متابعات | هل ينجح الدرهم الإلكتروني كعملة جديدة في تعويض التعامل المالي التقليدي ؟
يستعد بنك المغرب لإصدار الدرهم الإلكتروني عملة رقمية جديدة، ويسعى إلى طرحها في السوق المالية الوطنية والبنوك، للتداول بالعملة الرقمية عوض النقود الورقية، مما يطرح تساؤلات ومخاوف كبيرة لدى المواطنين حول منهجية تطبيق العملة الرقمية، وهل سيكون لها تأثير على الحرية المالية، وطرق الادخار والمعاملات المالية في عدة قطاعات تجارية وحيوية ؟
إعداد: خالد الغازي
بالرغم من تطمينات بنك المغرب حول طرح العملة الرقمية في الأسواق المالية، وفرض التعامل بها للحد من انتشار “الكاش” وامتصاص التضخم، إلا أن هناك قلقا بخصوص الجانب الأمني في تطبيق الدرهم الإلكتروني وحماية المعطيات الشخصية والمالية للمواطنين، خاصة وأن طرق التعامل سوف تعتمد على الهواتف الذكية كما في الدول الآسيوية، الشيء الذي قد يخلق مشاكل كبيرة للمواطنين، خصوصا الذين لا يعرفون استعمال هذه الهواتف فبالأحرى العملة الرقمية، ومخاوف من القرصنة والسرقة، خاصة وأن الهواتف الذكية ستصبح محفظة مالية رقمية.
ففي ظل التخوف الذي يسود اعتماد الدرهم الإلكتروني خاصة بالنسبة للحرية المالية للأشخاص، الذين يخشون من وضع قيود مرافقة لاستعمال العملة الإلكترونية، إلا أن هناك من يرى أنه من مزايا وفوائد متعددة من استعمال العملة الرقمية، تقليل التكاليف اللوجستية والإدارية المرتبطة بنقل وتخزين الأموال، وتتبع جميع المعاملات الرقمية بشكل أفضل، مما يساهم في مكافحة الفساد وتبييض الأموال.
في هذا السياق، يقول المحلل الاقتصادي محمد جدري، أن الدرهم الرقمي قادم لا محالة، لأن المستقبل هو للعملات الرقمية بدرجة أساسية، وبالتالي، فإن توجه بنك المغرب نحو إصدار الدرهم الرقمي أمر لا محيد عنه، لأنه في ظل تقدم العالم لا يمكن أن نعود خطوات إلى الوراء، مضيفا أن هذا الأمر يتطلب مجموعة من التشريعات والتجارب والضمانات لكي يكون لدينا الدرهم الرقمي ساري المفعول على المستوى المحلي.
وأكد ذات المحلل الاقتصادي، أن مجموعة من الدول الإفريقية الشبيهة لاقتصادنا الوطني، سارت في كل ما يتعلق بالعملات الرقمية، مثل نيجيريا وتنزانيا، منبها إلى عدم الخلط بين الدرهم الرقمي والعملات الرقمية المتداولة في الأنترنيت، والتي تعرف مجموعة من المضاربات وصعود ونزول سعرها، عكس الدرهم الرقمي، الذي سيعوض العملة الورقية لكن سعره وقيمته لا تساوي إلا درهما واحدا.
واعتبر محمد جدري أن استعمال الدرهم الرقمي له مجموعة من المنافع على الاقتصاد الوطني، لأن “الكاش في المغرب له 30 في المائة من الناتج الداخلي الخام، حيث أن 421 مليار درهم تتداول في الكاش، وبالتالي الاقتصاد الوطني لا يستفيد من هذه السيولة الكبيرة، التي يمكن أن تساعد مجموعة من الأبناك لكي تمول الاقتصاد، في حين أن استعمال الدرهم الرقمي سيساعد الاقتصاد وسيعزز الشفافية لمعرفة مآل مجموعة من المعاملات المالية، وسيقلص من الرشوة والفساد وتبييض الأموال، ومن الضروري تعبئة الناس وتعزيز الثقة ما بين المؤسسات المالية والمواطنين لاستعمال الدرهم الرقمي”.
من جانبه، يرى ياسيـن كحلـي، باحث في العلوم القانونية، أن الدرهم الإلكتروني يمثل خطوة نحو الانتقال إلى اقتصاد رقمي متكامل، إذ تعتمد هذه العملة على تكنولوجيا متقدمة تهدف إلى توفير حلول دفع أكثر فعالية وأمانا، بهدف تقليل التعاملات النقدية التي يمكن أن تكون مكلفة ومعرضة للمخاطر، كالسرقة أو التزوير، موضحا أن الدرهم الإلكتروني لا يقتصر فقط على توفير وسيلة دفع رقمية، بل يهدف كذلك إلى تعزيز الشمول المالي، وذلك من خلال تسهيل الوصول إلى الخدمات المالية للأفراد غير المتعاملين مع البنوك التقليدية، إذ يمكن أن يسهم المشروع في تحقيق العدالة المالية وتمكين الأفراد اقتصاديا، كما يسعى المشروع إلى تقليل تكاليف التحويلات المالية وتحسين سرعة وكفاءة التعاملات المالية والبنكية.
وأكد نفس المتحدث، أنه إلى جانب الفوائد الاقتصادية والتقنية، يحمل الدرهم الإلكتروني تأثيرات إيجابية على الاقتصاد الكلي، حيث من المتوقع أن يسهم في تعزيز النمو الاقتصادي من خلال تحسين كفاءة النظام المالي وخفض التكاليف المرتبطة بإدارة النقد، كما يمكن أن يعزز من قدرة الحكومة على تتبع التعاملات المالية والحد من الأنشطة الاقتصادية غير القانونية، مشيرا إلى أن “مبادرة الدرهم الإلكتروني تأتي كجزء من جهود مؤسسة بنك المغرب بغية تعزيز الحكامة المالية والكفاءة في النظام المالي”.
وسبق أن كشف بنك المغرب عن مستجدات مشروع الدرهم الإلكتروني، تتمثل في القيام بتجارب عملية ناجحة لتقييم التطبيق العملي للعملة على أرض الواقع، المعروفة باسم Proof of Concept، بعدها إتمام عملية اختبار مساطر الأداء للعملة الإلكترونية في عمليات الدفع بالتقسيط، وتقييم المسار التشغيلي للنظام، وتشمل التجارب اختبار استخدام العملة في مختلف مجالات الدفع.
ومن المتوقع – حسب خبراء – أن تعرف المرحلة الأولى لاعتماد الدرهم الإلكتروني تبني منهجية متدرجة على غرار عدد من البنوك المركزية في مختلف الدول، التي لم تطبق العملة الرقمية بشكل كامل، ولكن من خلال اعتماد العملة العادية والإلكترونية خلال مرحلة أولى، وذلك لغاية التحكم بشكل أكبر في المخاطر الناتجة عن إدخال عنصر جديدة في تركيبة العملة النقدية.
ويبقى اعتماد الدرهم الإلكتروني مسألة وقت بالنسبة لبنك المغرب، فهو مشروع عالمي يدخل ضمن الاقتصاد الرقمي الذي يسعى المنتدى الاقتصادي العالمي لحث البلدان على اعتماده مستقبلا، لكن بالرغم من أهمية هذا القرار، إلا أنه يطرح إشكاليات عريضة حول كيفية مراقبة الأموال التي تروج في السوق السوداء، خاصة في قطاع العقار والمضاربين، والشقق والصفقات والمعاملات التجارية الكبرى.. فهل ينجح بنك المغرب في فرض رقابة مالية عبر العملة الإلكترونية ؟