المنبر الحر

المنبر الحر | إضرابات طلبة الطب في المغرب.. إلى أين ؟

بقلم: بنعيسى يوسفي                                           

    على ما يربو عن شهرين ونيّف وطلبة الطب وطب الأسنان والصيدلة يخوضون إضرابا عن الدراسة والتكوين، في جو مشحون يكاد يقترب إلى اليأس وفقدان الأمل منه إلى شيء آخر في الأفق المنظور على الأقل، دون أن تستطيع الوزارتان المعنيتان، وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار ووزارة الصحة والحماية الاجتماعية، الاهتداء إلى إيجاد حلول مقنعة وناجعة تجعل عددا لا يستهان به من أطباء المستقبل يعودون إلى مدرجاتهم لاستئناف التحصيل العلمي وإنقاذ الموسم الجامعي من الضياع.. ففي الوقت الذي تزعم فيه الوزارتان أنهما استجابتا لمطالب الطلبة بما يناهز الثمانين بالمائة منها، ولم يعد هنالك أي مبرر حقيقي موضوعي لمقاطعة الدراسة، يرد الطلبة بأن هناك عشرة محاور أساسية في ملفهم المطلبي، يعتبرونها في غاية الأهمية وهي مربط الفرس في كل هذه المعركة المطلبية، ترفض الوزارتان الاستجابة لها، نذكر منها على وجه التحديد، الإبقاء على سبع سنوات من التكوين كما كان الحال إلى عهد قريب، ثم إجراء التداريب الاستشفائية وإصدار نص قانوني واضح يخص السلك الثالث واستدراك ستمائة ساعة من التكوين التي ذهبت أدراج الرياح بسبب الإضرابات، وتحسين الوضعية المادية والاجتماعية للطلاب.

وإذا كانت مطالب طلبة الطب والصيدلة من منطلق “أهل مكة أدرى بشعابها” تبدو مشروعة وواقعية، والخوف الذي يستبد بهم على مستقبلهم في هذا الميدان له ما يبرره في ظل عدم وضوح الرؤية، والضبابية والغموض اللذين يكتنفان مصيرهم في هذه الشعبة من جهة، وكذلك أجوبة الوزارتين الوصيتين على القطاع بخصوص تلك القضايا المحورية العالقة من جهة أخرى، فإنه إلى حدود الساعة، رغم أن الوزارتين تجشمتا عناء تنظيم ندوة صحفية في محاولة لتوضيح العديد من الأمور الملتبسة، وتبديد الخوف والشكوك التي تراود الطلبة، وكشف النقاب عن خلفيات التغييرات التي طرأت على هذا المجال، ليس للطلبة وحسب، وإنما حتى لأولياء أمورهم والرأي العام عامة، والتي لم تخرج كثيرا عن كل ما كانت تقدمه منذ أن اندلعت شرارة الإضرابات، إلا أنه للأسف، الأجوبة التي سردها الوزيران المعنيان في تلك الندوة، التي يبدو أنها كانت على المقاس، لم ترق إلى مستوى الإقناع ووضع اليد على الجرح، وبالتالي، لم تعط أجوبة دقيقة حول سؤال المرحلة والإشكاليات الحقيقية التي تؤرق بال الطلبة، ناهيك عن الأسلوب الذي سلكه الوزيران في تبليغ الرسائل للطلبة المعنيين وإيصال الخطاب إليهم، والذي يعكس في عمقه نوعا من الاستصغار – حتى لا نقول الاحتقار – وأن الطلبة لا يعرفون كيف يدبرون أمورهم ويخاطرون بمستقبلهم العلمي وقس على ذلك، وأن هناك جهات معينة هي التي تحرضهم على هذه المقاطعات، دون أن تستطيع تسميتها بالاسم.

تتمة المقال تحت الإعلان

وهكذا.. كلما عجزت أي وزارة في الحكومة الحالية أو حتى قبلها في فرض إصلاح معين بنظرة أحادية بيروقراطية، دون إشراك الأطراف المعنية، ضاربة بعرض الحائط المقاربة التشاركية والتواصلية التي لطالما تطبل لها هذه الحكومة، تنهج سياسة فرض أمر الواقع، وتتوسل بلغة التهديد والوعيد، وهي أساليب عفا عنها الزمن، ولم تعد تجدي نفعا بفعل العديد من التحولات والمتغيرات التي عرفها المغرب في السنوات الأخيرة والذي صاحبته من طبيعة الحال تغييرات اجتماعية على مستوى العقليات والثقافة والقناعات، وأنماط التواصل والحوار، وهذا الجيل الذي تخاطبه الوزارتان ليس هو الجيل الذي سبقه، ولقد بدا هذا واضحا في الإضرابات الأخيرة لرجال ونساء التعليم الذين صمدوا إلى أبعد مدى في تجربة نوعية على مستوى النضال تزعمها الجيل الجديد من الأساتذة، لكن يبدو أن الذين خُوّل لهم تسيير شؤون البلاد لا يفقهون شيئا عما يسمى بالتغيير السوسيولوجي والسيكوسوسيولوجي الذي تعرفه المجتمعات ومعها المغربي طبعا، مع تطور التاريخ، وهذا ما يجعلهم يراكمون أخطاء فظيعة في القطاعات التي يدبرون شؤونها وتكريس بعض الأزمات التي قد تكون في غنى عنها، نتيجة سوء التدبير وغياب النجاعة السياسية والاقتراحية.

لا أحد يمكن أن يجادل في كون المغرب فتح ورش الحماية الاجتماعية ويراهن على إصلاح المنظومة الصحية حتى تساير متطلبات هذا الورش وما يتطلبه ذلك من موارد بشرية مؤهَّلة ومكوَّنة تكوينا جيدا، ناهيك عن عدد الأطباء الكبير الذي تبدو الدولة في حاجة إليه.. كل هذه المعطيات يصعب تجاهلها، ولكن في المقابل المسألة تحتاج إلى توضيحات شفافة ومقنعة تجعل هذا الجيل من طلبة الطب مقتنعين بهذا الورش حتى يستطيعوا الانخراط فيه بكل حيوية وإنتاجية، أما وأن الأوضاع غير مستقرة في جميع كليات الطب والصيدلة غير مستقرة واعتبار الطلبة الذين لم يجتازوا الاختبارات، في عداد الراسبين، والذين لم يلتحقوا بالتكوينات للمرة الثالثة، تعتبر تكويناتهم ناقصة، وعدم نية الوزارة القطعية في التراجع عن ست سنوات دراسة عوض سبعة، وقس على ذلك من الإجراءات التي تنوي الوزارة الوصية اتخاذها في حق الطلبة، والتي أعتقد أنها لن تحل المشكل بقدر ما ستزيد من تعقيده، وستزيد الأمر احتقانا وتوترا، وعلى هذا الأساس يجب على الوزارتين المعنيتين معاودة فتح باب الحوار الذي تقولان أنه تم غلقه نهائيا مع الطلبة، ومحاولة صياغة حلول توافقية وتدارس الإشكاليات المطروحة بمقاربات مختلفة يمكن أن تؤدي إلى نتائج ملموسة تعيد المياه إلى مجاريها، خاصة وأن آباء وأولياء الأمور يعيشون ترقبا وقلقا كبيرين حيال هذه الوضعية والأفق المسدود الذي يعتريها، ولعل الجميع يعلم ما يتحملونه من مشاق ومتاعب ليلج أبناؤهم مثل هذه الكليات، وفي نهاية المطاف يجدون أنفسهم في قلب صراع كسر العظام لا ناقة لهم فيه ولا جمل.. فهل سيهل فجر جديد لهذه الأزمة؟ وهل من حكيم يقول كفى من هدر الزمن الجامعي ووضع نقطة نهاية لهذا الاحتقان الذي لا يسرّ أحدا على الإطلاق ؟

تتمة المقال تحت الإعلان

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى