تقرير | تقرير يرسم صورة قاتمة حول واقع التعليم والسكن والسجون وحرية التعبير وضعف الحكومة
دعا تقرير حقوقي للرابطة المغربية للمواطنة وحقوق الإنسان، الدولة المغربية، إلى العمل على حماية الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والحريات الأساسية، والحق في الأرض، وفي التشغيل، ومكافحة الفقر والبطالة، والطرد التعسفي، ورفض الزيادة في الأسعار، مطالبا الحكومة بـ”مراجعة حقيقية لسياستها الارتجالية في مجال حقوق الإنسان، بالإعلان عن مؤسسات حقوقية مستقلة، والقطع مع خطاب يؤكد على احترام حقوق الإنسان، وواقع ينتهكها يوميا وفي كل مناسبة”.
الرباط – الأسبوع
نبه تقرير الرابطة المغربية للمواطنة وحقوق الإنسان، الحاصلة على الصفة الاستشارية بالأمم المتحدة، إلى “استشراء الفساد وتبديد المال العام ومواجهة الخصاص في البنيات التحتية والماء الصالح للشرب، يقابله الاحتجاج المشروع على الأوضاع المعيشية الكارثية للطلاب ومناهضة التطبيع مع الكيان الصهيوني، والاحتجاج ضد قرارات وزارة التربية الوطنية، سواء المتعلقة بالنظام الأساسي للأساتذة وتحسين أوضاعهم المعيشية، أو ضد تسقيف سن التوظيف بالنسبة للمعطلين والطلاب”، مضيفا أن هناك “قمعا لهذه الأشكال الاحتجاجية السلمية، ومتابعة عدد من النشطاء، واعتقال البعض منهم وإصدار أحكام قاسية وجائرة في حقهم، في تجاهل تام لكل المواثيق الدولية والمبادئ التوجيهية العشر للمقرر الخاص المعني بالحق في حرية التجمع السلمي”.
واعتبر التقرير، أن المغرب لازال ينتهك الاتفاقيات، ولا زال يتأخر في ملاءمة نظامه الدستوري والقانوني مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان والديمقراطية، حيث تحولت العملية إلى ما هو تقني بدل أن تكون على مستوى الممارسة والتطبيق، بالرغم من توقيعه والمصادقة على الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان والبروتوكولات الملحقة بها، فضلا عن تصريحه الدائم بوفائه بالالتزامات الدولية المترتبة عن ذلك، سواء من خلال ملاءمة التشريعات الوطنية مع المعايير الدولية، أو من خلال تقديم التقارير إلى هيئات المعاهدات أو التفاعل مع التوصيات الصادرة عنها، إضافة إلى تعزيز دستور 2011 لضمان حماية شاملة ومتكاملة لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني وفق المعايير الدولية.
وسجل التقرير “عدم البت في العديد من الملفات الموضوعة خارج الأجل، والتي تتجاوز 30000 ملف لم تتم معالجتها لحد الآن، واستمرار مطالب العديد من المجموعات، وبالأخص مجموعة تازمامارت، من أجل إنصافها، وتجدد الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان بعد الأحداث الإرهابية في 16 ماي 2003 بالدار البيضاء، وما صاحبها من اعتقالات شملت الآلاف ممن سموا بالسلفية الجهادية، مبرزا مجموعة من النقاط، من بينها عدم الكشف عن الحقيقة في كافة ملفات الاختفاء القسري العالقة، عدم استكمال جبر الأضرار الجماعية للمناطق، فشل ملفات الإدماج الاجتماعي والرعاية الصحية (حالة محمد بنخضرة على سبيل المثال، عدم الاعتراف الفعلي مع الاعتذار الرسمي والعلني للدولة المغربية للضحايا والمجتمع، عدم القيام بحفظ الذاكرة، والبدء بتدشين متحف حول تلك الفترة الرهيبة)، مشيرا الى استمرار الانتهاكات لحد الآن لتشمل المدافعين عن حقوق الانسان (إدريس السدراوي، محمد المديمي، وغيرهما)، ونشطاء الحركات الاحتجاجية الاجتماعية بالمدن والقرى، ونشطاء الريف، ونشطاء الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، ورواد مواقع التواصل الاجتماعي والمدونون (سعيدة العلمي ورضا بنعثمان على سبيل المثال) وملف محمد باعسو بمكناس، الذي طبع بـ”طابع أخلاقي”.
