المنبر الحر

المنبر الحر | شعبان.. الجسر الروحي نحو رمضان

بقلم: الحسن العبد

    اقترب شهر رمضان واقتربت منا الرحمة والمغفرة، فشهر شعبان يسبق شهر العتق من النار، وشعار رددناه مع أسرنا ونحن أطفال في ستينات القرن الماضي في احتفالات شهر شعبان “اليوم شبعانة غدا جيعانة”، يصادف شعبان الشهر الذي أمر فيه الله المسلمين أولا بصيام شهر رمضان بأكمله (الركن الرابع من أركان الإسلام الخمسة)، وقد حدث هذا في السنة الثانية للهجرة، وهجرة الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى المدينة المنورة بعد 13 عاما من الدعوة إلى الإسلام في مكة المكرمة.

وقد ارتأينا في هذا المقال الحديث عن فضل شهر رمضان وعن احتفالات المغاربة بشهر شعبان وبعض الطقوس التي تعيشها ساكنة فاس بشكل خاص، كإحدى الموروثات الثقافية الشعبية المغربية التي تقام في النصف الثاني من شعبان، فهذا الشهر يرفع فيه العمل وتقدر فيه الأقدار، بل ويشكل بالنسبة للكثيرين محطة سنوية للتجديد بامتياز على الرغم من اختلاف تفاصيله من منطقة لأخرى، فتجد كما يؤكد بعض الباحثين، أن حريم فاس يصالحن الأزواج في شهر شعبان، حيث تتميز مدينة فاس وبعض المدن المغربية العريقة، بتنظيم احتفالية خاصة بالمرأة، يطلق عليها اسم “شعبانة”، وهي تقليد قديم ارتبط بشهر شعبان، حيث تختار المرأة المتزوجة يوما من أيامه لتحتفل بنفسها وكأنها عروس، وتكون هذه المناسبة أيضا بمثابة إعلان عن فتح صفحة جديدة في حياة الزوجين، وعقد مصالحة لتجاوز ما ترسب في نفسيهما من أخطاء السنة الماضية.

تتمة المقال تحت الإعلان

كما تنطلق الاستعدادات في مدينة فاس لشهر رمضان المبارك منذ منتصف شعبان، لاقتناء ما يحتاج إليه المرء من مواد ولوازم غذائية، تتعلق بإعداد الحلويات الفاسية، من “سلو” و”فقاص” و”بريوات” و”شباكية”، والكثير من الشهيوات.

وكما تقول إحدى النساء المسنات في إحدى المواقع الإلكترونية، بمجرد ما يهل شهر شعبان، كنا نحن النساء نشمر على سواعدنا لمباشرة متطلبات “العواشر”، من تنظيف للمنزل وتلميع أوانيه الفضية والنحاسية، وتجديد الأفرشة حسب القدرة الشرائية، وتحضير المأكولات والحلويات المغربية استعدادا لشهر رمضان الأبرك.

فشهر رمضان هو الشهر التاسع في التقويم الهجري، وهو شهر مميز لدى المسلمين حيث أنزل فيه القرآن على النبي محمد صلى الله عليه وسلم في ليلة القدر، ويعتبر شهر الخير والتقوى والإحسان، ونظرا لمكانة هذا الشهر وقدره، سمي بشهر القرآن، قال تعالى: ((شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ)) (سورة البقرة، الآية: 185)، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ((قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه)) (متفق عليه).

تتمة المقال تحت الإعلان

إن قيام ليالي شهر رمضان من العبادات العظيمة التي سنها الرسول الكريم وحث عليها، لما لها من الأجر العظيم والكبير والفضل العظيم من الله سبحانه وتعالى.

إن الحكمة من الصيام، أن فيه تقديم رضى الله على النفس، وتضحية بالوجود الشخصي بالامتناع عن الطعام والشراب، وبالوجود النوعي بالإمساك عن الشهوة الجنسية، وذلك ابتغاء وجه الله وحده، الذي لا يتقرب لغيره من الناس بمثل هذا الأسلوب من القربات، ومن هنا كان ثوابه عظيما، يوضحه ويبين علته قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((قال الله عز وجل: كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به..))، ثم إن علماءنا تحدثوا بإسهاب عن أهم العبادات في شهر رمضان، حيث يستطيع المسلم التقرب إلى الله في شهر رمضان المبارك بجميع العبادات، ولا بأس أن نذكر ببعض هذه العبادات: الصلاة في وقتها والحرص على أدائها جماعة في المسجد؛ الإكثار من قراءة القرآن الكريم، وتدبره؛ إفطار الصائمين، وهي عبادة عظيمة يؤجر عليها صاحبها بمثل أجر الصائمين لا يُنقص من أجرهم شيئا؛ تقديم الصدقات للفقراء والمساكين، فهم أحوج ما يكونون لذلك في رمضان؛ وقيام الليل، والحرص على الاعتكاف في العشر الأواخر من الشهر؛ ثم ذكر الله سبحانه وتعالى، والدعاء في كل وقت وحين والإكثار من النوافل، والاقتداء بالرسول الكريم في ذلك.

وليعلم كل عبد مسلم أن رائحة فم الصائم في شهر رمضان أفضل من رائحة المسك، وأنه يوجد باب في الجنة للصائمين في شهر رمضان يطلق عليه “الريان”، كما أن صيام شهر رمضان يحمي الجسم من الأمراض، وأن الله عز وجل يقيد الشياطين بسلاسل في الشهر الكريم، كما أن صيام يوم من رمضان يبعد جهنم سبعين سنة عنك، وأخيرا وليس آخرا، فإن دعوة الصائم في شهر رمضان عند الإفطار مستجابة.

تتمة المقال تحت الإعلان

وكل عام والأمة الإسلامية بخير.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى