حوار | زعيم لوبي “حرية المعتقد” نور الدين عيوش يتحدث كما لم تسمعوه من قبل
يأتي هذا المقال في إطار الجزء الأول من حوار الأسبوع مع زعيم لوبي “حرية المعتقد” نور الدين عيوش ” فقط على alousboue.com
———————-
يعد “نور الدين عيوش” شأنه شأن أصدقائه النشطاء؛ عبد اللطيف اللعبي، وكمال الحبيب، وسيون أسيدون.. أحد الحالمين بـ”مغرب آخر”، بل يمكن القول إنه في مقدمة المدافعين عن مبدإ “حرية المعتقد”، الذي تدخل تحت يافطته مطالب “المساواة بين الجنسين في الإرث”، و”حرية اختيار الأديان”، و”الدعوة إلى زواج المسلمة بغير المسلم”..
من موقعه كصديق لبعض “النافذين”(..)، استطاع نور الدين عيوش أن يخلق جدلا غير مسبوق بدعوته إلى اعتماد اللغة الدارجة في التعليم العمومي، ووصل الأمر إلى حد تنظيم مناظرة بينه وبين المؤرخ عبد الله العروي في التلفزيون، تبعا لذلك ليس غريبا أن تنظر إليه بعض الأطراف بتوجس كبير، وللدور الذي يمكن أن يلعبه من خلال تعيينه مؤخرا، عضوا في المجلس الأعلى للتعليم.
لا يتردد عيوش في إعلان اختلافه مع نظام الحكم في عهد الحسن الثاني، كما لا يختلف اثنان حول علاقة العداوة بينه وبين وزير الداخلية الراحل إدريس البصري، الذي كان منع كلمته (مجلة بعنوان كلمة) من الصدور، بالمقابل، تحسنت علاقته بشكل كبير مع وزارة الداخلية في عهد الوزير المنتدب فؤاد عالي الهمة، الذي أصبح فيما بعد مستشارا ملكيا، “هذا الرجل يتعامل معي بطريقة لطيفة، رغم أني ساندت حركة 20 فبراير وقلت بأن حزبه يجب أن يحل..”، يقول عيوش.
في حواره مع “الأسبوع” لم يتحدث عيوش عن “الدارجة في التعليم” كما لم يتحدث عن بن كيران، أو شباط، أو إدريس لشكر.. ولكن التصريحات التي صدرت على لسانه بشكل غير مسبوق قد تثير دهشة القارئ.
يتفق إمبراطور الإشهار وصاحب فكرة “2007 دابا” مع إمكانية إجراء “إحصاء ديني” في المغرب لمعرفة عدد الأجانب الذين يعتنقون المسيحية أو اليهودية أو غيرها من الأديان.. ولكن يشترط “عدم تسييس الموضوع”، كما يعتقد أن من حق اليهود والأفارقة الذين دخلوا إلى المغرب أن يكونوا برلمانيين ووزراء في الحكومة، وعندما تسأله: في أي إطار يدخل ذلك؟ يجيب: “هذا يدخل في إطار الديمقراطية والانخراط والاندماج في البلاد، لأن هؤلاء يشتغلون في المغرب، ويعيشون فيه..”.
إلى حدود اليوم مازالت تراود نور الدين عيوش فكرة دسترة حرية المعتقد، بل إنه يرى أن الدستور الحالي يميل بفصوله، ويفهم منه أنه يتفق مع “حرية المعتقد”، لكن السؤال الذي يطرح في هذه الحالة: ألا تتعارض إمارة المؤمنين مع حرية المعتقد؟ يجيب ضيف “الأسبوع” بأن “لقب إمارة المؤمنين” لا يتعارض مع حرية المعتقد، فأمير المؤمنين هو الذي يسمح لكل الأديان بأن تحترم في هذا البلد، وهو نفسه الذي يستقبل العلماء المسلمين، ورئيس مجلس اليهود ورئيس مجلس المسيحيين في عيد العرش، وهذا ما يثبت حسب عيوش أن الملك “أمير للمؤمنين كيفما كانوا”، سواء سنة أو شيعة أو مسيحا أو يهودا..
لا تقف أفكار عيوش عند هذا الحد، بل يقول بصفته أحد مؤسسي جمعية “الديمقراطية والحداثة”: “إن لكل إنسان الحق في اختيار دينه، سواء كان مسلما وأراد أن يدخل في المسيحية أو اليهودية، أو العكس، فهذا حقه..”، حسب قوله، ويكشف لأول مرة وبخلاف ما تداولته بعض المصادر الإعلامية، بكونه لم يعتذر للملك حول ما صرح به ابنه المخرج هشام عيوش الذي قال على أمواج الراديو بأنه يحلم بأن يصبح “رئيسا للجمهورية المغربية”..
