تحليل إخباري

تحليل إخباري | أخنوش تبرع بـ 60 مليار للحوز وبن كيران يسأله أين ذهبت 54 ألف مليار ؟

على هامش البلاغ الخطير لحزب العدالة والتنمية

إعداد: سعيد الريحاني

 

    لازال عبد الإله بن كيران، رئيس الحكومة السابق، يخلق الحدث أينما حل وارتحل، بل إن ظهوره يحجب الضوء على “كافة أعضاء حزب العدالة والتنمية”، وقد حدث ذلك فعلا الأسبوع الماضي، عندما استدعت “جهة دبلوماسية” عدة رموز من الحزب المذكور للمشاركة في مناسبة خاصة، ولكن بن كيران سرق الضوء من الجميع، بمن فيهم وزراء حاليون ورئيس الحكومة السابق سعد الدين العثماني، رغم مشيته المتثاقلة وعكازه الغير معهود(..).

تتمة المقال بعد الإعلان

ولأن بن كيران مختلف.. فقد كان من الطبيعي أن يكون له تفاعله الخاص مع كارثة زلزال الحوز، لدرجة أن جل الصحف التي صدرت يوم 26 شتنبر 2023 غطت البلاغ الصادر عن الأمانة العامة والموقع باسمه، ولم تخل التغطيات من كيل عدد من الاتهامات إلى بن كيران.

تقول “الأحداث المغربية” على سبيل المثال: ((بينما تنهمك كل مؤسسات البلاد في معالجة وتدبير أثار زلزال الحوز، من قوات مسلحة وأمن وطني ودرك ملكي وقوات مساعدة.. وبينما ينشغل المواطنون لحد الساعة في حمل المساعدات الإنسانية للمنكوبين عبر قوافل طويلة من الشاحنات والسيارات تقطع مئات الكيلومترات، وبينما ينهمك علماء الجيولوجيا في البحث والتنقيب عما يمكن أن يقودهم لتفسير ما حدث ليلة الثامن من شتنبر ودراسة صفائح الأرض.. فقد حسم “البيجيدي” وأمينه العام عبد الإله بن كيران، تفسيره للفاجعة معتبرا أن الذنوب السياسية هي التي حركت الأرض تحت أقدام المواطنين البسطاء من سكان ودواوير وجماعات الأقاليم الستة)) (المصدر: الأحداث المغربية/ 26 شتنبر 2023).

أما جريدة “الصباح”، فقد كتبت بشكل يوحي بضرورة زلزلة تنظيم العدالة والتنمية قائلة: ((وضع عبد الإله بن كيران، أمين عام “البيجيدي”، حزبه على خط زلزال تنظيمي جديد، بسبب تضمينه بلاغ الأمانة العامة فقرات تعتبر كارثة الحوز عقوبة إلهية، ليشتعل بعد ذلك سيل انتقادات من أعضاء في الحزب تنذر بنزيف استقالات بدأها عبد القادر اعمارة، الذي يمثل نموذج النخبة البراغماتية ويقدم نفسه عقلانيا يحاول بعث رسائل ضد التوجه الخرافي لبن كيران)) (المصدر: جريدة الصباح / عدد 26 شتنبر 2023).

تتمة المقال بعد الإعلان

الفقرات أعلاه، تعكس توجه جزء من الصحافة الوطنية لمهاجمة بن كيران على خلفية البلاغ الأخير لحزب العدالة والتنمية، فماذا يتضمن هذا البلاغ ؟

الجواب تحمله إحدى فقرات البلاغ الذي صدر عقب اجتماع الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية وجاء فيه: ((من واجبنا كحزب سياسي أن نعتبر وأن ندعو إلى الاعتبار مما وقع استحضارا لقوله سبحانه وتعالى “وَبَشِّرِ اِلصٰبِرِينَ الذِينَ إِذَآ أَصَٰبَتْهُم مُّصِيبَةٞ قَالُوٓاْ إِنَّا لِلهِ وَإِنَّآ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ”، والذي يردده المسلمون كلما حلت بهم مصيبة، وعلينا أن ننتبه إلى أن من معاني “الرجوع إلى الله” ما يفيد أننا مبتعدون عنه في أمور معينة، وعليه وجب أن نرجع إلى الله سبحانه وتعالى كي يضمد جراحنا ويعوضنا عن مصيبتنا خيرا، ولكن يجب أن نراجع كذلك كي نرجع إلى الله لأن كل شيء يصيب الإنسان فيه إنذار، والصواب هو أن نراجع كأمة ونتبين هل الذي وقع قد يكون كذلك بسبب ذنوبنا ومعاصينا ومخالفاتنا، ليس فقط بمعناها الفردي، ولكن بمعناها العام والسياسي، لأن السؤال المطروح ليس فقط عن المخالفات الفردية، وإنما عن الذنوب والمعاصي والمخالفات بالمعنى السياسي، وتلك الموجودة في الحياة السياسية عامة، والانتخابات والمسؤوليات والتدبير العمومي وغيرها…)) (المصدر: بلاغ حزب العدالة والتنمية/ 24 شتنبر 2023).

