تحقيقات أسبوعية

للنقاش | تحالف الجهل والمال يفسد السياسة

من مظاهر المجتمعات المتخلفة، يصدق فيها الكاذب ويكذب فيها الصادق، ويؤتمن فيها الخائن ويخون فيها الأمين، ويتكلم الجاهل ويسكت العالم، ويتولى التافه أمورالعامة..

بقلم: حسوني قدور بن موسى
محامي بهيأة وجدة

    من المؤكد أنه في هذه الدول ليس كل شخص يرشح نفسه للانتخابات في مجالس الجماعات المحلية أو البرلمان هو بالضرورة إنسان متعلم مثقف صادق وأمين ومؤهل لتحمل المسؤولية، وليس كل من يتولى وظيفة هو أهل لها، خاصة في الدول العربية التي توجد في مؤخرة الترتيب الديمقراطي في العالم، والتي سجلت أدنى المراتب وأسوأ مستويات التصنيف للديمقراطية، حيث تم تصنيف 17 دولة عربية من أصل 20 ضمن تصنيف النظام السلطوي القمعي تتركز فيه السلطة في يد شخص واحد، وتتسع فيه الفوارق الاجتماعية، لكن معظم هذه الأنظمة أوجدت مؤسسات غير شرعية ترتدي عباءة النظام الديمقراطي، ومن هذا المنطلق المنحرف عن الشرعية، نجد أن الانتخابات العامة، التي تعتبر مقياسا للديمقراطية، تواجه إشكاليات عديدة منها التزوير واستعمال المال الحرام وتهافت المفسدين وتجار المخدرات ورجال الأعمال المنحرفين على السلطة الذين يستغلون الظروف الاجتماعية والاقتصادية الصعبة التي يعاني منها المواطنون، أهمها الفقر والبطالة وانعدام السكن وعدم المساواة وتدني مستويات التعليم.. هذه العوامل تؤثر بشكل كبير على ثقة الناخبين ومصداقية المرشحين، كما أن وسائل الإعلام المأجورة تساهم في الدعاية المضللة لفائدة المرشحين المفسدين وتجار المخدرات، تلمع صورتهم المشوهة، مما يؤدي إلى فقدان الثقة، وبالتالي إفساد العملية الانتخابية التي تنتهي بفوز المفسدين والجهلة والأميين وتجار المخدرات بمناصب في الجماعات المحلية والجهوية والبرلمان، في حين يقصى أصحاب الكفاءات العلمية والمثقفين.

فالظروف الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية هي عوامل تتحكم في سير عملية الانتخابات، كما أن انعدام الديمقراطية والحكم السلطوي يؤثر على قدرة المواطنين على المشاركة في الانتخابات، ومن المتفق عليه أن الفساد يعتبر تحديا كبيرا يتسبب في تشويه العملية الانتخابية ويؤثر على نتائجها، حيث يمكن للفساد أن يؤدي إلى شراء الأصوات وتزوير النتائج.

تتمة المقال تحت الإعلان

أما في الدول الديمقراطية، فالحال ليس على هذا المنوال، فهناك نوعا من الأسلحة محرم في المنافسة السياسية، هو النوع الذي يستعمل فيه العنف المادي والمال الحرام، لأن السياسة في الدول الديمقراطية الراقية تبدأ حيث ينتهي العنف واستعمال المال، أما في الدول المتخلفة، فالشخص القوي بثرواته وماله الحرام هو الزعيم الذي يضع الشعب تحت حذائه، ومن هنا تبدأ الاضطرابات الاجتماعية والسياسية في العديد من البلدان العربية، حيث يتم تشكيل نظام سياسي معقد غير واضح المعالم تتداخل فيه المصالح السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وتنتهي غالبا بظهور حركات احتجاجية مطلبية تتطور إلى انتفاضات شعبية لمحاولة حمل نخب سياسية تقدمية إلى سدة الحكم، لكن نظرا لمستوى الوعي المنحط في المجتمع، غالبا ما يكون الفوز لسلاح المال الحرام وفي مقدمتهم تجار المخدرات، فيتم القضاء على سلاح العلم والمعرفة، وتنهزم الكفاءات والأطر العلمية والمحامين والأساتذة الجامعيين والمهندسين والأطباء…

يقول ألكسيس دوتوكفيل في كتابه بعنوان: “الديمقراطية في أمريكا”: ((عندما نفحص المؤسسات السياسية والأحوال الاجتماعية في الولايات المتحدة الأمريكية، يدهشنا ذلك الانسجام الرائع بين منح الحظ وجهود الإنسان، فقد توافر لهذه الأمة سببان من أسباب السلام الداخلي الرئيسية.

هذا، وقد استفاد المشرعون الأمريكيون من هذه الظروف المواتية، فخلقوا سلطة تنفيذية ضعيفة وثانوية، يمكن أن يجعلوها انتخابية دون أن يخشوا أي خطر من وراء ذلك)).

تتمة المقال تحت الإعلان

إن حب السلطة والمال من الشهوات الراسخة في ذهن الإنسان، سطوتها ونفوذها وخطورتها لها أثر مثل المخدر الذي يرسل الضمير والمعايير والقيم الأخلاقية في رحلة لا عودة منها، وكما يُعمي دخان “الحشيش” الرؤية ويقود إلى الهلوسة والهذيان، كذلك يقود الشعور نحو السلطة والمال والتحكم في البلاد والعباد إلى هذيان وهلوسة أخلاقية لا تقل بشاعة عن هلوسة المخدر، وبالفعل نجد المرشحين للانتخابات والطامعين في السلطة والمال والنفوذ، يستعملون جميع الوسائل المتاحة لديهم للوصول إلى السلطة، عن طريق استعمال المال الحرام والتزوير والرشوة والابتزاز والاتجار في المخدرات، ونشاهد منتمين إلى أحزاب سياسية يعشقون الترحال من حزب لآخر بحثا عن التزكيات للترشح للانتخابات، ولا يبدون أي اهتمام للمبادئ الديمقراطية ولا يحترمون الأخلاقيات السياسية بقدر ما يهمهم الوصول إلى السلطة والنفوذ وتراكم الثروات، فهم يعتبرون هذه المبادئ مجرد نظريات لا قيمة لها يدرسها الطلبة المبتدئون في كلية الحقوق، ومجرد ترهات تناقش على شاشة التلفزيون والمحاضرات والندوات، لكن الواقع العملي بالنسبة لهؤلاء المفسدين الانتهازيين، يختلف تماما عن المبادئ النظرية.. إنه واقع الخداع والمراوغات السياسية وتضليل الرأي العام من أجل الوصول إلى كراسي المسؤولية التي لا يستحقونها، فالمسؤولية تهرب من تحملها العلماء العارفون بأمور الدين والدنيا، والتاريخ مليء بأمثلة العلماء المسلمين الذين رفضوا تحمل المسؤولية لخوفهم من عواقبها الدنيوية والأخروية، بل تخفى بعضهم في زي المجانين حتى لا يتولى المسؤولية، ويمكن إجمال أسباب عزوف العلماء والأئمة عن تولي المسؤولية كونهم يرون أنفسهم ليسوا أهلا لها، وخاصة منصب القضاء، وقد قال بعض العلماء المسلمين: ((لا خير في من يرى نفسه أهلا لشيء لا يراه الناس أهلا له)).

حب السلطة والتطلع إلى المناصب بجنون، وطلب الرفعة والتهافت على المال، نزعات تتملك الإنسان، وقد تهوي به إلى سوء المصير، حيث يتسابق المنافقون إلى المسؤولية ولا يقدرون ثقلها ومخاطرها، فيزدادون كبرياء وغرورا، خاصة عندما يصاحب السلطة كيل المديح والتبجيل والتعظيم والمجاملات المنافقة، واستعمال الطبول والمزامير والأبواق وقطع الشوارع والطرقات لاستقبال المسؤولين المفسدين.. إنه داء السلطة العضال، في حين نشاهد رئيس وزراء في دولة أوروبية يذهب إلى عمله على متن دراجته الهوائية ولا أحد من المواطنين يهتم به.

فما أسهل أن نتسابق إلى السلطة ونجري وراءها ونلهث للوصول إليها، وما أصعب أن نكون أوفياء لمبادئنا ووعودنا الانتخابية، فالسلطة تغير الكثيرين وتؤدي بهم إلى الجشع، خاصة كلما طال عليهم الأمد وهم جاثمين على صدر الأمة، وهم يعلمون أنه لا رقيب عليهم ولا حسيب، وحتى في الحالات التي يسلط الله عليهم الفضائح المالية والسياسية والأخلاقية مثل الاختلاس والرشوة والفساد والاتجار في المخدرات، فإنهم لا يعترفون بثقافة الاستقالة من مناصبهم، هذا بخلاف ما هو متعارف عليه في الدول الديمقراطية، نذكر هنا على سبيل المثال الوزيرة السويدية مانا سالين، التي قدمت استقالتها من الحكومة بعد أن أدانها القانون السويدي بملء خزان سيارتها الخاصة بالبنزين على حساب الدولة، وأكدت أنها نسيت بطاقتها الخاصة في البيت واضطرت لاستعمال البطاقة الحكومية مثبتة بالوثائق الدامغة أنها أعادت المبلغ في اليوم التالي إلى خزينة الدولة دون أن يطلب منها أحد ذلك، إلا أن القانون السويدي قرر أن هذا التصرف يعتبر استغلالا للمال العام، وفي بلادنا كم تقدر الأموال العمومية التي تم هدرها على استعمال سيارات الدولة في غير أوقات العمل؟ أما وزيرة التعليم الألمانية أنيته شافان، فاستقالت من منصبها بعد فضيحة سرقة أدبية في رسالتها لنيل درجة الدكتوراه، التي قرر المجلس العلمي في جامعة دوسلدورف‏ ‏تجريدها منها‏، وقدمت وزيرة العدل اليابانية ميدورى ماتسوشيما، استقالتها على خلفية اتهامات بتقديمها هدايا غير قانونية لأنصارها، وكانت قد قدمت مراوح ورقية للناخبين في مقاطعتها، وهو ما اعتبره بعض المعارضين انتهاكا للقوانين التي تحظر تقديم الهدايا، هذه مجرد مراوح زهيدة الثمن أدت إلى استقالة الوزيرة، وهي مخالفة لا ترقى لدرجة فضيحة جرائم التهريب والاتجار في المخدرات والتزوير، أما وزيرة التجارة والصناعة اليابانية يوكواو بوتشى، فقد قدمت استقالتها بعدما لم تتمكن منظمتان سياسيتان تدعمانها من كشف مصدر 4.26 ملايين ين (24 ألف دولار) من أموالهما. هؤلاء وأمثالهم كثيرون من الذين استقالوا من مناصبهم الحكومية في الدول الديمقراطية بسبب فضائح مالية أو أخلاقية أو مجرد أخطاء، أما في المغرب، فإن المسؤول يقال ولا يستقيل.

تتمة المقال تحت الإعلان

تتصاعد موجة الإضرابات والاحتجاجات والتظاهرات الشعبية في الدول العربية التي تتجه نحو تركيز الثروة والسلطة في أيدي أقلية من رجال المال والأعمال، واحتقار وتجويع المواطنين وإحكام قبضتها الحديدية عليهم والتحكم في مصيرهم عن طريق فرض القوة وشراء أصوات الناخبين من أجل السيطرة على البلاد سياسيا واقتصاديا، وفي الدول المتخلفة، إذا أردت أن تفسد السياسة فانفق عليها من المال الحرام بلا حساب، فهذه السياسة لا تضمن نهاية سعيدة، وللأسف الشديد لا يمكن القضاء على المفسدين الانتهازيين عن طريق الانتخابات الفاسدة، لأن الشعب لم ينتخبهم أصلا، وليس أخطر على الدولة من الخلط بين السياسة والمال الحرام، والتاريخ شاهد على فشل مثل هذه الأنظمة ونهايتها.

إن ظاهرة الاحتجاجات الشعبية ضد استحواذ رجال المال المفسدين على السلطة ليست جديدة على المجتمعات الحديثة، وإن كانت وسائل الاإعلام المأجورة التي تسير في الاتجاه المعاكس لإرادة الشعوب، تحاول تلميع صورة حكومة رجال المال والأعمال للاستفادة هي كذلك من توزيع الغنيمة، ورغم المنع والقمع ضد الرافضين لسياسة التجويع ورفع أسعار المواد الغذائية الأساسية والمحروقات والاعتداء على القدرة الشرائية للمواطنين، فإن المحتجين يزدادون قوة وصمودا ليس في المغرب فقط، بل في أغلب الدول العربية المحكومة من طرف الطغاة ورجال المال والأعمال وتجار المخدرات، فهذا النوع من العلاقات بين رجال المال والسلطة تحيط به كثير من الشبهات وعلامات الاستفهام، وكثيرا ما تنتهي بخسائر مادية جسيمة تصيب الشعب في معيشه اليومي، لذلك يقال: “ما اجتمعت السلطة والمال إلا وكان الفساد ثالثهما”.

ويرى البعض، أن العلاقة بين السلطة والمال جريمة كاملة الأركان، وفي هذا الصدد، اعتقلت السلطات التونسية عددا من رجال الأعمال لتورطهم في تهريب أموال وقضايا فساد وتبييض أموال، وكانت الحكومة قد أطلقت حملة ضد رجال الأعمال المتورطين في الفساد والتهريب، وأوقفت العشرات منهم، في وقت تعهدت فيه رئيسة الحكومة نجلاء بودن رمضان، أن تكون حكومتها حكومة حرب ضد الفساد والمفسدين، في الوقت الذي تعهد فيه رئيس الحكومة المغربية عزيز أخنوش، بإعادة تربية المغاربة، لأنهم يحتجون ضد الفساد وغلاء المعيشة وارتفاع ثمن المحروقات.

تتمة المقال تحت الإعلان

ويظهر أن العلاقة بين رجال المال والأعمال والسلطة علاقة متكررة ومتجددة في الدول العربية، التي تلعب دورا أساسيا في الاقتصاد عن طريق الزواج بين السلطة والمال لاعتقادها أن المصدر الأساسي للدخل يأتي من قطاعات تسيطر عليها الدولة ويظل رجال المال والأعمال في حاجة دائمة لعلاقة مع السلطة لحماية مصالحهم للحصول على قروض للإنتاج وزيادة ثرواتهم الهائلة، لأن الأنظمة السياسية في الدول العربية ما زالت مصدر القوة والثروة معا.

وقد استطاعت الشعوب المضطهدة عن طريق النضال المستمر والاحتجاجات الشعبية في كثير من الدول، إقالة عدد من الرؤساء والمسؤولين الكبار من مناصبهم السياسية، بسبب غلاء المعيشة وارتفاع الأسعار وتفشي الفساد والرشوة، في حين اضطر آخرون تقديم استقالاتهم طوعيا خوفا من المحاكمة، وشهدت العديد من الدول العربية منذ السبعينات موجة تظاهرات شعبية قوية في الشارع احتجاجا على سياسة رفع الأسعار في غالبية المواد الغذائية والمحروقات، فكانت احتجاجات عارمة واجهتها الأنظمة الحاكمة المستبدة بالاعتقالات التعسفية الواسعة، مما أسفر عن سقوط العديد من القتلى والجرحى، هذه هي السياسة المتبعة في الأنظمة المستبدة في البلاد العربية التي تقوم على الاستغلال والقمع، يسجن فيها المظلوم والبريء وأبناء الشرفاء ويطلق سراح المفسدين الذين سرقوا ونهبوا أموال الشعب، يضطهد فيها الأحرار ويكرم فيها المنافقون والمفسدون، تسند إلى الجاهل والأمي والمرتشي أعلى المناصب في الدولة ويقصى أصحاب الكفاءات العلمية، تمنح الشواهد الجامعية للفاشلين في الدراسة عن طريق الوساطة والجاه والمال ويقصى الطلبة الباحثون المجتهدون، الأمر الذي يجعلهم يختارون الهجرة إلى الدول الديمقراطية التي تعترف بمبدأ   تكافؤ الفرص، وتسند مهمة الوعظ والإرشاد إلى الزنادقة والسفاء وتجار الدين لتنويم الشعوب بالخرافات والتفاهات، مما أدى عبر العصور إلى سقوط العروش  ونهاية الدول، ولهذا ظهرت جماعات مناضلة من المواطنين تنتمي إلى مختلف الطبقات الاجتماعية التي تعاني من الاضطهاد والتهميش والاستغلال بجميع أشكاله، تشكل ما يسمى بالجماعات الضاغطة عن طريق الاحتجاجات في الشارع العام، وعن طريق وسائل التواصل الاجتماعي، للدفاع عن المصالح الاقتصادية والاجتماعية لمعظم المواطنين من أجل التأثير على السلطة الحاكمة التي يتحكم فيها مجموعة من المفسدين والأثرياء وأرباب الشركات الرأسمالية، ولا زال النضال من أجل العزة والكرامة مستمرا منذ فجر الاستقلال، ففي يوم 18 ماي 1981، أعلن رئيس الحكومة المعطي بوعبيد عن الزيادة في المواد الغذائية الأساسية بضغط من المؤسسات المالية الدولية، وعلى إثر ذلك دعت الكونفدرالية المغربية للشغل إلى شن إضراب عام يوم 20 يونيو 1981 احتجاجا على تلك القرارات الظالمة، فقامت قوات الأمن بقمع المحتجين مما أدى إلى اندلاع مظاهرات شعبية في مختلف الأحياء الشعبية بمدينة الدار البيضاء، تدخلت فيها عناصر الجيش بالقمع والاعتقالات بواسطة الدبابات والسيارات العسكرية، وصل عدد القتلى فيها إلى 1000 قتيل تم دفنهم في مقابر جماعية، حسب بيانات المعارضة، اشتهروا باسم “شهداء الكوميرا” التي أطلقها عليهم إدريس البصري استهزاء بهم بسبب مطالبهم الاجتماعية، وهو ما أثار سخط عائلات الضحايا، ورغم مطالبة المعارضة بتشكيل لجنة تقصي الحقائق، امتنعت السلطات عن ذلك وتم التضييق على وسائل الإعلام الوطنية والدولية لتغطية تلك الأحداث المؤلمة، وأجبرت تلك الأحداث الحكومة على التراجع عن الزيادات التي فرضتها في الأسعار وبررت آنذاك تدخلها الدموي العنيف إلى وجود عناصر متآمرة من الخارج تحاول التشويش على لقاء المغرب في مؤتمر نيروبي حول قضية الصحراء، وفي المقابل، وصفت المعارضة تلك الأحداث بأنها “مجزرة حقيقية” في حق المغاربة، وظلت الانتفاضات الشعبية مستمرة ضد سياسة التجويع وارتفاع الأسعار وكلفة المعيشة والزيادة في ثمن المحروقات، انخرطت فيها جميع شرائح المجتمع وما رافق ذلك من احتقان اجتماعي.

يرى البعض أن الجمع بين السلطة والمال الحرام جريمة كاملة مكتملة الأركان، فمقابل الثروة تتنازل السلطة عن أعز ما تملكه وهو الأمانة والشرف، فإذا أردت إفساد أي مجتمع فما عليك إلا فتح باب الزواج بين السلطة والمال، أي أن تسمح لرجل الأعمال أن يكون رجال سياسة: عضوا في البرلمان أو وزيرا أو رئيس حكومة، وهنا يشارك رجل الأعمال في صنع القرارات التي تخدم مصالحه المالية أولا وأخيرا، لأن هدفه هو الربح السريع ولو على حساب قوت عيش المواطنين الفقراء والضعفاء، وتظهر رغبته الجامحة وتعطشه إلى المزيد من تراكم الثروة والمال في خطاباته والألفاظ التي مصحوبة بالتهديد باستعمال القوة لأن له رغبة جامحة في زيادة حجم ثروته عن طريق تخويف المواطنين بأنه الرجل القوي الذي لا يقدر أحد على منافسته، معتقدا أن ثروته هي التي أوصلته إلى هرم السلطة، وأن المواطنين الأغبياء الذين صوتوا عليه في الانتخابات، لا يحق لهم الاحتجاج ضده، لأنهم باعوه أصواتهم بأبخس ثمن، وأنه قادر على إعادة تربيتهم، كما تظهر خطورة رجل المال والأعمال عندما تسند إليه مهمة تدبير الشأن العام.

تتمة المقال تحت الإعلان

فرجل الأعمال الذي استطاع أن يحقق ثروة هائلة من المال، ليس قادرا بالضرورة على إدارة اقتصاد دولة أو حتى وزارة من الوزارات، وتكشف لنا الكثير من الدراسات والتجارب الدولية، أن الفساد الإداري يتفشى بشكل كبير في السلطات التنفيذية التي يغلب عليها رجال الأعمال، لأن هؤلاء يعملون على خدمة استثماراتهم بدلا من خدمة مصالح المواطنين، فهم لا تهمهم المصلحة العامة بقدر ما يهمهم خدمة مصالحهم الاستثمارية، والدول العربية تشهد مثل هذه المصائب والكوارث السياسية، حيث تعاني من مظاهر الإفلاس والفقر المدقع والحرمان والبطالة وانعدام السكن والأمراض والجهل وهجرة الأدمغة.

إن رجل الأعمال إن لم تكن لديه تقوى وأخلاق فإنه قد يتحول إلى شيطان يستخدم ماله ونفوذه للوصول إلى مركز صنع القرار السياسي، بهدف انتزاع تسهيلات غير مشروعة وتحقيق أرباح شخصية خارج إطار القانون لم يكن يحلم بها، ولم يكن باستطاعته الحصول عليها إلا من خلال تواجده في السلطة، والأمر الذي يغيب عن أهل السياسة، هو أن المردود المادي الذي يحصده رجال المال والأعمال يفوق بكثير المقابل الذي يتقاضاه رجال السلطة السياسيين، ذلك أن إعفاء رجال الأعمال من دفع مستحقات كبيرة للدولة، خاصة الضرائب، يؤدي إلى تعاظم ثرواتهم على حساب المواطنين، الذين تثقل الضرائب غير العادلة كواهلهم، هذا بالإضافة إلى الزيادة في المواد الغذائية والمحروقات، والخاسر هو الشعب المغفل الذي صوت على رجل الأعمال والمال في الوقت الذي نشاهد فيه نسبة البطالة في تزايد كبير.

تتمة المقال تحت الإعلان

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى