المنبر الحر | نحو تأسيس الأكاديمية المغربية للذكاء الاصطناعي
بقلم: عبده حقي
برز الذكاء الاصطناعي كقوة أساسية للتغيير والتحول، في أنماط الإنتاج والاستهلاك، وأعاد تشكيل هياكل الصناعات وبنيات الاقتصادات وأنشطة المجتمعات في جميع أنحاء العالم.
وبينما تمضي جل الدول المتقدمة جاهدة لتسخير إمكانات الذكاء الاصطناعي، فقد أصبح إنشاء مؤسسة مغربية متخصصة في المجال، أمرا بالغ الأهمية وخيارا استراتيجيا لا محيد عنه.
إن المغرب، بتاريخه الغني وثقافته المتنوعة، يوجد في وضع متقدم يسمح له باحتضان ثورة تكنولوجية طليعية في مجال الذكاء الاصطناعي، ومع ذلك، فللاستفادة الناجعة من إمكاناته، بات من الضروري تأسيس أكاديمية متخصصة في هذا المجال رغم أنه يفتقر إلى مؤسسة مركزية لأبحاث الذكاء الاصطناعي والابتكار.
إن غياب مثل هذه المؤسسة يضع بلادنا في وضع غير مناسب ولائق مع صيتها في المشهد العالمي للذكاء الاصطناعي، ولذلك، فإن من شأن إنشاء الأكاديمية المغربية للذكاء الاصطناعي أن يشكل منعطفا محوريا للبحث والتطوير، ومن خلال تعزيز التعاون بين الأوساط العلمية والصناعية والحكومية، يمكن لهذه الأكاديمية النهوض بالابتكارات والمساهمة في خلق حلول محلية مصممة خصيصا لتلبية احتياجات بلادنا في هذا الميدان.
أحد التحديات الرئيسية في النهوض بالذكاء الاصطناعي هو الخصاص الواضح في المهندسين المتميزين، ومن المرتقب أن تلعب هذه الأكاديمية دورا محوريا في معالجة هذه الفجوة، من خلال تقديم برامج تعليمية وتدريبية متخصصة، ولن يؤدي هذا إلى تكوين مجموعة من خبراء ومهندسي الذكاء الاصطناعي المهرة فحسب، بل سيؤدي أيضا إلى تنمية ثقافة التعلم المستمر والقدرة على التكيف في القوى العاملة.
يمكن للأكاديمية المغربية للذكاء الاصطناعي أن تعمل كمحرك قوي للنمو الاقتصادي، من خلال تحفيز الابتكار وريادة الأعمال، وعندما سيغامر الخريجون والباحثون من الأكاديمية بدخول حقول التصنيع والإنتاج، يمكنهم تأسيس مقاولاتهم الناشئة، ودفع التقدم التكنولوجي، وجذب الاستثمارات الأجنبية، مما سيساهم في نهاية المطاف، في الرخاء الاقتصادي، وبالتالي المجتمعي.
طبعا هناك تحديات يجب معالجتها، إذ يتطلب العمل على إحداث أكاديمية للذكاء الاصطناعي استثمارات مالية ضخمة، حيث يعد تأمين التمويل الكافي من الحكومة والقطاع الخاص والشراكات الدولية، أمرا بالغ الأهمية لنجاح رهاناتها.
من جانب آخر، ومع تطور تقنيات الذكاء الاصطناعي، أصبحت الاعتبارات الأخلاقية أيضا ذات أهمية قصوى، لذا يجب أن تلعب هذه الأكاديمية دورا هاما في تطوير المبادئ التوجيهية الأخلاقية والإطارات التنظيمية للحماية من سوء الاستخدام، والاحتياط من الأضرار المحتملة.
ولمواكبة وتيرة سرعة تطور الذكاء الاصطناعي، يجب على الأكاديمية أن تشارك بنشاط في عمليات التعاون الدولي، حيث يمكن للشراكات مع مؤسسات الذكاء الاصطناعي الشهيرة في العالم والمشاركة في المؤتمرات الدولية، والمشاريع البحثية الثنائية والمتعددة الأطراف، أن تعزز المكانة العالمية للأكاديمية المغربية، وتساهم في التبادل المعرفي والتقني.
إن إنشاء أكاديمية للذكاء الاصطناعي سوف يجعل المغرب رائدا إقليميا في مجال البحث والابتكار في هذا المجال، وهذا لن يعزز مكانتنا فقط، بل سيجذب أيضا الخبراء والاستثمارات من الدول المتقدمة، مما يعزز التعاون والتنمية على الصعيد المغاربي والإفريقي.
كما ستكون هناك أثار إيجابية على الأمن القومي الوطني، بدءً من الأمن السيبيراني، إلى تطبيقات الدفاع عن حوزة الوطن، حيث تضمن أكاديمية متخصصة في الذكاء الاصطناعي أن يكون المغرب مجهزا لمواجهة تحديات الإرهاب وأعداء الوحدة الترابية والمافيات الدولية للمخدرات والاتجار بالبشر، وحماية المصالح الوطنية في العصر الرقمي.
وسوف تعمل الأكاديمية المغربية للذكاء الاصطناعي، التي سنعرفها اختصارا بـ MAAI، كقوة محورية توجه بلادنا نحو مستقبل يصبح فيه الذكاء الاصطناعي أداة قوية لتحسين مستوى عيش المغاربة، وبينما تتسابق البلدان في جميع أنحاء العالم لتسخير إمكانات الذكاء الاصطناعي، فإن الموقف الاستباقي للمغرب في إنشاء أكاديمية متخصصة في هذا المجال الحساس والاستراتيجي، يظهر التزامه بالبقاء في المقدمة في السباق التكنولوجي الإقليمي والعالمي.
إن مستقبل النمو الاقتصادي اليوم، يرتكز أساسا على حتمية الاستثمار في تطوير الذكاء الاصطناعي، وبالتالي، ستعمل الأكاديمية على تأهيل مجموعة من المهنيين والمهندسين المهرة المجهزين لقيادة الصناعات التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي، وجذب الاستثمارات الدولية، وتعزيز الابتكارات المحلية، وبالتالي، يمكن للمغرب أن يضع نفسه كمركز للبحث والتطوير في مجال الذكاء الاصطناعي، مما يعزز نظاما بيئيا نابضا بالحياة يتجاوز الحدود ويدفع المغرب إلى طليعة الريادة التكنولوجية.