وبخصوص المجال الجمعوي، رصد ذات التقرير استمرار التلكؤ في تسليم الوصولات المؤقتة فورا، وعدم تمكين العديد من الجمعيات الحقوقية من وصولات الإيداع (فروع الجمعية المغربية لحقوق الإنسان والمركز الوطني للإعلام وحقوق الإنسان على سبيل المثال فقط، وأيضا رفض سلطات سيدي سليمان تسليم الوصولات النهائية لإيداع ملفات الجمعيات والمنظمات (على سبيل المثال لا الحصر: جمعية إشراقة للتربية والثقافة والتنمية بسيدي سليمان، والرابطة المغربية للمواطنة وحقوق الإنسان بسيدي سليمان)، والتدخل والتماطل في تمكين حزب الحركة الشعبية بسيدي سليمان من وصله القانوني..
وفي مجال الصحافة وحرية الرأي والتعبير، سجل التقرير “استمرار محاكمة الصحفيين والمدونين بمقتضى القانون الجنائي وليس بقانون الصحافة، مما أدى إلى اعتقال بعضهم بعد الحكم عليهم بعقوبات سجنية نافذة، بالرغم من مطالب الجمعيات الحقوقية ونقابات الصحفيين بإلغاء العقوبات السالبة للحرية في مجال الصحافة والنشر، وعدم التناسب ما بين الغرامات في الأحكام ذات الصلة بالصحافة والنشر، وضعف الضمانات القانونية لممارسة الحق في الوصول إلى المعلومة، واحتكار الدولة لوسائل الإعلام العمومية، ببرامج تزكي التفاهة وتجاهل القضايا الحقوقية والسياسية لعموم الجمهور”.
وكشف التقرير، أن وضعية السجناء كارثية نتيجة قلة الأطر والموظفين، وسوء ظروف إقامة السجناء، نظرا للاكتظاظ الناتج عن استمرار الاعتقال الاحتياطي بشكل مقلق، مع ما ينتج عنه من تأثيرات سلبية على السجناء، من حيث التغذية، والنظافة، والاستحمام، والفسحة، والزيارة، والتطبيب والعلاج ومتابعة الدراسة، مما يدفع العديد من السجناء، بمن فيهم المعتقلين السياسيين، إلى خوض إضرابات عن الطعام.
ومن جانب آخر، قال التقرير أن هناك استمرارا وتعمق الانتهاكات في هذا المجال، نتيجة النظام الاقتصادي السائد، وضخامة خدمات المديونية الخارجية، وانعكاسات السياسة الليبرالية المتوحشة، وخاصة بالنسبة لميزانية الدولة التي أصبحت متعارضة مع التنمية والتشغيل، واستمرار مسلسل الخوصصة بما فيها الصحة والتعليم، والانخراط الكامل في العولمة من موقع الضعف، والنهب السافر للمال العام والثروات الوطنية مع استمرار السلطات في نهج سياسة الإفلات من العقاب بشأن الجرائم الاقتصادية، معتبرا أن التنزيل الحكومي للنموذج التنموي مجرد حبر على ورق، كما اعتبر التقرير أن نتائج المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، التي قدمت كوصفة لمعالجة المشاكل الاقتصادية والاجتماعية، ضعيفة لحد الآن باعتبار تراجع المغرب في سلم التنمية البشرية، مما يبرز أن بلادنا لازالت محتاجة إلى مقاربة جديدة في مجال التنمية تنسجم مع معايير حقوق الإنسان، مطالبا بلجنة تحقيق في الأموال المبذرة في هذه المبادرة دون تحقيق أي نتيجة ملموسة مع فتح حوار وطني حول النموذج التنموي الناجع.
وأبرز نفس المصدر مجموعة من الاختلالات والصعوبات التي تعيق وصول المواطنين إلى السكن اللائق، تتجلى في استمرار المضاربات العقارية، مما يشجع البناء العشوائي وانتشار الفقر واستحالة التوفر على شقة، حتى من الموظفين والعمال، نظرا للمضاربات التي يعرفها قطاع العقار والأثمنة الصاروخية المعتمدة، بالإضافة إلى محنة فئات واسعة من المواطنين في الحصول على السكن وقمع حركاتهم الاحتجاجية (قاطني دور الصفيح)، وإقصاء العديد من الأسر بسبب عدم دقة الإحصاءات مع استفادة أشخاص غير مستحقين، وتمكين الرجال من بقع أرضية بدل تسجيلها مناصفة مع النساء، مشيرا إلى ظاهرة استمرار نهب الأراضي السلالية.
وانتقد التقرير سياسة التقويم الهيكلي والخوصصة، وانعكاسات العولمة الليبرالية المتوحشة على التنمية، وعدم تحمل الدولة لمسؤوليتها في تشغيل الشباب بكل فئاتهم، وكذا التعويض عن فقدان الشغل وعن العطالة، ومعاناة الحق في الحياة الكريمة نتيجة للعوامل السابقة، ونظرا للارتفاع الذي عرفته أثمان المواد والخدمات الأساسية بالنسبة لعموم المواطنين في ظل جمود الأجور، وانتشار الفقر المدقع بالنسبة لفئات واسعة من المغاربة، والعراقيل أمام إعمال حقوق الأشخاص المعاقين والحق في البيئة السليمة، وصعوبة الولوج للحق في الصحة ومشاكل الصحة العمومية واستمرار الفساد والرشوة وغياب روح المسؤولية لدى بعض مسيري هذا القطاع، وفشل العديد من أنظمة الحماية الاجتماعية، مطالبا بالحق لجميع المؤمنين للاستفادة من خدمات القطاع الخاص وتخليق المجال الصحي.
وسجل ذات التقرير، عدم احترام الحريات النقابية وحق الإضراب على المستوى القانوني، عبر إلغاء الفصل 288 من القانون الجنائي، والفصل 5 من مرسوم 5 فبراير 1958 بشأن مباشرة الموظفين للحق النقابي، وسائر المقتضيات التشريعية والتنظيمية المنافية للحق الدستوري في الإضراب وللحريات النقابية، وإعادة الاعتبار لجميع ضحايا الفصل 288 من القانون الجنائي بإرجاعهم للعمل ومحو العقوبات المترتبة عن تطبيقه، وذلك بموجب عفو شامل، والتخلي عن محاولة فرض قانون تنظيمي لممارسة حق الإضراب يكون هدفه تكبيل الحق الدستوري في الإضراب وعدم وضع حد للانتهاكات الصارخة لقوانين الشغل التي يقوم بها جل المشغلين والناتجة بالخصوص عن عدم تحمل السلطات لمسؤولياتها في هذا الشأن، وعدم التأسيس لحوار اجتماعي يشمل جميع الأطراف الممثلة للعمال بما فيها التنسيقيات .
وتطرق التقرير إلى مسألة الحق في التعليم وارتباطه بقضايا التعليم العمومي وما يعرفه من مشاكل عديدة، من ضمنها الاكتظاظ وقلة الأساتذة والإمكانيات، ناهيك عن ضعف مردوديته بالنسبة للتأهيل للتشغيل والأثار السلبية التي خلفتها المغادرة الطوعية من خصاص، وعن مشاكل المناهج والمقررات وضعف البنيات التحتية واستمرار حرمان تلاميذ القطاع العام من الدراسة بسبب إضراب الأساتذة وفي غياب آلية فعالة وتشاركية للحوار الاجتماعي، داعيا إلى الرفع من قيمة التعليم العمومي والحد من الاكتظاظ ونقص الأطر التعليمية والعمل على إصلاح جامعي يؤكد على الجودة وعلى تمكين أبناء الفئات الفقيرة من تعليم يضمن لهم الولوج إلى سوق الشغل.
وشدد التقرير على ضرورة مراجعة القانون 103.13 المتعلق بمكافحة العنف ضد النساء، لكونه لا يوفر آليات فعلية لحماية المرأة من العنف بكل أشكاله ولا يضع حدا للإفلات من العقاب، لكي يتلاءم مع مقتضيات اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة والإعلان العالمي لمناهضة العنف ضد النساء، مسجلا ضعف التزام الدولة بتعهداتها في مجال حقوق الطفل، إذ لازال الأطفال يعانون من العنف في مختلف الفضاءات الخاصة والعامة، ومن آفة الهدر المدرسي وانتشار الأمية في صفوفهم، فيما تتزايد أعداد أطفال الشوارع والأطفال الموجودين في نزاع مع القانون، وتتفاقم هجرة القاصرين غير المرافقين.
وأوصى التقرير الدولة المغربية باتخاذ الإجراءات القانونية على مستوى القانون الدولي، وهيئات حقوق الإنسان، من أجل إنصاف المغاربة المطرودين تعسفيا من الجزائر والاستيلاء على ممتلكاتهم من طرف الدولة الجزائرية، حيث لازال الضحايا وأفراد أسرهم يطالبون بفتح تحقيق عن مجريات أحداث الطرد واسترجاع الممتلكات أو التعويض المادي عنها.