متابعات | صفقات بالملايير.. خلاصة السباق نحو التسلح بين الجزائر والمغرب
كشف التقرير الاستراتيجي المغربي 2020-2024، الذي أصدره مركز الدراسات والأبحاث في العلوم الاجتماعية مؤخرا، أن حجم النفقات العسكرية على المستوى الدولي استمر للعام السابع على التوالي، كما جاء في تقرير معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام الأخير، مما يؤكد استمرار السباق نحو التسلح في عدة مناطق من العالم، بعد اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، ثم الحديث عن عودة الحرب من جديد، مما يهدد الأمن الدولي ويهدد كذلك بالعودة إلى استعمال القوة في العلاقات الدولية.
إعداد: خالد الغازي
إن الأوضاع الأمنية بمنطقة شمال إفريقيا مرتبطة أكثر بالتوترات الإقليمية التي وصلت أوجها سنة 2021، بعد إعلان الجزائر عن قرارها الأحادي الجانب لقطع العلاقات الدبلوماسية مع المغرب، مما دفع بالبلدين إلى الرفع من وتيرة تسلحهما بشكل مضطرد، حيث خصصت حكومتا كل من الجزائر والمغرب ميزانيات غير مسبوقة للدفاع، ولازالت مرشحة للارتفاع بالنظر إلى توقعات القانونين الماليين للدولتين، حيث ضاعفت الجزائر ميزانيتها للتسلح وذلك بتخصيص أكثر من 22 مليار دولار لقطاع الدفاع لسنة 2023، كما رفع المغرب ميزانية الدفاع في مشروع قانون المالية لسنة 2023 إلى 12 مليار دولار.
وأبرز التقرير الاستراتيجي، أن إعلان الانفصاليين عن إنهاء وقف إطلاق النار بالأقاليم الجنوبية في نونبر 2020، شكل تصعيدا آخر ينضاف إلى التوتر بين المغرب والجزائر، إلى جانب احتمال تواطؤ قوة إقليمية في الشرق الأوسط واحتمال اقتنائها لطائرات بدون طيار قد يغير “قواعد اللعبة من الناحية العسكرية”، إذ تميزت الفترة ما بين 2019 و2022 بالإضافة إلى استمرار السباق نحو التسلح، بتوتر العلاقات بين المغرب والجزائر من جهة، وعدم استقرار الأوضاع الأمنية بالأقاليم الجنوبية بعد إعلان البوليساريو عن “وقف إطلاق النار” من جهة ثانية.
ويظل الصراع بين الجزائر والمغرب على خلفية نزاع الصحراء المغربية، بالإضافة إلى توتر الأوضاع بمنطقة الساحل، وكذا تهديد خطر الإرهاب.. من أهم عوامل ارتفاع وتيرة التسلح، وحجم النفقات العسكرية، خاصة في الجزائر والمغرب، اللذان أصبحا المستوردين الأساسيين للأسلحة بالقارة الإفريقية.
وحسب معهد ستوكهولم الدولي، فقد شكلت نسبة كل من الجزائر والمغرب من الأسلحة المستوردة بإفريقيا 70 في المائة بين سنة 2019 و2020، حيث فاق حجم النفقات العسكرية بالجزائر سنة 2020 مبلغ 9 ملايير دولار، مما يمثل 6.7 في المائة من الناتج الوطني الإجمالي، أما بالنسبة للمغرب، فقد فاق حجم النفقات العسكرية مليار و830 مليون دولار بنسبة 4.3 في المائة، كما بلغ حجم النفقات العسكرية بإسبانيا خلال نفس السنة وحسب المعهد السويدي المتخصص، 17 مليارا و43 مليون دولار بنسبة 1.4 في المائة من الناتج الوطني.
وفي ظل سعي كل دولة إلى تعزيز قدراتها الدفاعية من خلال اقتناء معدات جديدة، وصيانة ترسانتها العسكرية، ظهر معطى جديد يتجلى في التسابق نحو اقتناء الطائرات المسيرة الهجومية، وبموازاة مع عمليات تحديث البنيات العسكرية، تحاول كل دولة بالمنطقة إما تحديث الصناعات العسكرية، كما هو الشأن بالنسبة لإسبانيا، وإما تدعيم وإنشاء وحدات صناعية عسكرية بكل من الجزائر والمغرب.
