئلة تقف وراءها جهات معينة لها هواجسها.
الصين كالعادة، راكمت تجربة دبلوماسية كبيرة، فكانت الأجوبة ذكية ومقنعة، فقد ردد المتحدث باسم وزارة الخارجية الصيني عبارات كان لها وقعها داخل القاعة وخارجها، من قبيل الحديث عن تاريخ الصداقة الصينية الإفريقية، والثقة التعاونية، والمشاريع الملموسة، كما أن الصين دائما تدعم جهود “السلام لإعطاء أمل جديد” ومثل هذا الكلام كان كفيلا بكبح جماح “الأسئلة المسمومة” حتى إشعار آخر.
إن قمة منتدى التعاون الصيني، فضلا عن وصولها إلى مرحلة النضج، بعد لقاءات سابقة منذ سنة 2006 في بكين وجوهانسبورغ، وقمة أخرى في بكين سنة 2018، ستشكل بلا شك إحراجا كبيرا للسياسات الغربية المتبعة منذ سنين في القارة الإفريقية، والتي تقوم على أساس استنزاف الثروات وانتهاك حرية الشعوب دون شفقة ولا رحمة، سواء في عهد الإستعمار، أو من خلال بعض السياسات التي لازالت متواصلة إلى اليوم، حيث يمكن للمبادرات الصينية أن تمكن الشعوب من التحرر والوقوف عليها رجليها من جديد من خلال التنمية المشتركة والتعاون المربح للجانبين الصيني والإفريقي، وللحديث بقية، بعد صدور الوثيقتين الختاميتين لأشغال المنتدى، وإحداهما عبارة عن “إعلان” والثانية عبارة عن “خطة عمل”، وحتى ذلك الوقت فإن الغرب لن ينام.