تحقيقات أسبوعية

تقرير | ارتفاع تكلفة الفساد يؤثر على ثقة المستثمرين والمقاولات

كشفت الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، في “رسالة النزاهة 5″، تراجع تصنيف المغرب في عدة مؤشرات دولية مرتبطة بالفساد، لاسيما مؤشر إدراك الفساد، مؤشر الحرية الاقتصادية، ومؤشر التحولات في تقييم جودة الديمقراطية والأداء الاقتصادي والتدبير السياسي.

الرباط. الأسبوع

    أكدت الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، التي يرأسها محمد بشير الراشدي، أن السؤال المتعلق بسياسة مكافحة الفساد ضمن مؤشر التحول يبين أن المغرب يتواجد بين التصنيفين التاليين: “عدم قدرة الحكومة على احتواء الفساد وعدم وجود آلية للنزاهة، والحكومة جزئيا غير راغبة وغير قادرة على احتواء الفساد، في حين أن آليات النزاهة القليلة المطبقة في الغالب، غير فعالة”.

تتمة المقال تحت الإعلان

وأوضحت الهيئة، أن المغرب يندرج في فئة “المسؤولين الذين ينتهكون القانون ولكنهم يجذبون في بعض الأحيان صورة سيئة ويعرضون أنفسهم للفساد ولا تتم متابعتهم بشكل كاف” في تصنيف ملاحقة التجاوزات التي يرتكبها موظفو الدولة، معتبرة أن الفساد يؤثر على ثقة المستثمرين ومناخ الأعمال، وينعكس ذلك على جاذبية الاقتصاد الوطني، وبقدر ما يهم الفساد القطاع الخاص في حد ذاته، بقدر ما يطال أيضا علاقة الفاعلين الاقتصاديين بالإدارة، ولمواجهة هذا الوضع يتعين اعتبار القطاع الخاص كفاعل لا غنى عنه في تفعيل أهداف الوقاية من الفساد ومحاربته على المستوى الوطني، ومن المؤكد أن القطاع الخاص يواجه هذه المعضلة سواء في إطار التعاملات بين الفاعلين الاقتصاديين، أو بسبب تفاعلاته المتعددة والدائمة مع الإدارة (طلبات التراخيص، المشاركة في الصفقات العمومية)، مشيرة إلى أن المغرب كسب نقطتين على مستوى استطلاع الرأي بين كبار المديرين التنفيذيين، الخاص بالمنتدى الاقتصادي العالمي مقارنة بمؤشر مدركات الفساد لسنة 2022.

وحسب الهيئة، فإن المخاطر المرتبطة بممارسات الفساد التي تلقي بثقلها بشكل متزايد على المقاولات، تتمثل في فقدان التنافسية بسبب اللجوء إلى الفساد للظفر بالصفقات على حساب الاستثمار، وتنمية القدرات وعوامل التنافس، مخاطر التعرض للعقوبات المدنية والجنائية مع تنامي الوعي الذي تجلى في توجهات المنتظم الدولي والتزامات المغرب، تعزيز نظام مكافحة الفساد الوطني بشكل متزايد مما قد تتزايد معه فرص التعرض لمخاطر العقوبات، مخاطر متعلقة بالسمعة، مخاطر تجارية بالنسبة للمقاولات المشاركة في الصفقات، بشكل أكبر المقاولات المعنية بمعاملات دولية تتسم بالفساد، مخاطر متعلقة بالتعرض للقوانين العابرة للحدود، والقوانين الأمريكية والبريطانية والفرنسية، يمكن أن يكون لها تأثير على مقاولاتنا الوطنية.

وحسب البحث الميداني للبنك الدولي المتعلق بالمقاولات لسنة 2023، فقد احتل الفساد المرتبة الثانية من ضمن العوائق الرئيسية المصرح بها من قبل المقاولات في المغرب، حيث أعلنت 15.7 % من المقاولات أن الفساد هو العائق الرئيسي أمامها، و29.6 % من المقاولات التي تم استجوابها تلقت طلبا لدفع رشاوى في إطار 6 تعاملات مع القطاع العام تتعلق بالحصول على خدمات عمومية، وتصاريح تراخيص والضرائب.

تتمة المقال تحت الإعلان

وتظهر تحليلات مختلف المؤشرات المتعلقة بالفساد والحكامة والمواضيع ذات الصلة، أن نتائج المغرب على مستوى التنقيط لا تزال متباينة إلى حد كبير لمدة عقدين من الزمن، وبشكل عام أقل، من الانتظارات والأهداف المسطرة من طرف السلطات والمؤسسات ذات الصلة.

وبخصوص أبرز التحديات القائمة لمواجهة الفساد وتعزيز النزاهة في عالم الأعمال، دعت الهيئة إلى إصلاحات تشريعية وتنظيمية ضرورية لتعزيز مناخ الأخلاق والحكامة المسؤولة والوقاية من الفساد، وتحسين إطار المساءلة بخصوص الصفقات العمومية، وتعزيز الحق في الحصول على المعلومات والبيانات العمومية، ومواكبة جهود التبسيط وإلغاء التراخيص والإجراءات التي لا أساس لها من الناحية القانونية، وتعزيز قابلية الاعتراض على الإجراءات الإدارية والتحول الرقمي، ثم تعزيز آليات الطعن ضد حالات الفساد، وكذلك ضمانات حماية المبلغين عنه ومثيري الانتباه، كما دعت إلى تعزيز المعرفة لتحديد بؤر الفساد التي تواجه المقاولات، ومواكبة تطوير قدرات القطاع الخاص من خلال التوعية والتدريب وتوفير دليل وأدوات ملائمة لتسهيل أنظمة مكافحة الفساد، وترسيخ ومأسسة الحوار بين القطاعين العام والخاص في مجال الحكامة الجيدة والوقاية من الفساد ومحاربته، ووضع خريطة لمخاطر الفساد في مجال الاستثمار والأعمال.

وتوقف تقرير الهيئة عند نتائج البحث الوطني حول الفساد، والذي يتضمن خلاصة نتائج 1100 مقاولة، والمجرى ما بين 2 ماي و3 غشت 2023، بهدف قياس مدى انتشار ومتابعة تطور ظاهرة الفساد في المغرب، في أفق تعزيز السياسات وتطوير آليات فعالة لمكافحته، حيث كشف البحث أن 68 % من المقاولات المعنية بالدارسة تعتبر أن الفساد منتشر أو منتشر جدا بالمغرب، عكس 8 % التي عبرت عن رأي مخالف، أي قليل الانتشار أو قليل الانتشار جدا، كما أن 45 % من المقاولات ترى أن هناك ارتفاعا للفساد خلال السنتين الماضيتين بالمغرب، مقابل 27 % التي تقول بتراجعه، بينما صرحت 6 % من المقاولات بأنها تعرضت لحالة من حالات الفساد وقامت بوضع شكاية، وأقل من 3 % منها قامت بالتبليغ عن الفساد الذي تعرضت له.

تتمة المقال تحت الإعلان

كما أبرز البحث غياب فعالية تقديم الشكايات والاستهانة بالفساد والخوف من عواقبه السلبية على المقاولة، باعتبارها من بين الأسباب الثلاثة وراء شكايات وتبليغات المقاولات المستطلع آراؤها.

وأكدت المقاولات أن المجالات الثلاث الأكثر عرضة للفساد هي: مجال الرخص والمأذونيات والتراخيص في المرتبة الأولى، ومجال الصفقات في المرتبة الثانية، فيما جاء مجال التوظيف في المرتبة الثالثة، في أكثر المجالات تعرضا للفساد بالبلاد، كما توقف البحث عند غياب فعالية تقديم الشكايات والاستهانة بالفساد والخوف من عواقبه السلبية على المقاولة.

ودعا بشير الراشدي، في هذا السياق، إلى جعل سنة 2024 نقطة تحول عميق يسير نحو حقبة جديدة في مجال الوقاية من الفساد ومحاربته، مؤكدا أنها ستندرج في ظاهرة الفساد في منحنى تنازلي قوي ومستدام يجعل بلادنا مثالا يحتذى به.

تتمة المقال تحت الإعلان

وشدد الراشدي – ضمن رسالة الهيئة – على ضرورة تغيير المقاربة المتعلقة بمحاربة الفساد بدينامية جديدة تستند إلى رؤية واضحة وطموحة، هذه المقاربة الجديدة تريد الهيئة أن تكون شاملة لتستجيب للتعقيدات التي تكتنف هذه الظاهرة وتجلياتها، مضيفا أن هذه الدينامية الجديدة يجب تنزيلها بما يضمن نتائج وأثار ملموسة على المدى القصير، وذلك لاستعادة الثقة وضمان تحقيق التعبئة الشاملة في محاربة الفساد.

وطالب الراشدي – في رسالته – باعتماد مقاربات ملائمة لكل مجال ولكل فئة مستهدفة، بمن فيهم المواطنين والمرتفقين وعالم الأعمال والمجال السياسي والفاعلين العموميين، بالإضافة إلى مجالات التشريع والعدالة وإنفاذ القانون، مع مواكبة كل ذلك بتعميق المعرفة الموضوعية بهذه الظاهرة، وبالابتكار والتحول الرقمي، وقال: “لا يمكن للمواطنين والفاعلين الاقتصاديين، وخاصة الأكثر هشاشة، أن يقبلوا بهذه المفارقة وأن يتقبلوا وضعا يحرمهم من حقهم في فرص الازدهار المهمة في ظل العدالة والتنمية المستدامتين للجميع”.

وسجلت الهيئة تراجع المغرب في مؤشر الحرية الاقتصادية منذ سنة 2022، بعد تطور إيجابي بين سنتي 2015 و2021، إذ بلغ تنقيطه في مؤشر الحرية الاقتصادية 56.8 نقطة، أي بتراجع قدره 1.6 نقطة مقارنة بسنة 2023، ومن حيث الترتيب، يحتل المغرب المركز 101 عالميا من أصل 184 دولة، والتاسع من أصل 14 على مستوى منطقة شمال إفريقيا والشرق الأوسط، وكشفت أن تنقيط المغرب خلال سنة 2024 ما يزال أقل من المتوسط العالمي (58.6) وكذا متوسط منطقة شمال إفريقيا والشرق الأوسط البالغ 57.4، مؤكدة أنه وفقا لمؤشر الحرية الاقتصادية، يعتبر الاقتصاد المغربي عموما “غير حر” خلال سنة 2024.

تتمة المقال تحت الإعلان

وأضافت الهيئة أن المغرب سجل انخفاضا بمقدار 0.017 نقطة في مؤشر الفساد السياسي، مما أثر على درجة هذا المصدر المحتسبة في التنقيط العام للمغرب في مؤشر إدراك الفساد، حيث سجل تقهقرا بنقطة واحدة منتقلا من 37 سنة 2022 إلى 36 سنة 2023، كما أن الانخفاض المسجل سنة 2023 أثر سلبا على تنقيط هذا المصدر في حساب تنقيط المغرب على مؤشر إدراك الفساد، مؤكدة أنه “رغم أن الانخفاض شمل فقط الأشهر الثلاثة الأخيرة (يونيو ويوليوز وغشت)، فتأثيره كان واضحا على تنقيط الدليل الدولي لمخاطر الدول والذي انخفض من 50 إلى 48 فاقدا نقطتين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى