المنبر الحر | أفيون للفقراء أم بزنس للأغنياء ؟
بقلم: عبده حقي
إنها كرة القدم، هذه اللعبة الجميلة والممتعة التي دوخت شعوب العالم، ليست مجرد رياضة شعبية فحسب، بل أصبحت ظاهرة عالمية تتجاوز الحدود والثقافات والخلفيات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.
وإذا أصبحت كرة القدم بمثابة مصدر إثارة لمشاعر الفرح والترفيه والصداقات الحميمية بين الملايين من شعوب العالم، فإنها قد تجد نفسها أيضا منخرطة – إن لم نقل متورطة – في شبكة معقدة من المصالح التجارية للعديد من جماعات الضغط ومن الديناصورات الاقتصادية.
فما هي إذن الطبيعة المتعددة الأوجه لكرة القدم؟ وما دورها كمصدر للمتعة، وتأثيرها على المجتمعات، التي غالبا ما يطلق عليها السياسيون اليساريون والمتطرفون الأصوليون اسم “أفيون الشعوب”؟
تتمتع كرة القدم بقدرة هائلة لا مثيل لها على حشد الجماهير، وخلق شعور بالوحدة الوطنية والإثارة المشتركة، من الملاعب المحلية حتى الملاعب العالمية الكبرى التي تستضيف الدوريات والبطولات الدولية، تعزز هذه الرياضة إحساسا فريدا بالانتماء للوطن، فالمتعة المستمدة من مشاهدة اللاعب المفضل يسجل هدف الفوز، تتخطى الخطوط الاجتماعية والاقتصادية والسيكولوجية.
وبعيدا عن إثارة اللعبة نفسها، غالبا ما تلعب كرة القدم دورا حاسما في تعضيد لحمة المجتمع، حيث تساهم الأندية المحلية، ودوريات المحترفين والهواة، والمبادرات الشعبية، في تطوير الروابط الاجتماعية داخل القرى والأحياء الفقيرة منها والغنية، حيث يصبح الشغف المشترك لهذه الرياضة حافزا للتفاعل الاجتماعي، مما يخلق شعورا بالانتماء والافتخار بالهوية القومية، ومع ذلك، فإن حب كرة القدم قد يعمينا أحيانا عن رؤية الجانب المظلم لهذه الرياضة الشعبية.
لقد شابت ممارسات الانتهازية، وقضايا حقوق الإنسان، وعدم المساواة الاجتماعية هذه الصناعة الجديدة، بدءً من معاملة الرياضيين وحتى تأثير الأحداث الرياضية الكبرى على المجتمعات المحلية، ولعل أبرزها على سبيل المثال لا الحصر، وصول المنتخب المغربي إلى دور النصف النهائي في بطولة كأس العالم في قطر 2022، أو إقصاؤه بشكل مفجع ومفاجئ في تظاهرة كأس أمم إفريقيا بالكوت ديفوار 2024.
لقد أدى تسويق كرة القدم إلى تحويلها لصناعة ربحية ذات امتداد عالمي ومتعدد الجنسيات، وأدت صفقات البث الضخمة واتفاقيات الرعاية ومبيعات البضائع المرتبطة باللعبة والإعلانات.. إلى تحويل الأندية إلى قوى ضغط مالية واقتصادية هامة للغاية.
إن التأكيد على أن كرة القدم هي “أفيون الشعوب” يعكس فكرة مفادها أن الرياضة بشكل عام هي بمثابة إلهاء أو هروب لأولئك القادة الذين يواجهون صعوبات اقتصادية واجتماعية وسياسية.
كما تكشف الطبيعة متعددة الأوجه لكرة القدم، عن تفاعل معقد بين الفرح بالانتصار والحزن بعد الهزيمة، والمجتمع والاستغلال والمصالح التجارية، وإذا كانت كرة القدم – بلا شك – تحشد الجماهير وتوفر لحظات من الفرح والبهجة الخالصة، فإن تسويق هذه الرياضة قد يثير مخاوف أخلاقية مختلفة.
إذن، ففهم ديناميكيات كرة القدم يتطلب الاعتراف بتأثيراتها الإيجابية والسلبية، فضلا عن إمكانية التغيير داخل الصناعة الرياضية، ومع استمرار المشجعين في الاستمتاع بإثارة هذه اللعبة الجميلة والممتعة، يصبح من الضروري التدقيق في التوازن بين المتعة التي تجلبها والتحديات التي تفرضها على الأفراد والمجتمعات في جميع أنحاء العالم.