حاوره: سعيد الريحاني
—————————–
- هل شاركت في عملية الإحصاء التي نظمتها المندوبية السامية للتخطيط؟
- شاركت فيها كجميع المغاربة، لكني لا أستطيع أن أعطي رأيي بالتدقيق حول ما إذا كانت هذه العملية قد تمت بطريقة احترافية أم لا، لكن مع ذلك يمكن القول إن الإحصاء مهم في حياة البلدان، ونتمنى أن يعطي رؤية شاملة حول معيشة السكان وتمدرسهم، وعدد سكان القرى، وعدد سكان المدن.. نتمنى أن يكون ذلك عاملا مساعدا للخطاب الملكي الذي تحدث فيه عن “الرأسمال اللامادي”.
————–
لا أتفق مع مقاطعة الإحصاء
- ما رأيك في دعوات مقاطعة الإحصاء التي صدرت عن بعض الأطراف؟
- بالنسبة لي، أنا لا أتفق مع “مقاطعة الإحصاء”، بل إنه واجب على كل مغربي، وهذه العملية “ما فيهاش السياسة”، ولا تتدخل في الحياة الشخصية للأفراد.. كل بلد كيفما كان نوعه، أوروبيا، أمريكيا، أسيويا، يشهد إحصاءات..
- ولكن بعض دعوات المقاطعة اتخذت طابعا عرقيا، كما حصل مع بعض الجمعيات التي تنشط تحت يافطة “الأمازيغية”؟
- هناك بعض الناس قالوا بأن عملية الإحصاء لم تأخذ بعين الاعتبار، اللغة الأمازيغية.. وهذا شيء مهم.. فالعملية المقبلة يجب أن تشمل جميع الآراء، سواء تعلق الأمر بـ”أرباب الشركات” أو ببعض الجمعيات..
——————
المغاربة “بحال بحال” سواء تعلق الأمر بـ”روبير” أو نور الدين
- في هذا الصدد هل يمكن أن نتحدث عن عملية “إحصاء ديني”؟
- ليس هناك مشكل إذا أردنا أن نعرف عدد اليهود أو المسيحيين في المغرب، أو حتى ديانات أخرى، لكن إذا كانت هناك رغبة في “تسييس” اتجاه ديني معين، فأنا ضد هذا الأمر.. المغربي يعتبر مغربيا سواء كان يهوديا أو مسيحيا أو له دين آخر..”، لكن إذا أردنا أن نعرف عدد المسيحيين أو اليهود الأجانب الذين يقيمون في المغرب، فهذا ليس فيه مشكل.. لكن إذا كان الأمر يتعلق بـ”المغاربة”، “فكلهم بحال بحال” سواء تعلق بـ”روبير” أو “نور الدين”..
- لنفترض أن عملية إحصائية كشفت أن عدد اليهود في المغرب كبير، أليس من حقهم أن يقولوا مثلا، بأنهم “يطالبون بالتواجد في الحكومة”؟
- هناك مستشار لدى جلالة الملك “يقصد أندري أزولاي”.
- وماذا عن “التشكيلة الحكومية”؟
- كانت هناك تجربة سابقة في هذا الإطار، وقد كان هناك وزير يهودي في الحكومة، ويتعلق الأمر بـ”سيرج بيرديغو” وزير السياحة السابق، وهو الآن برتبة سفير.. من حقهم تماما، أن يطالبوا بأن يكونوا وزراء، والمغاربة “كلهم بحال بحال”، لا يمكن أن يفرقهم الدين..
- هل نفهم من كلامك أنك تدعو إلى إشراك اليهود في الحكومة؟
- حسب الكفاءة..
- ولكن تطبيق هذا الأمر قد يخلق جدلا كبيرا؟
- لست متفقا تماما، حيث أن لهم تعبير ثقافي واقتصادي وسوسيولوجي.. ودخولهم للسياسة لا يمكن إلا أن نفتخر به.. وقد كانت هناك محاولة من لدن إحدى السيدات لخوض تجربة البرلمان، ولكنها لم تنجح.. ليس هذا فحسب، بل إني أتمنى أن يدخل، الأفارقة قريبا إلى البرلمان، إن أرادوا ذلك، فهناك بلدان ديمقراطية في الخارج، تقبل دخول المغاربة إلى برلماناتها..
—————-
تعديل دستوري من أجل اليهود والأفارقة
- في أي إطار، يدخل ترحيبك بدخول “اليهود والأفارقة” للحكومة المغربية؟
- هذا يدخل في إطار الديمقراطية والانخراط والاندماج في البلاد، لأن هؤلاء الأفارقة يشتغلون في المغرب، ويعيشون فيه، ويمكن أن يكون هناك تعديل دستوري يضمن ذلك، مثلما يحدث في البلدان الديمقراطية؟
- هل تعتبر أن وجود “يهودي مغربي” في الحكومة أو “إفريقي أجنبي” في الحكومة، سيكون مفتاحا لترويج صورة مغايرة للمغرب؟
- قبل كل شيء، هذا يدل على الديمقراطية، واحترام الآخر، أن يكون هناك إنسان يعيش في هذه البلاد، من أجل هذه البلاد، ويشتغل لصالحها، هذا يفترض أن يتم ترتيب الوضع دستوريا..
——————
أعضاء من العدل والإحسان والعدالة والتنمية اتفقوا معنا
- أنت تعتبر من بين مؤسسي مجموعة “الديمقراطية والحداثة”، أين وصلت هذه المجموعة؟
- الرئيس الحالي هو “كمال لحلو”، أنا كنت من بين مؤسسيها رفقة الأستاذ عبد الرحيم الهاروشي رحمه الله، نحن نقوم بعملنا، لكن عملنا، ليس له تلك الأهمية التي كانت منذ زمن.. وهذا هو المشكل في المغرب، فالجمعيات ليس لها عمل مستمر، وهذا مشكل كبير عانت منه جمعيتنا أيضا، لكن، إحقاقا للحق فرئيس هذه الجمعية السي كمال الحبيب يقوم بعمل مهم جدا، من خلال مناظرات كبيرة، مثال “المناظرة الوطنية” لحرية المعتقد سنة 2012، ومناظرة “الحكامة” التي نظمت هذه السنة..
- من بين الأفكار التي تدافعون عنها في جمعيتكم، أنكم تقولون إن من حق الزوجة المسلمة أن تتزوج غير المسلم، أين وصل الدفاع عن هذه الفكرة؟
- نحن نقول إن لكل إنسان الحق في اختيار دينه، سواء كان مسلما وأراد أن يدخل في المسيحية أو اليهودية، أو العكس، فهذا حقه.. ليست جمعيتنا وحدها والكثير من الجمعيات.. وبعض الأحزاب مثل العدالة والتنمية وكذلك جماعة العدل والإحسان، كلهم متفقون معنا في القول بأن الإنسان من حقه أن يختار دينه كيفما كان، وأن يطبقه، ولكن لا ينبغي عليه بالمقابل أن يلزم أي إنسان بدخول هذا الدين.. ثانيا: نحن نقول بأن حرية المعتقد، تدخل فيها إمكانية زواج المرأة بيهودي أو مسيحي أو شيعي.. ولها الحق في ذلك.. والشيعيون أيضا لهم الحق بأن يعيشوا في هذا البلد..
- ألا تلاحظ أن دفاعكم عن حرية المعتقد يضعكم في قلب المواجهة مع الإسلاميين؟
- نحن نقول، أيضا، من حق النساء أن يأخذوا نصيبا في الإرث، متساويا مع الرجال.. وهذا من حرية المعتقد أيضا، ونقول أيضا بأن الرجل ليس من حقه أن يتزوج امرأتين، أو ثلاثا، لذلك فالقانون يصعب عليه ذلك.. فالحمد لله ديننا دين الانفتاح، والتسامح.. والنبي صلى الله عليه وسلم لم يكن ضد اليهود أو المسيحيين.. بل إنه كان ضد الناس الذين يحاربون الإسلام..
—————–
لا تعارض بين “إمارة المؤمنين” وحرية المعتقد
يمكن القول إن ما تطرحه يلقى تجاوبا عند “نخبة معينة” فقط، لماذا لم تصل هذه الأفكار إلى مستوى الانتشار الشعبي، وبالتالي تتم ترجمتها انتخابيا..
- “ما نساوش” أن حرية المعتقد، كادت أن تكون مدرجة ضمن الدستور الجديد، وأظن أن الملك كان موافقا على ذلك، وقد لعب المكلفون بصياغة الدستور دورهم، لكن مع الأسف المغاربة، لم يكونوا منفتحين في ذلك الوقت.. فأمير المؤمنين ليس أميرا للمسلمين، ولكنه أمير لليهود والمسيحيين والمؤمنين جميعا كيفما كانوا..
- ولكن حرية المعتقد بهذا الشكل تتعارض مع الدستور؟
- الدستور يقول “بحال بحال”، حرية الدين وحرية الفكر.. يكفي إعادة قراءته لنعرف أنه قريب من “حرية المعتقد”، أنا أعرف سيدة تزوجت بمسيحي وزوجها القديم أراد أن يخلق لها مشكلا، لكن المحكمة قضت لصالحها، وهذا يعني أن المغرب تطور كثيرا ولم تعد هناك تلك العقلية القديمة، التي كان يعبر عنها بعض الناس الذين يريدون إرجاعنا للجاهلية، فهناك بعض المغاربة “اللي كيشوفو للقدام”..
- ألا تتعارض حرية المعتقد مع إمارة المؤمنين؟
- حرية المعتقد لا تتعارض مع أمير المؤمنين، وأكررها إن أمير المؤمنين، هو أمير جميع الأديان، ونحن في المغرب لنا الحرية لكل الأديان..
- هل يمكن للملكية أن تتخلى في نظرك عن لقب إمارة المؤمنين؟
- هذا اللقب، ليس ضد حرية المعتقد، أمير المؤمنين يسمح لكل الأديان بأن تحترم في هذا البلد، “ما خصناش نساو” أن حرية المعتقد تعزز مكانة أمير المؤمنين..
- ولكن إمارة المؤمنين مرتبطة بالدين الإسلامي؟
- من قال ذلك؟ أنا لا أتفق مع ذلك، حيث يوجد عندنا مجلس لعلماء المسلمين، ومجلس لليهود.. أنا أسألك: من هم الأشخاص الذين يستقبلهم الملك في عيد العرش؟ الملك يستقبل رؤساء الأديان ككل؛ رئيس الكنيسة، ورئيس اليهود.. كلهم يسلمون عليه ويبايعون الملك أمير المؤمنين..
—————–
لم نصل بعد إلى ملكية دستورية حقيقية
- حديثك بهذه الطريقة يجعلك في خانة اليساريين القدامى، ألا تخشى أن يقال عنك الناس إنك بصدد إحياء الفكر الانقلابي؟
- نشأت يساريا، ومازلت يساريا، “معمرني كنت انقلابي”، كنت ضد حكم الحسن الثاني، ضد الملكية الحسنية، ولكن اليوم هناك ملكية ديمقراطية وهناك تحسن على مستوى الحرية.. رغم وجود مشاكل “قبيحة”، تتعرض لبعض الجمعيات مثل الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، وجمعيات أخرى.. أظن أن الحرية لا تمنح جرعة جرعة، فهي إما أن تكون كاملة أولا..
- أين يوجد الخلل برأيك، هل هو في “الملكية” أم في السياسيين الذين لم يستطيعوا تنزيل الدستور؟
- أنا لا أظن أن الملكية في المغرب، ملكية دستورية حقيقية، لم نصل بعد إلى مستوى إسبانيا أو إنجلترا، مازال الدستور عندنا يعطي حقوقا كبيرة للملكية، تفوق رئيس الحكومة.. لكن مع ذلك يمكن القول إن الأحزاب ليست لها الشجاعة الكافية لتدافع بكل حرية عن الديمقراطية الحقيقية، وهي التي تريد أن ترجع البلاد إلى العهد القديم، ونشعر أحيانا أن سرعة الملك أكبر من سرعة بعض الأحزاب..
- من خلال كلامك يتضح أنك تنتقد الملك في بعض تجلياتها، وفي نفس الوقت تظهر بعض الغيرة على مؤسسة رئيس الحكومة، ألا تشعر بالتناقض وأنت “تهاجم” الملكية التي يمكن تضمن لك حرية تعبير أكثر مقارنة الحكومة التي يقودها بن كيران..
- هل من التناقض أن أقول لك إن الملكية تقدمت في كثير من الأمور، ولكنها لم تتقدم في بعض الأشياء، هل يدخل في إطار التناقض أن أقول إن الدستور الحالي، أعطى إمكانيات لرئيس الحكومة، كي تكون له إمكانيات كثيرة لكنه لا يستعملها، بالنظر إلى كون الدستور يعطي للملك صلاحيات تجعله فوق رئيس الحكومة في القرار.. هل تعتقد أن هذا تناقض..
- ألا تعتقد أن انتقاد الملكية بهذا الشكل يؤدي إلى إضعافها..؟
- أنا أتمنى أن تتفوق الملكية، وأن تكون أكثر ديمقراطية، وأن نصل إلى دستور يسود فيه الملك ولا يحكم، وأتمنى أن تمتلك الأحزاب جرأة وكفاءة وحرية لكي تقوم بهذا العمل.