المنبر الحر

المنبر الحر | النفاق والكذب في الحياة العامة للمواطنين

بقلم: زهير أهل الحسين

    من بين الأفكار النمطية التي تتكرر باستمرار من طرف الباحثين غير المختصين في علم السياسة ورجال الدين، أن السياسة هي مجال النفاق والكذب واللعب على الأحابيل وفن التناقض، ومن فرط نقاء سريرتهم فهم غير مستعدين لأن يمارسوها عن طريق التحزب حتى لا تتلطخ سيرهم الذاتية، لذلك يكتفون بتوجيه النقد للسياسة والسياسيين.

ومن أجل رفع هذا اللبس والتلبيس، أقدم المعطيات التالية:

تتمة المقال تحت الإعلان

المعطى 1: المجالات غير السياسية مثل المجالات الاقتصادية والعلمية والإدارية وغيرها، تتسم بكثير من النفاق الاجتماعي والتناقض والكذب.. فقد تجد بائع زيت الزيتون يرابط لأسابيع طويلة بجوار المسجد ويؤدي الصلاة مع المصلين، ثم يبيع زيتا مغشوشة مقسما بأغلظ الإيمان بأنها “حرة ديال هاذ العام”.

وقد تجد بائع اللبن يضع كمية مهمة من الماء حتى يزيد من الكمية، وحين تضعه في الثلاجة تلاحظ أن نسبة كبيرة من الماء تطفو بشكل كبير على السطح.

وداخل المجتمع العلمي، هناك العديد من أوجه النفاق والتناقض.. فقد تجد أستاذا ذا نزعة يسارية يرغد ويزبد في الدفاع عن المدرسة العمومية، وابنه يدرس في المدرسة الخصوصية أو في البعثات، ثم تلاحظ بأنه ينعت الرأسمالية بالمتعفنة وهو أكبر زبون لها.

تتمة المقال تحت الإعلان

المعطى 2: من لم يمارس السياسة، سواء عن طريق الممارسة الحزبية أو غيرها، يصعب عليه الإفتاء في السياسة، ونيكولا مكيافيلي قضى 14 سنة في الممارسة السياسية قبل أن ينتج لنا كتابا مرجعيا اسمه “الأمير”، وأن من ضمن النصائح التي يجب على الأمير اتباعها، هي الكذب في بعض الأحيان، لأن الظرفية السياسية تستدعي ذلك.

وحتى ديكارت يقول: “لا تحرم الإنسان من الكذب، فقد يموت لو عرف الحقيقة”. وهنا يتحدث عن الموت المعنوي.. فقد يعلم الطبيب بأن شفاء مريضه جد مستبعد أو أن أجله اقترب، لكن يعطيه بعض الأمل بكون الطب يتطور يوما بعد يوم، وغيرها من التطمينات المعنوية.

وهذا لا يعني مأسسة الكذب، بل لأن البنية الذهنية للإنسان تتقبل الكذب أكثر من تقبل الحقيقة، ومن أراد أن يجرب ضريبة الحقيقة، فليقل الحقيقة للمرأة وسيرى ردة فعلها.

تتمة المقال تحت الإعلان

المعطى 3: السياسة في معناها النبيل هي التدبير الأمثل لشؤون المدينة-الدولة، وهي فضاء مفتوح للجميع بغض النظر عن الإطار القانوني أو المؤسساتي، ومن أراد أن يختبر تنظيراته الهوائية على أرض الواقع، يبدأ من الإقامة التي يقطن بها من أجل القيام بالإصلاحات أو تشكيل “السانديك”، ثم ينتقل إلى سياسة الحي، ليرى هل هو قادر على تحمل المسؤولية أم سيولي الأدبار.

المعطى 4: الشعبويون والديماغوجيون هم من ساهموا في تنميط السياسة بكونها فن التلاعب بعقول الجماهير، مستفيدين بشكل كبير من تراجع المثقف العضوي الذي يجب أن ينشر الوعي بين الجماهير ما استطاع إلى ذلك سبيلا، عوض النقاشات في فنادق فخمة أو انتظار المعرض الدولي للكتاب.

المعطى 5: الممارسة السياسية جد صعبة، لأنك ستجد السالب والموجب في نفس الوقت، المرتزق والحر، المتطرف والمعتدل، الجبان والشجاع، ومن له نفس طويل هو من يستمر في المعركة السياسية، ومن له نفس قصير غالبا ما ينسحب، وقد يذهب إلى المجتمع المدني أو قد يكتفي بالتحليل السياسي.

تتمة المقال تحت الإعلان

المعطى 6: الفوز في السياسة يكون بالأصوات في الانتخابات في نهاية الأمر، وعليك أن تلعب على الأوتار الحساسة للجماهير، بأنك في منافسة مع الخصوم وقد تكون كل الأوراق متاحة من أجل كسب رضى الجماهير.

المعطى 7: هناك مثقفون مأجورون ومرتزقة، يساهمون في التلاعب بعقول الجماهير، وهم أشد خطرا من السياسيين، فالسياسي – على الأقل – يكون تحت ضغط الانتخابات، أما المثقف المأجور فيكون خارج اللعبة، لكنه يقوم بالترويج لخطاب الدولة في مدرجات الجامعة ووسائل الإعلام.. فماذا سنسمي هذا؟ أكيد سنسميه الكذب عملا بمقولة الكذب.

خلاصة القول: السياسة كباقي المجالات، لا يوجد فيها لون أبيض أو لون أسود، بل مسافة وسطى بينهما، ومن أراد التأكد “يدير يدو فالعصيدة” من أجل التأكد هل هي باردة أم ساخنة.

تتمة المقال تحت الإعلان

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى