المنبر الحر | ألغام في طريق حزب الاستقلال نحو المؤتمر
بقلم: بنعيسى يوسفي
في الوقت الذي ينتظر الرأي العام السياسي في المغرب انعقاد المؤتمر الثامن عشر لحزب الاستقلال في أبريل القادم، يبدو أن الطريق ليست سالكة حتى يمر هذا الاستحقاق الانتخابي في أحسن الظروف وفي أجواء مناسبة، فناهيك عن المشاكل الكثيرة التي يتخبط فيها الحزب لمدة ليست بالقصيرة والاختلافات العميقة بين أبرز قيادييه والتي دفعت غير ما مرة الأمين العام الحالي للعب دور الإطفائي ورأب الصدع ليعيد المياه إلى مجاريها، وبالكاد استطاع إقناع العديد من الأطياف بتاريخ انعقاد المؤتمر، الذي تم تأجيله مرات متعددة، وهذا سلوك لم نعهده في هذا الحزب العريق الذي كان إلى عهد قريب مشتلا لتفريخ النخب السياسية الجديرة بتحمل المسؤولية الحزبية والحكومية، ويعقد مؤتمراته في تواريخها المضبوطة، وكان مرجعا يقتدى به في ذلك، رغم بعض الانتقادات التي يتعرض لها بين الفينة والأخرى، حول المسؤوليات الحكومية والوزارية التي تحملها منذ الاستقلال إلى اليوم، إضافة إلى كل هذا المشهد، بدأنا نرى سلوكات أخرى تخترقه لا تمت بصلة للعمل الحزبي الرصين، ومن دون شك أثرت وتؤثر على الحزب ومصداقيته والقيم التي يدافع عنها، فمنذ حادثة الصحون الشهيرة والحزب تهدده بين الفينة والأخرى ممارسات غير مقبولة، وفي أحد لقاءات الحزب الأخيرة استعدادا لاستحقاق الأمانة العامة المقبلة، تم توثيق بالصوت والصورة ملاسنات وتبادل للسب والشتم بين زميلين أفضت إلى صفع أحدهما للآخر أمام الحاضرين الذين انبهروا لهذا المشهد الذي لا يشرف سمعة الحزب وحسب، بل له انعكاس مباشر على العملية السياسية في المغرب برمتها، ولو أردنا الاستفاضة في تحليل وقراءة هذا السلوك من مختلف الزوايا والأبعاد لما أسعفنا هذا المقال، ورغم الإجراءات القانونية التي تلت هذا التصرف داخل الحزب وخارجه حتى لا تتكرر هذه الممارسات، ورد الاعتبار والحقوق لأصحابها، فهذا السلوك يبقى وصمة عار على جبين الحزب، وما كادت جروح “الميزان” تندمل حتى تفجرت قضية أخرى أشد وطأة وإيلاما وكأن الحزب يجسد المقولة الشهيرة “المصائب لا تأتي فرادى”، والقضية هذه المرة أخلاقية بامتياز، فيها قذف وتشهير ومس بالأعراض، مما كان مادة دسمة لمختلف وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، حيث يروج الحديث عن تسجيل صوتي منسوب لأحد رموز الحزب وهو يكيل كل أشكال القذف والتشهير بألفاظ نابية خادشة للحياء لزميلة له في الحزب، ويقول أنه كانت تربطهما علاقة غير شرعية وأنه هو الذي انتشلها من الفقر وجعل منها شخصية سياسية لها مكانة مهمة في الحزب، وما إلى ذلك من الامتيازات التي يغدق بها عليها طوال سنوات، ورغم أن المعني بالأمر نفى ذلك نفيا قاطعا وقال أن هذا التسجيل مفبرك، وهدد باللجوء للقضاء لإنصافه، إلا أن هذا لا يعني أن هذا الملف سيغلق قريبا بقدر ما ستكون له تداعيات وخيمة على الحزب وسيزيد من تأزيم وضعيته المشحونة أصلا وهو السائر إلى عقد مؤتمره القادم.
الذي يمكن استخلاصه من الذي يقع في المشهد الحزبي المغربي من سلوكات وممارسات، سواء تعلق الأمر بالأمور ذات البعد التنظيمي أو المرتبطة بأشكال تدبير الاختلافات بين المناضلين الحزبيين أو بين تيارات حزبية بعينها، أو حول المنهجيات المتبعة في صياغة التوافقات التي غالبا ما تقصي أطرافا على حساب أخرى، مما يجعل الأحزاب تعيش احتقانات وتوترات تلقي بظلالها على المحطات المقبلة، أو حول تحكم الأقلية، حتى لا نقول أشخاصا بعينهم، في مصائر الأحزاب وهي الآمرة الناهية فيه في تقزيم واضح لأدنى الأسس الديمقراطية التي تنبني عليها الأحزاب، أو التحكم بشكل أو بآخر في انتخاب هياكل الحزب وقس على ذلك من الاختلالات العميقة التي تنخر الجسم الحزبي المغربي.. كل هذه الأمور رغم حجم تعقيدها، يمكن تجاوزها بالرغم من الصعوبة الكبيرة التي يمكن أن تواجهنا، لكن يبقى الأمل معقودا على تطوير المشهد الحزبي وتخليقه ودمقرطته حتى يتناسب وتطلعات المواطن الذي لا زال يمني النفس برؤية أحزاب قوية ببرامج تنسجم وتصوراته وطموحاته.. كل هذه الممارسات يمكن فهمها في إطار التدافع الفكري وحرية الرأي والتعبير داخل الأحزاب، ما لا يمكن قبوله هو كل ما يتعلق بالجانب الأخلاقي والفضائح التي تخرج بين الفينة والأخرى إلى الرأي العام، ويكون أبطالها سياسيون حزبيون معروفون، وسواء كانت الواقعة المذكورة صحيحة أو محض افتراء، فهي إنذار لتحصين المشهد السياسي المغربي من هذه الانزلاقات التي تسيء إليه، وتزيد من تكريس صورة قبيحة حوله، وهو الذي يناط به إنتاج القيم النبيلة التي تخدم مصلحة المجتمع قبل كل شيء.