الإنفاق العسكري المغربي
كشف ذات التقرير الاستراتيجي، أن ميزانية الدفاع للقوات المسلحة الملكية، توجهت نحو الارتفاع منذ سنة 2019، حيث ارتفعت بنسبة 4.77 في المائة في قانون المالية 2022، وبلغت 11.5 مليار دولار، واستمرت في الارتفاع مع قانون المالية لسنة 2023، الذي رصد مبلغ 119.766 مليار درهم (11.9 مليار دولار) للنفقات الخاصة باقتناء وإصلاح معدات القوات المسلحة الملكية، ثم لأول مرة سيتضمن القانون المالي كذلك دعم وتطوير صناعة الدفاع.
وقد شهدت سنة 2022 إحداث منطقة عسكرية في شرق المملكة، تعتبر الثالثة من نوعها بعد المنطقتين الشمالية (الرباط) والجنوبية (أكادير)، حيث تم اختيار مدينة الراشيدية كمقر لقيادة المنطقة العسكرية الشرقية، وهي المرة الأولى التي يشيد فيها المغرب منطقة عسكرية شرقا بهدف تأمين الحدود مع الجزائر، وبهذا الخصوص، أوضحت مجلة القوات المسلحة الملكية، بأن “إحداث المنطقة الجديدة سيساهم في تحقيق قدر أكبر من المرونة وحرية الحركة الضروريتين لإنجاز مختلف المهام الموكولة إلى الوحدات العسكرية المختلفة”، وكذلك تم إحداث قاعدة عسكرية جديدة بالشمال، في مدينة الحسيمة، لمواجهة الهجرة السرية وكل الأنشطة المرتبطة بالتهريب، بالإضافة إلى مراقبة الملاحة البحرية المتوسطية، و”زيادة التنسيق بين مختلف الوحدات العسكرية والمحلية من أجل اتخاذ إجراءات سريعة وفعالة في مواجهة مختلف التحديات”، وفي نفس الإطار تم إحداث قاعدة جوية جديدة خلال نفس السنة بسيدي يحيى الغرب، مخصصة للدفاع الجوي بعيد المدى، حيث “يرجح أنه سيتم تخصيصها لاستقبال أنظمة الدفاع الجوي التي حصل عليها المغرب من الصين، وأنظمة دفاعية أمريكية”.
ويعتبر المغرب – حسب معهد ستوكهولم – ثاني أكبر مستورد للأسلحة في إفريقيا، بعد الجزائر دون مصر، ولازالت الولايات المتحدة تعتبر أكبر مورد له بنسبة 90 في المائة، متبوعة بفرنسا بنسبة 2 في المائة، ثم بريطانيا بنسبة 0.3 في المائة، وخلال سنة 2019، فاقت مشتريات المغرب من الأسلحة الأمريكية مبلغ 10.8 ملايير دولار، مما جعله أول زبون لأمريكا بمنطقة “مينا”.
وفي إطار تحديث قدرات الدفاع الجوي، وقع المغرب عقودا مع الولايات المتحدة، حيث تم التوقيع مع شركة “مارتن لوكهيد” على عقد لتزويد المغرب بـ 25 طائرة حربية من طراز “إف 16 بلوك 72” وكل مستلزماتها، والتي تصنف بأنها تشبه طائرة “إف 35” من حيث الأنظمة الموجودة على متنها، كما شملت العقود المبرمة مع الشركة الأمريكية تحديث وترقية 23 طائرة “إف 16” القديمة مقابل 985 مليون دولار، ووافقت الولايات المتحدة على منح المغرب 36 طائرة مروحية هجومية من نوع “أباتشي” وكل معداتها، حيث سيتم في المرحلة الأولى تسليم 24 وحدة خلال السنة الجارية، كما عقد المغرب صفقة مع شركة “بيل ديكستن” سنة 2021، تضمنت شراء 24 طائرة مروحية مجهزة بصواريخ مضادة للغواصات من نوع “بيل 412”.
وقد وافقت الولايات المتحدة على صفقة تزويد المغرب بـ 10 صواريخ “هاربوك بلوك” المضادة للسفن، لتجهيز طائرات “إف 16″، كما نشرت مجموعة من المواقع الإخبارية موافقة البنتاغون على صفقة تزويد القوات المسلحة الملكية بمنظومة دفاعية جوية “باتريوت”، كما تم تزويد المغرب بصواريخ “أمرام” خلال سنة 2023، بينما تداولت بعض المواقع وجود مفاوضات بين المغرب والولايات المتحدة من أجل اقتناء الطائرة متعددة المهام الشبحية “إف 35 لايتينغ”، إلى جانب توقيع البلدين على صفقات متنوعة في الدفاع البري لاقتناء مجموعة من الدبابات الحربية أبرزها آخر نسخة من “أبرامز”.
وبالرغم من تنوع الصفقات العسكرية مع أمريكا، إلا أن المغرب حافظ على علاقته العسكرية مع فرنسا، حيث لا زالت تعد ثاني أكبر مورد للمغرب من الأسلحة.. فقد بلغت مبيعات الأسلحة الفرنسية نحو المغرب حوالي 425.9 مليون يورو سنة 2020، ثم 95 مليون يورو سنة 2021، حيث يحتل المغرب الرتبة 13 من بين زبائن فرنسا من سنة 2012 إلى 2021 بمجموع مليار و421 مليون يورو، محتلا الرتبة الأولى على مستوى القارة الإفريقية في هذا المجال.
وبخصوص الصين، فقد أبرم المغرب عقودا متعلقة بأنظمة الدفاع الجوي وبقاذفات الصواريخ، أو الصواريخ دقيقة التوجيه، وتلقى الدفعة الأولى من نظام الدفاع الجوي “إف دي 2000″، إضافة إلى توجيه طلب لاقتناء طائرات بدون طيار صينية الصنع من طراز “وينغ لونغ 2″، أما بالنسبة لتركيا، فقد تم عقد صفقة لاقتناء 13 طائرة بدون طيار من نوع “بيرقدار تي. بي 2″، إلى جانب صفقة مع كندا لاقتناء 22 طائرة مروحية من طراز “أتاك 129” وعشر دوريات سريعة، كما تم إبرام صفقات مع إسرائيل تتعلق بطائرات بدون طيار، وصواريخ مضادة للدبابات.
الإنفاق الجزائري
عرفت الميزانية المخصصة للدفاع بالجزائر سنة 2022، ارتفاعا بـ 700 مليون دولار مقارنة مع سنة 2021، حيث تم تخصيص مبلغ 9.8 ملايير دولار للدفاع، وبذلك تكون الجزائر من بين الدول الأكثر إنفاقا في المجال العسكري، إذ تعتبر – حسب مركز SIPRI – رابع ميزانية في العالم من حيث حصة الناتج الوطني الإجمالي المخصص لقطاع الدفاع، والتي بلغت سنة 2020 نسبة 5.6 في المائة، وعرفت زيادة في قانون المالية 2023 – حسب بعض المواقع – بنسبة 12 في المائة من الناتج الوطني الإجمالي، ويعزى هذا التطور في الإنفاق العسكري الجزائري إلى ارتفاع أسعار البترول الذي شهدته البلاد سنة 2022، الشيء الذي مكن الدول المصدرة للمواد النفطية من عائدات إضافية، يتم استثمارها في مجال الدفاع، حسب معهد الدراسات الاستراتيجية بلندن.
وقد أصبح بإمكان القوات المسلحة الجزائرية بعد تعديل الدستور، القيام بمهام خارج الحدود، حيث حدد الدستور مجالات تدخل الجيش الجزائري خارج حدوده في “إطار احترام مبادئ وأهداف الأمم المتحدة، والاتحاد الإفريقي، وجامعة الدول العربية”، ولأول مرة خصصت ميزانية الدفاع العسكري مبلغ 5 ملايير دولار لتمويل العمليات العسكرية الجزائرية خارج الحدود، بالإضافة إلى تشييد بعض القواعد العسكرية على الحدود مع المغرب، حسب بعض المواقع الإعلامية، كما عملت منذ سنة 2021 على تطوير قاعدة تندوف المحاذية للحدود مع المغرب، من خلال تحديث المطار ليكون قادرا على استقبال الطائرات الحربية “ميغ 29″، و”سوخوي 30”.