هكذا إذن، ربط بن كيران زلزال الحوز بـ”الذنوب والمعاصي والمخالفات بالمعنى السياسي وتلك الموجودة في الحياة السياسية عامة، والانتخابات والمسؤوليات والتدبير العمومي”، لكن هذه لم تكن هي الفقرة الخطيرة في البلاغ، بل إن استعمال بن كيران للأسلوب الشعبي في “قليان السم” لخصومه السياسيين، وصل إلى مستويات خطيرة.. ما معنى أن تقول الأمانة العامة لهذا الحزب في نفس البلاغ: “تساءل الأخ الأمين العام عما أثير في سياق هذا الزلزال حول صندوق تنمية المناطق القروية والجبلية، والذي رُصدت له ميزانية كبيرة تفوق 54 مليار درهم، وعن أثرها على واقع ساكنة هذه المناطق وبنيتها التحتية ومعيشها اليومي، مستحضرا بأسف ما وقع من نزاع بين وزيري الداخلية والفلاحة سنة 2016 (المقصود عزيز أخنوش)، حول الإشراف على هذا الصندوق، ومتسائلا عن الإنجازات الحقيقية لهذا الصندوق، مؤكدا أنها أسئلة مطروحة على الجميع، بما فيها على حزبنا، وتحتاج إلى التوضيح والبيان واستخلاص الدروس للمستقبل.

بن كيران إذن، يسأل أخنوش الذي تبرع – حسب ما أعلنت عنه الصحافة – بـ 60 مليار سنتيم لإعادة إعمار الحوز، عن مصير 54 مليار درهم (وليس سنتيم) خصصت في وقت سابق لتنمية المناطق القروية والجبلية، ولم يظهر لها أثر على مستوى عيش السكان، والواقع أن اتهاما خطيرا من هذا النوع يمكن أن يفرض تحركا عاجلا للقضاء، أو على الأقل تحرك الحكومة لتوضيح الأمور، خاصة وأن وزير الفلاحة السابق الذي تحدث عنه بن كيران هو نفسه رئيس الحكومة اليوم عزيز أخنوش، ولكن كثيرا من الأقلام والأفواه فضلت جر النقاش إلى مستوى الغيبيات.

في بلاغ حزب العدالة والتنمية، وبأسلوب “حشيان الهضرة”، يمكن قراءة رسالة أخرى، ملخصها الإشارة إلى محاربة بعض الجهات للعمل الخيري طيلة السنة(..)، تقول: ((علينا أن نستحضر ونستوعب سر هذه الروح المتجذرة في وجدان المغاربة، والذي يكمن في التنشئة الدينية والوطنية التي يتوارثها المغاربة أبا عن جد، والقائمة على التربية على أساس القرآن الكريم والسيرة النبوية الشريفة وحب الوطن، وكل ذلك من الخير الذي ترسخ في هذه الأمة، مما لا سبيل لتجاهله أو الاستغناء عنه كما يظن البعض أو يسعى إلى ذلك، كما شدد على أن هذه الهبة الشعبية أثبتت أيضا أن المغاربة الذين هبوا كجسد واحد، ومن كل حدب وصوب، لمؤازرة إخوانهم، أثبتوا أنهم كيان واحد وموحد، بعربهم وأمازيغييهم، ولا سبيل للتفرقة بينهم على أساس عرقي أو ما شابه ذلك، ودعا في هذا الصدد السلطات العمومية، إلى أخذ الدروس من هذه الهبة الشعبية، والعمل على صيانة وتعزيز هذه الثقافة التضامنية التي يتميز بها الشعب المغربي، بدل التضييق عليها أو الحد من فعالياتها، كما يحصل – للأسف – مع العديد من المبادرات الإحسانية طيلة السنة)).

ولا يقف بلاغ الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية عند هذا الحد، بل إن بن كيران استغل زلزال الحوز لمهاجمة خصومه السياسيين قائلا: ((إن الساحة السياسية الوطنية ابتليت ببعض الأحزاب التي لا تتنافس – إلا من رحم ربك – في خدمة المواطن والمصلحة العامة بقدر ما تتنافس على جلب المناصب والمصالح الذاتية ولذوي القربى، حتى ترسخ في ذهن المواطن أن الدولة تسعى من جهتها إلى القيام بما يجب، لكن في المقابل، تظل المؤسسات الأخرى من حكومة ومجلس النواب ومجلس المستشارين والجماعات الترابية، وغيرها، غائبة وعاجزة عن القيام بواجبها، وذلك لكونها مؤثثة على العموم بكائنات لا تمثل الإرادة الشعبية، ولا علاقة لها بالعمل السياسي النبيل والمسؤول، وعاجزة كليا عن التواصل المباشر والمسؤول مع المواطنين، معتبرا أن مثل هذه الممارسات لا تليق بنا كأمة عريقة، وكشعب مغربي ما فتئ يعطي الدروس للعالم في أفراحه وأتراحه، فضلا عن كونها تعطل التنمية وتعمق الفوارق المجالية والاجتماعية)) (المصدر: بلاغ العدالة والتنمية).

