بين السطور | كأس العالم.. الجهاد الأكبر


غالبا ما يتحدث الناس عن السبق الصحفي(..)، لكن السبق الإعلامي لم يكن له وجود مساء يوم الأربعاء الماضي، نظرا للسابقة الملكية الأولى من نوعها في العالم، حيث أن الملك محمد السادس هو الذي زف للشعب المغربي، ومعه الشعب الإسباني(…) والشعب البرتغالي، خبر فوز الملف الثلاثي بأحقية تنظيم مونديال 2030 بعد اعتماد هذا الملف كترشيح وحيد ومقبول بالإجماع لدى أعضاء “الفيفا”.
المؤسسة الملكية التي كانت وراء دعم ترشيح المغرب لاستضافة المونديال منذ سنة 1994، هي نفسها التي دعمت وأعلنت تحقق هذا الحلم سنة 2023 وكأن تنظيم كأس العالم كان وصية من الملك الراحل الحسن الثاني لابنه الملك محمد السادس(…)، فبعد 5 ترشيحات فاشلة، كانت السادسة ثابتة.
الزمن ليس هو الزمن، وكأس العالم لم يعد مجرد تظاهرة تجمع فرق كرة القدم العالمية، بل إنه أصبح مناسبة كبرى تصرف عليها الملايير.. والجديد هو هذا التزامن مع الأوبئة الفتاكة، والمجاعات والكوارث الطبيعية، وكأنه النجاح الذي يحدث في عز المأساة.. ففي عز كارثة الزلزال، كان نجاح المغرب في تحقيق حلم كأس العالم، ولولا الألطاف الإلهية لما كان هناك مجال للعب أصلا.
في زمن “طاح فيه البق” على فرنسا، وينتظر أن ينتشر بعدها في عدة بلدان أوروبية، تحقق حلم شمال إفريقيا باحتضان أكبر عرس كروي في العالم، مع ما يعنيه ذلك من تحديات أمنية كبيرة، حيث يجب على رجال الحموشي والمخابرات المدنية والعسكرية، والخارجية والداخلية.. الاستعداد من الآن لتفادي حصول أي حدث قد يعكر صفو التظاهرة(…)، والمثل يقول: “الويل لمن أشارت إليه الأصابع ولو بالخير”، فما بالنا بهذا الكم الهائل من الأعداء الذين يحيطون بالمملكة، ويتربصون بها، سواء في إفريقيا أو أوروبا..
ورغم أن المناسبة شرط، إلا أننا لن نتحدث عن تكلفة المونديال بالنسبة للمغرب طالما أن البرقية مفهومة(…)، لكن تنظيم تظاهرة بهذا الحجم يحتاج تأطيرا كبيرا للمواطنين، ووعيا أكبر من لدن المسؤولين، فمشكلة المغرب لن تحل بالتأكيد بمجرد احتضانه لمجموعة من مباريات كأس العالم(…).
المغرب الذي بات مطالبا ببناء ما تضرر جراء الزلزال، مطالب أيضا وفي نفس الظرفية، ببناء ملاعب كرة القدم، وتحسين بنياته التحتية لاستقبال ملايين السياح، وتوفير الخدمات لحشود الجماهير، والمدسوسين والحساد والمبتهجين، والسماسرة والفضوليين والجواسيس.. والعملية كلها يجب أن تتم بسلاسة كبيرة.. “لا عين شافت ولا قلب وجع”.
في عز البناء، وفي عز مواصلة معركة الجهاد الأكبر، وهي المعركة التي انطلقت بعد عودة الملك الراحل محمد الخامس من المنفى، سيظهر فيها الرجال، وستظهر فيها المرأة الحقيقية، وسيظهر الخونة(…)، وسينكشف القناع عن المتلاعبين، لكن كتابة التاريخ لن تتوقف عند الأخطاء الصغيرة إذا كان تحقق النجاح الكبير، مع شرط واحد وهو أن لا “نسبق الفرح بليلة”..