وقد تميزت سنة 2021 بتوقيع الجزائر وروسيا صفقة شراء للأسلحة تصل قيمتها الإجمالية 7 ملايير دولار، مما يجعل الجزائر ثالث أكبر مستورد للأسلحة في العالم، كما تشير مجموعة من المواقع إلى دخول البلدين في مفاوضات للتوقيع على صفقة شراء بقيمة 12 مليار دولار خلال السنة القادمة، مما يبين أن الجزائر تعمل على تحديث وتقوية عتادها العسكري خاصة فيما يتعلق بالدفاع الجوي.
ففي شهر نونبر 2021، وقعت الجزائر مع روسيا صفقة اقتناء 14 مقاتلة “سوخوي إس57” متعددة المهام، مما قد يمكن الجزائر من أن تصبح أول دولة تتوفر على الطائرة الشبحية الروسية من الجيل الخامس، وقد تبدأ روسيا في عملية التسليم ابتداء من سنة 2025، بل ترجح بعض المواقع إبرام صفقات أخرى لشراء مقاتلة “سوخوي سو 75” التي تنافس المقاتلات الأمريكية “إف 22” و”إف 35″، إلا أن المقاتلة الروسية لازالت في طور الإنتاج، كما أشارت بعض المواقع إلى أن الجزائر قد تكون أول دولة عربية ستحصل على أنظمة “إس 500” بالإضافة إلى أنظمة الدفاع الجوي “إس 300″، و”إس 400”.
وتعتزم الجزائر – حسب الصحافة المحلية – اقتناء 24 طائرة بدون طيار صينية الصنع من طراز “wing loung 2” وأخرى من نوع “rainbow”، كما اتجهت نحو تركيا لاقتناء أنواع أخرى في مجال الطائرات بدون طيار، مثل “آق صونغور” و”بيراقدار”، وعملت كذلك على شراء عدة منظومات دفاعية صينية الصنع، في مجال الحرب الإلكترونية أو في مجال الدفاع الساحلي، مثل
“CM 302″، وعملت على تسليح بحريتها بقطع بحرية متطورة بعد إعلانها اقتناء 6 طرادات ثقيلة من النوع الصيني 56 في سنة 2023، في الوقت الذي تتحدث بعض التقارير عن تخلف المدفعية العسكرية خلال العشر سنوات الأخيرة، إذ لا تتطور بنفس وتيرة الدفاع الجوي والبحري.
وحسب التقرير، فإن الجزائر تحاول تنويع مورديها من حيث الأسلحة بالتوجه أساسا نحو الصين وتركيا، ذلك لأن الحرب الروسية الأوكرانية قد تؤثر على استيرادها للسلاح الروسي بالنظر إلى النقص في الإمدادات من جهة، والابتعاد عن روسيا قد يجنب فرض عقوبات على الجزائر من جهة أخرى، حيث وجه 27 عضوا من الكونغريس الأمريكي، في أكتوبر 2022، رسالة إلى وزير الخارجية، طالبوا من خلالها بفرض عقوبات على الحكومة الجزائرية بسبب صفقات الأسلحة مع روسيا، كما وقع 17 نائبا أوروبيا رسالة إلى رئيسة المفوضية الأوروبية ومفوض الشؤون الخارجية، للتعبير عن القلق بشأن عقود التسلح بين الجزائر وروسيا التي ستؤدي إلى تدفق الأموال على موسكو.
فالمغرب يسعى لتعزيز قدراته الدفاعية في جميع المجالات مع محاولة الحفاظ على توازن القوى بالمنطقة، وإذا كانت النفقات العسكرية الجزائرية تفوق النفقات العسكرية المغربية، فإن المغرب يراهن على التفوق النوعي لأسلحة الدول الشريكة، وتنويع شركائه في هذا المجال، وصيانة وتحديث المعدات العسكرية، إضافة إلى تدريب القوات المسلحة وتكوينهم باستمرار لاكتساب المزيد من الخبرات.
ختاما، يرى محللون أن التنافس على احتلال موقع الدولة المركزية في المنطقة المغاربية، هو الدافع الموضوعي الرئيسي الذي يمكن به تفسير السباق نحو التسلح بين الجزائر والمغرب، لأن التوازن النسبي الذي يعرفه ميزان القوى هو العامل الذي يحفز كل طرف على الاستمرار في التنافس على جميع المستويات، بما فيها موضوع التسلح.