ربورتاج | عيد الأضحى بين آفة الاحتكار ومشنقة القروض والقطيع الأجنبي
مع اقتراب عيد الأضحى، تفكر جميع الأسر المغربية في اقتناء الأضاحي والبحث عن أثمنة مناسبة في ظل تحديات الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها وارتفاع أسعار المواد الغذائية وتراجع القدرة الشرائية، ما يجعل مهمة الكثير من أرباب الأسر صعبة للغاية في ظل الحديث عن ارتفاع سعر الأغنام المحلية في الأسواق.
الرباط. الأسبوع
مع تداول الأخبار والمعطيات حول ارتفاع أسعار الأضاحي ما بين 4 آلاف إلى 6 آلاف درهم في الأسواق، ولأجل الحصول على الأضحية المناسبة في إطار الحفاظ على العادات والتقاليد، تتسابق الأسر المغربية على قروض الاستهلاك أو العروض المخصصة للمناسبات والأعياد من قبل الوكالات البنكية ومؤسسات القروض الصغرى، في ظل صعوبة الادخار والتوفير الشهري استعدادا لعيد الأضحى بسبب الغلاء الذي تعرفه كل المنتجات والمواد الاستهلاكية، مما يزيد من دائرة المديونية لدى أسر الطبقة المتوسطة والفقيرة وما دونهما، حسب المندوبية السامية للتخطيط.
ويرى العديد من الخبراء، أن الوضع الاجتماعي الذي تعاني منه الأسر يسفر عن تفاقم المشاكل الاقتصادية، خاصة بالنسبة للأسر ذات الدخل المحدود، مما يعكس صعوبة الوضع الاقتصادي والتحديات التي تواجه الأسر في تحقيق التوازن في ظل ارتفاع تكاليف المعيشة وانتشار عقلية الاحتكار بين أصحاب الضيعات والفلاحين الكبار والوسطاء لرفع الأثمنة في الأسواق.
في هذا السياق، يرى الخبير الاقتصادي ياسين عليا، أن الحكومة يجب أن تضمن بشكل من الأشكال مداخيل بالنسبة لمربيي الأغنام، لأن القطيع الوطني عرف تراجعا كبيرا بسبب الجفاف، وبعدما كنا نحقق فائضا كبيرا يغطي الطلب، أصبحنا في وضعية عجز، قد تستمر خلال السنوات المقبلة في حال استمرار موجة الجفاف مع ضعف إنتاج القطيع الوطني، مضيفا أن الرهان الحكومي يخدم أيضا فئة كبار الكسابة وكبار الفلاحين، الذين يرفعون من مستوى مداخيلهم خلال هذه الفترة التي تشكل بالنسبة لهم فرصة لتحقيق الأرباح، وقال: “إن هناك حديثا عن احتكار هام لرخص الاستيراد من طرف مجموعة محدودة، ستتوفر على دعم من طرف الدولة ثم ستحقق هوامش ربح جيدة مقارنة مع أثمنة الشراء من السوق الأوروبية، بحكم أنه حتى وإن كان الثمن أقل، إلا أنه سيكون هناك نوع من المقايسة على الخروف المحلي أو الأضحية المحلية، حيث إذا كان المعدل هو 4 آلاف درهم للأضحية المحلية، فمن المحتمل أن يكون الخروف المستورد بحوالي 2500 درهم، علما أنه في كلفة الاستيراد قد تصل إلى ألف درهم مدعومة بمبلغ 500 درهم، مما يحقق هامش ربح كبير يصل لألفي درهم بالنسبة للمستوردين، وهذا يطرح إشكالية كبيرة على مستوى مراقبة أثمنة البيع وعن الجدوى من الاستيراد ودعم هذه الأغنام المستوردة بـ 500 درهم عن كل رأس”.
بالنسبة للجوء الأسر إلى القروض وحلول مادية أخرى لمواجهة غلاء أسعار الأضاحي، كشف الخبير ياسين عليا، أن اللجوء للاقتراض مؤشر على نوعية الهشاشة التي يعاني منها المواطن المغربي بالنسبة للمداخيل الغير كافية لتحمل المصاريف، أو حالات طارئة مثل إصابته بالمرض، حيث يلجأ للاقتراض للقيام بالعملية، حيث يرى في عيد الأضحى شعيرة اجتماعية أكثر من مفهومها الديني الأصلي لتصبح إلزامية بالنسبة للمواطن العادي، خاصة المنتمي للطبقات المتوسطة والفقيرة، وبالتالي، يلجأ إلى القروض، مشيرا إلى أن اللجوء إلى القروض يكون بشكل كبير خلال المناسبات فهو لا يرتبط فقط بعيد الأضحى، وإنما بمناسبات أخرى، خلال العطلة الصيفية أو الدخول المدرسي، مما يجعل مؤسسات القروض والأبناك تستغل هذه الفرصة للرفع من مستوى رقم معاملاتها.
وأكد نفس المتحدث، أن أكثر فئة في المجتمع تلجأ لقروض الاستهلاك خلال فترة عيد الأضحى هم الموظفون والمستخدمون في القطاع الخاص، والذين يتوفرون على ضمانات مرتبطة بأجور ثابتة، حيث تفضل مؤسسات الأبناك والتمويلات والقروض هؤلاء الناس لكونهم تتوفر فيهم إمكانية الأداء وتسديد الأقساط، وتفرض عليهم الاقتطاع من المنبع تجنبا لملفات عدم الأداء التي ارتفعت بشكل كبير، فنسبة القروض غير المسددة بالنسبة لهذه الشركات ارتفعت بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة مقارنة مع الفترات السابقة، معتبرا أن هذه العملية تؤكد أن المواطن المغربي ما زال غير قادر على الادخار وتوفير المصاريف للمناسبات، بالإضافة إلى دخوله في نمط الاستهلاك وخضوعه للثقافة الاستهلاكية الغربية.
من جانبه، قال بدر الوزاني، رئيس المجلس الوطني للهيئة الوطنية للأطباء البياطرة، أن جميع مربيي الماشية يقومون بمجهود للحفاظ على القطيع الوطني من الأغنام، لكن الإشكال يكمن في توالي سنوات الجفاف التي جعلت عملية التوالد بين الأغنام تنخفض شيئا ما مقارنة مع السنوات الماضية، بسبب تداعيات وتأثيرات المناخ والجفاف، بينما من ناحية الجودة، فيظل القطيع المغربي ذا جودة متميزة، لكونه يخضع للتتبع والمراقبة من قبل الأطباء البياطرة، سواء الذين يشتغلون في القطاع الخاص أو التابعين للمكتب الوطني للسلامة الصحية، من خلال تنظيم دوريات لمراقبة الضيعات الفلاحية التي تستورد الأغنام من الخارج، والقيام بعمليات الترقيم للأغنام لتتبع مسارها عند وصولها للمستهلك خلال فترة العيد، ثم مراقبة عينات الأكل والماء والأدوية التي تستعمل.
وأوضح المتحدث ذاته، أن عملية استيراد الأغنام من إسبانيا أو رومانيا تخضع لدفتر تحملات، تلزم بإجراء تحاليل عليها لكي تكون خالية من الأمراض، وكذلك عندما تصل للمغرب تخضع للحجر الصحي لمدة 15 يوما، ويقوم صاحبها بالتعاقد مع طبيب بيطري خاص، لإجراء تحاليل مخبرية على الدم وإرسال العينات إلى مختبرات المكتب الوطني للسلامة الصحية حتى يتم التأكد من أن الأغنام خالية من المرض، ثم يتم رفع الحجر الصحي قبل عرضها في الأسواق للبيع.
ويؤكد الوزاني، أن الحالة الصحية للأغنام المستوردة لا تعاني من أي مشاكل صحية، بل هي جيدة ولا يوجد أي دليل على وجود مرض أو شيء في أي منطقة من المملكة، وهذه الأغنام لا تختلف عن المواشي المحلية، فهي من الصنف اللاحم “الميرنوس”، والاختلاف الوحيد يكون من ناحية الأعلاف، والمعروف أن الأغنام المحلية تتربى على العلف الطبيعي والعلف المركب الذي تنتجه المصانع، أما الغنم الإسباني والروماني فيعتمدون على العشب بنسبة 70 في المائة، لأن لديهم تساقطات مطرية كثيرة، و30 في المائة من العلف المركب، مشيرا إلى أن أثمنة الأغنام المستوردة تتراوح ما بين 4 إلى 5.5 أورو، أي 55 درهما للكيلوغرام الواحد، بإضافة المصاريف والدعم الذي خصصته الحكومة قد يتراوح سعر الخروف الإسباني أو الروماني ما بين 1800 إلى 2100 درهم.
وفي نفس الصدد، حذرت جمعيات حماية المستهلك من ممارسات قبل عيد الأضحى قد تساهم في نقص عرض رؤوس الأغنام في الأسواق المغربية، تتمثل في إمكانية لجوء بعض المستوردين إلى تخزين مجموعة من الأغنام التي تم استيرادها من الخارج دون عرضها في الأسواق، قصد الاستفادة منها بعد فترة عيد الأضحى، أو توفيرها بأسعار مرتفعة قبل أيام قليلة من هذه المناسبة.
وكشفت الجمعية أن عمليات التخزين تم رصدها العام الماضي، وهناك حاليا تخوف من تكرارها، ما قد يساهم في تقليص العرض مقابل الطلب المرتفع، ويزيد من ارتفاع الأسعار التي تبقى حاليا غير مناسبة بالنظر إلى القدرة الشرائية للمواطن، داعية إلى فرض دفتر تحملات يلزم المستوردين بتوجيه جميع الأغنام التي تم استيرادها نحو الأسواق، مع عمليات المراقبة المستمرة تفاديا لحدوث عمليات التخزين، مبدية تخوفها من أن تؤدي هذه الممارسات إلى تقليص العرض مقابل الطلب المرتفع، مما سيجعل أسعار الأغنام تواصل ارتفاعها القياسي، وهي حاليا غير مناسبة بالنظر إلى القدرة الشرائية للمواطن.
وقد أنفقت الأسر المغربية في مناسبة عيد الأضحى خلال السنة الماضية، حسب المندوبية السامية للتخطيط، 18 مليار درهم، مشيرة إلى ارتفاع أسعار اللحوم وارتفاع سعر الماشية المخصصة للنحر بمتوسط 2400 درهم، وعدم قدرة العديد من الأسر على سداد أقساط قروض بنكية بأزيد من 39 مليار درهم، بينما وصل مستوى مديونيتها لدى البنوك إلى 386.1 مليار درهم متم شهر مارس الماضي، منها 57.6 مليار درهم عبارة عن قروض استهلاكية.
وقد اقترضت الأسر 8.7 مليارات درهم من جمعيات القروض الصغرى حتى متم مارس الماضي، وفق تقرير الإحصائيات النقدية الصادر عن بنك المغرب، إضافة إلى قروض بقيمة 79.2 مليار درهم من شركات التمويل خلال الفترة نفسها، فيما كشفت أرقام المندوبية السامية للتخطيط عن تدهور الوضعية المالية لهذه الأسر وتفاقم مديونيتها، إذ أن 42 في المائة من الأسر استنزفت مدخراتها ولجأت إلى الاقتراض خلال الفصل الأول من السنة الجارية.