بين السطور | إنهاء إعلام الإلهاء


كما هو معلوم، لم يعد ممكنا بالنسبة للكثيرين التخلي عن هاتفهم الذكي، حيث أصبح الواحد يمشي في الشارع وفمه “محلول” على شاشته.
قبل أن نعيش عصر الهواتف الذكية(…)، التي بدأنا نفهم من خلالها أننا أغبى من في القصة، كانت البلدان، خاصة العربية(…)، قد نجحت في تنفيذ استراتيجية إلهاء مواطنيها، مقرة سياسة “خاطِب العامة وكأنهم أطفال”، حيث تعاملت الحكومات مع الشعوب وكأنها قاصرة ولا تعرف ما يضرها وما ينفعها(…)، كي تبقى هي تفكر بدلاً منها، وتتخذ القرارات بدلاً منها، فهي الأدرى بمصلحتها..
مع قدوم الهواتف الذكية إذن(…)، كان لا بد من تحديث الطرق والأساليب(…)، حيث جاءت للوجود خطة: “إبقاء العامة في حالة الجهل والغباء”، خطة تعمق أولا الفجوة وبسرعة(…) بين الطبقة الراقية وما تبقى من الطبقات الدنيا التي يسهل السيطرة عليها بسلاحي الجهل والغباء(…)، لتسير في آخر المطاف ونفس أسلوب عيش الأنعام (كي لا أقول الأغنام)، بالأكل والنوم والسكوت، فهي عاجزة عن فهم كل ما يدور حولها.
إن آفة الجهل والغباء ليست فقط أخطر على الأمم والشعوب، بل حتى على الحكام أنفسهم، خطر كفيل بتدمير أي أمة على وجه الأرض..
لا يمكنني كصحفي مهني في خدمة وطني، وطرق خدمة الوطن عديدة ومتنوعة(…)، أن أتهم أي طرف من الأطراف بإلهاء إخواني المغاربة عن الأساسيات(…)، وإقبارهم في ضيق الفكر والتفكير(…)، لاهتمامهم بالتوافه من الأمور، كما لن أشير هنا إلى مشكل معين، ولا إلى قضية معينة، ولا أسماء معينة(…) ما دامت أطراف ومشاكل وقضايا ما أصبح يسمى في أيامنا هذه بـ”الطوندونس” و”الروتيني اليومي”، ويسميه العارفون بأمور بلدهم بـ”الخداع اليومي” للناس، صارت هي الأخرى عديدة ومتنوعة.. لكن لما أصبحنا نرى النقابات المهنية(…)، والمنتديات الديمقراطية(…)، تقف وقفة رجل واحد(…)، مع أناس وقف الآلاف من المواطنين ضدهم، ما يبقى إلا فهم، بعد فترة الزمن الذي ذُبحت فيه الصحافة على عتبة التناوب التقدمي، لتنتقل مع بداية الألفية الثالثة إلى مهنة تشبه مهنة بائع “الصوصيص” الذي ضُبط يذبح الكلاب والحمير ويطعم بها الناس(…)، ها نحن اليوم دخلنا فترة جديدة، تكون فيها حرية التعبير قد ابتعدت كل البعد عن أيام التنديد بقمعها، وأصبح مفهوم الانفتاح فيها مهددا أكثر من أي وقت مضى، لا يجد بها المتعطش للحقائق أي شفاء لغليله في أي منبر كان، لتبقى الشاشات والأبواق لا تخدم إلا من لا يهمهم وضع غير وضعهم.. فترة ستدفع بلا شك صانعها، بعد أن أصبحت الآلات أذكى من الإنس(..)، يوم ستصبح التقنية تصفي وتغربل ما يجب تصفيته وغربلته(…) بطريقة آلية دون تشاور ولا ضغوطات(…)، ولا حل آخر للبعض(…) غير “الرجوع لله”، والدعاء إليه، والتستر ربما بعد كل حدث وكل “حصلة”، وراء قراءة: ((وجعلنا من بين أيديهم سدّا ومن خلفهم سدّاً فأغشيناهم فهم لا يبصرون)) صدق الله العظيم.