تكمن خطورة بلاغ الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية ليس فقط في جانب “الذنوب السياسية”، بل في كونه يحمل بوادر خلاف مجتمعي عميق مع بعض المكونات السياسية قد يزداد تعمقا مع الوقت، فالحكومة بالنسبة لبن كيران “منشغلة في تضييع الوقت على محاولات ترميم الشقوق التي أصبحت بادية للعيان في التحالف الحكومي”، بل إن بن كيران يرى أن ((التعبئة الشعبية ينبغي أن ننتبه ونتعظ بما تحمله من دلالات ودروس وعبر عميقة تتمثل في الطاقات الكامنة والرصيد الإيماني والقيمي والأخلاقي والوطني المتميز للشعب المغربي المسلم، هذا الرصيد المنبعث أصلا وأساسا من وحدة الشعب المغربي المسلم وتشبثه والتزامه بالهوية المغربية التي تتميز بتبوؤ الدين الإسلامي مكانة الصدارة فيها، وبالثوابت الوطنية الراسخة الجامعة للأمة المغربية والمتمثلة في الدين الإسلامي والوحدة الوطنية والترابية والملكية الدستورية وإمارة المؤمنين والاختيار الديمقراطي، هذه التعبئة الشعبية التي بقدر ما عكست بشكل جلي فشل محاولات ورهانات البعض على سلخه عن هويته والمس بوحدته، وجب التنبيه إلى ضرورة رعايتها والحفاظ عليها والعض عليها بالنواجد ومواجهة بعض الدعوات النشاز التي تطلع علينا بين الفينة والأخرى في محاولات فاشلة للنيل من هذا الرصيد ومن هذه الهوية والثوابت)).

لا شك أن الفقرة الأخيرة موجهة إلى حزب الأصالة والمعاصرة ولأمينه العام عبد اللطيف وهبي، والمجموعة المعروفة من نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي، وغير الاجتماعي، ولكن التفاعل مع كلام بن كيران غلب عليه تضخيم موضوع “العقاب الإلهي”، والحقيقة أنه فتح نقاشا خطيرا حول الصناديق التي يتم إحداثها في كل مناسبة دون أن يكون لها أثر رغم تكلفتها التي تقدر بالملايير.

الواقع، أننا أمام إحياء الصراع حول تدبير صناديق ذات مدخرات مالية عمومية كبرى.. فقد ((أثارت فاجعة الحوز عددا من التساؤلات المتعلقة بالاهتمام بالمناطق القروية، من قبيل سد الفراغ التشريعي المتعلق بتنمية العالم القروي وإرساء سياسات عمومية خاصة بهذه المناطق، بالإضافة إلى مآل مدخرات صندوق الكوارث الذي أقرته حكومة بن كيران، وأيضا أثر صندوق التنمية القروية والمناطق الجبلية على واقع هذه المناطق.. أجاب عزيز أخنوش، يوم 18 يونيو 2019 بمجلس المستشارين، عن سؤال شفوي في إطار تقييم أداء صندوق التنمية القروية والمناطق الجبلية، تقدم به الفريق الحركي، حيث اعتبر في معرض جوابه، أن الصندوق عرف إصلاحات هيكلية هامة، تجلت أبرزها في تحويل الأمر بالصرف إلى وزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات ابتداء من سنة 2016، وكلنا طبعا نعرف تفاصيل قصة هذا التحويل، التي دُبّرت بليل بين أخنوش وزير الفلاحة وزميله وزير المالية محمد بوسعيد آنذاك.
وفي هذا الصدد، كشف أحمد صدقي، عضو سابق بالفريق النيابي للعدالة والتنمية، أنه يتذكر جيدا واقعة الرغبة في الاستحواذ على موقع تدبير هذه المؤسسة، الذي كان هدفا وأولوية للبعض والتعامل معه كصندوق بمخصصات مالية كبيرة، وليس كأداة لتنزيل استراتيجية فعلية للنهوض بهذه المجالات التي تعرف خصاصا تنمويا كبيرا يتفاقم بمرور الوقت مع الأسف)) (المصدر: موقع حزب العدالة والتنمية).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى