المنبر الحر | وصفة لتجنب أثر استعمال شبكات التفاهات الاجتماعية
بقلم: زهير أهل الحسين
دخلت عامي السابع بدون استعمال ما أسميه “شبكات اللاتواصل الاجتماعي”، مشروعيتي في ذلك بحث علمي مركب، جمعت فيه بين الفلسفة وعلم النفس والأنثروبولوجيا وعلم الاجتماع وعلم السياسة وعلم الاقتصاد والبيولوجيا وعلوم الإعلام والتواصل وعلوم البيئة وعلم اللسانيات والجغرافيا، توصلت فيه بأن سلبيات الهاتف المنقول تتجاوز بكثير إيجابياته، وأن الثورة الرقمية التي يعيشها العالم يجب أن تواكبها حصانة علمية حتى لا نتيه وسط عالم لا ينتهي، وتبعا لذلك، وضعت 100 حل ومقاربة من أجل إعادة ترتيب العلاقة بين الإنسان والهاتف المنقول، لأنني أنتمي إلى التيار المعتدل الذي يعتبر الهاتف المنقول وسيلة تقنية إيجابية، لكن الحلقة المفقودة، هي غياب التربية الرقمية والضبط الرقمي، اللذين يصبان في صالح الرأسمالية الرقمية التي تشتغل وفق منطق السوق.
طرقت العديد من الأبواب من أجل التحسيس بمخاطر الإدمان الرقمي، فكانت قلة قليلة من تفاعلت معي في الموضوع، لكن الأغلبية تتهمني بكوني ضد التيار، وأنه لا يمكن ألا نواكب العصر، بل يبحثون عن العديد من المصوغات من أجل تبرير أهمية الهاتف المنقول دون التطرق إلى سلبياته.
لكن عندما أدعوهم إلى “القضاء العلمي”، أي تحكيم المرجعية العلمية، لا أحد يريد الاستماع لما يقوله العلم، وفي الأبجديات الأولى التي تعلمناها في تنشئتنا العلمية، كنا نقول “العلم نور والجهل عار”.. فهل صار الجهل نورا والعلم عارا؟ وهل يعقل أن يتحكم شرذمة من الرأسماليين في عقول 8 ملايير نسمة؟ لماذا نرفض سماع صوت الحكمة وننساق مع غزو البلهاء؟ ما الفائدة من المعرفة إذا لم تشكل حصانة لصاحبها؟ ماذا لو أصيبت هذه الشبكات بعطب تقني طويل الأمد؟
يسألني بعض الأصدقاء: وكيف تعيش؟
أجيب: عندما أكون في الطريق إلى العمل، أعرج إلى المكتبة من أجل شراء الجرائد (تتوزع بين جرائد عربية وجرائد فرنسية)، أطلع على الأحداث الوطنية والدولية، وفي الفترة الزمنية ما بين وجبة الغذاء والعودة إلى العمل، غالبا ما أحمل ورقة وقلما، تحسبا لنزول الوحي العلمي علي.. فقد يثيرني مشهد، يكون موضوع مقال لي أنشره، وعندما أذهب إلى المنزل، أشاهد القنوات المغربية والأجنبية، وعندما يريد شخص ما اللقاء بي، أضع شرطا: اترك هاتفك جانبا وتواصل معي، فأنت تجالس شخصا يعيش ضد التيار مثل سمك السلمون.
جل أصدقائي يحترمون قناعاتي، كما أتفهم على مضض إدمانهم الرقمي.
جوهر القول: إن ما يحدث اليوم هو فخ وقع فيه العالم عامة، والمجتمع المغربي خاصة، لكن وظيفة المثقف هي حل المشاكل بعد وقوعها، شريطة الإصغاء إليه واستيعاب أفكاره، لأن المثقف هو طبيب المجتمع، يشخص الأمراض ويعطي الدواء بالمجان لمن أراد العلاج، وهنا لا أدعي أنني مثقف، بل أجتهد وفق ما أتوفر عليه من معارف، كما أنني أعتبر أن السلطة العلمية هي أم السلطات، لأن العلم هو النور الذي ينير طريق الحضارة الإنسانية.
وفي انتظار أن تزول “الجلالة” عن المجتمع المغربي، ويعود إلى رشده، أظل متشبثا بالأمل من أجل محاربة الإدمان الرقمي، عن طريق بلورة سياسة مجتمعية تجمع بين الباحثين والإعلاميين والأطباء وجمعيات المجتمع المدني ومؤسسات الحكامة، من أجل تحييد الإدمان وتحويل تقنية الهاتف المنقول إلى منفعة.. آنذاك ستسقط الرأسمالية الرقمية كما يسقط قصر شيده طفل من رمال بمجرد أن تمر بمحاذاته موجة بحر.