المنبر الحر | في الحاجة إلى سن قانون للذكاء الاصطناعي
بقلم: عبده حقي
اقتداء بالإنجاز التاريخي الذي حققه الاتحاد الأوروبي بسن أول قانون شامل للذكاء الاصطناعي في العالم يوم الأربعاء 13 مارس 2024، أصبح من الضروري سن قوانين تنظيمية لهذه التكنولوجيا التحويلية الهامة للغاية في أنشطتنا وممارستنا اليومية الإنتاجية والاستهلاكية.
وإذا كان المغرب سباقا على المستويين العربي والإفريقي لتبني الذكاء الاصطناعي من أجل التنمية الاقتصادية والإنتاجية، فإن قانون الذكاء الاصطناعي للاتحاد الأوروبي يجب أن يشكل حافزا من أجل تدشين حوار حول إنشاء قانون تنظيمي خاص بالذكاء الاصطناعي لترشيد وعقلنة استخداماته.
وقد وضع قانون الاتحاد الأوروبي للذكاء الاصطناعي منهجا قائما على تحديد المخاطر، وصنف أنظمة الذكاء الاصطناعي بناء على تأثيراتها المحتملة في المستقبل، ومن شأن هذا أن يوفر نموذجا قيما يجب على المغرب أن يحذو حذوه ويأخذه بعين الاعتبار، وفيما يلي تفصيل الجوانب الرئيسية لقانون الاتحاد الأوروبي وصلتها المحتملة بالمغرب:
يصنف قانون الاتحاد الأوروبي الذكاء الاصطناعي إلى أربع فئات: المخاطر غير المقبولة (المحظورة)، والمخاطر العالية (متطلبات صارمة)، والمخاطر المتوسطة (تدابير التخفيف)، والحد الأدنى من المخاطر (قوانين خفيفة)، ويمكن للمغرب أن يتبنى نظاما مماثلا أو أرقى منه، مع تركيز جهوده التنظيمية على التطبيقات عالية المخاطر، مثل التعرف على الوجوه أو خدمات المال والأعمال والرعاية الصحية.
كما أن قانون الاتحاد الأوروبي يدعم أنظمة الذكاء الاصطناعي الشفافة، ويتماشى هذا مع الحاجة إلى اتخاذ قرارات عادلة وخاضعة للمساءلة من خلال نماذج الذكاء الاصطناعي، ويؤكد على الرقابة البشرية على الذكاء الاصطناعي عالي المخاطر، ويمكن للمغرب أن يقتدي بذلك، من خلال إعطاء القوانين التنظيمية الأولوية للتطوير المسؤول ونشر الذكاء الاصطناعي مع الحوكمة البشرية.
من جهة أخرى، تعد القوانين العامة لحماية البيانات (GDPR) للاتحاد الأوروبي إطارا قويا لحماية بيانات المواطنين، حيث يمكن للمغرب، من خلال قانون حماية البيانات الخاص به، تحليل منهج القوانين العامة لحماية البيانات وتخزينها، وموافقة المستخدمين في سياق الذكاء الاصطناعي على توظيفها للصالح العام، ويمكن أن يؤدي ذلك إلى دعم القوانين الحالية في المغرب لمواجهة التحديات الخاصة بالذكاء الاصطناعي.
لقد كشف قانون الاتحاد الأوروبي بشأن الذكاء الاصطناعي عن منهج استباقي لتنظيم ممارسات الذكاء الاصطناعي، وإذا كان اعتماد قانون الاتحاد الأوروبي بشكل مباشر قد لا يكون مناسبا مع بيئتنا المغربية الخاصة، إلا أننا يمكن أن نستشف منه دروسا قيمة أهمها:
- تحليل القوانين الحالية المتعلقة بحماية البيانات وحقوق المستهلك والمنافسة لتقييم مدى ملاءمتها في سياق الذكاء الاصطناعي؛
- يجب أن نضع في اعتبارنا عدة قوانين محددة للمجالات عالية المخاطر، مثل المال والأعمال والرعاية الصحية والنقل ومحاربة الإرهاب؛
- يجب تعزيز الاستثمار في البحث حول القوانين الأخلاقية للذكاء الاصطناعي وأفضل الممارسات المصممة خصيصا لتلبية احتياجات المغرب؛
- يجب تعزيز المناقشات المفتوحة حول تنظيم الذكاء الاصطناعي، والتي تشمل المواطنين والشركات والأوساط الأكاديمية.
ومما لا شك فيه، أن قانون الاتحاد الأوروبي بشأن الذكاء الاصطناعي يشكل فرصة هامة للغاية لبلادنا، وإذا كانت ستستفيد من إيجابيات الذكاء الاصطناعي، فإن اتباع منهج استباقي في التنظيم والترشيد بات أمرا ضروريا اليوم، ومن خلال التعلم من أفضل الممارسات الدولية، وإجراء تقييمات شاملة، وتعزيز التنمية المسؤولة، يمكن للمغرب ضمان أن يصبح الذكاء الاصطناعي أداة للتقدم في مسيرته التنموية، ورافعة للنمو الاقتصادي، والصالح الاجتماعي، والاعتبارات الأخلاقية.
لقد اقترحت بروكسيل لأول مرة قوانين تنظيمية للذكاء الاصطناعي في عام 2019، لتلعب دورا عالميا في تشديد التدقيق في الصناعات الناشئة، فيما سعت بعض الحكومات الأخرى إلى مواكبة ذلك.
وفي الولايات المتحدة، وقع الرئيس جو بايدن أمرا تنفيذيا شاملا بشأن الذكاء الاصطناعي في أكتوبر 2023، ومن المتوقع أن يكون مدعوما بتشريعات واتفاقيات عالمية، وفي غضون ذلك، يعمل المشرعون في سبع ولايات أمريكية على إعداد تشريعات خاصة بهم بشأن الذكاء الاصطناعي.
ومن جهته، اقترح الرئيس الصيني شي جين بينغ، مبادرته العالمية لحوكمة الذكاء الاصطناعي من أجل الاستخدام العادل والآمن له، وأصدرت سلطات بيكين “تدابير مؤقتة” لإدارة الذكاء الاصطناعي التوليدي، الذي ينطبق على النصوص والصور والصوت والفيديو والمحتويات الأخرى التي يتم إنشاؤها للأشخاص داخل الصين، وتتحرك دول أخرى، من البرازيل إلى اليابان، فضلا عن المنظمات العالمية مثل الأمم المتحدة ومجموعة الدول الصناعية السبع، لوضع قوانين ملائمة لحماية الذكاء الاصطناعي.