تحليل إخباري | انطلاق موسم حرب المياه بين نزار البركة وعزيز أخنوش
هل هي مؤشرات الخروج من الحكومة ؟

مثل أي موقع إخباري أو صحيفة.. لم يظهر لوزير التجهيز والماء، نزار البركة، أي أثر في تدشين أحد أضخم المشاريع الحكومية، وهو مشروع الربط المائي بين حوض سبو وحوض أبي رقراق، بعدما اكتفت وزارته بنشر بلاغ عام، أهم ما جاء فيه أن “الوزارة هي صاحبة المشروع”، وأن “المبادرة تأتي انسجاما مع التوجيهات الملكية السامية الواردة في الخطاب الملكي ليوم 14 أكتوبر 2022، بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الثانية من الولاية التشريعية الحادية عشر حول الربط المائي البيني للأحواض المائية”.
إعداد: سعيد الريحاني
لنفترض أن البلاغ الصادر عن وزارة نزار البركة صدر في سياق عادي، رغم الإشارات السياسية التي تضمنها، إذن، لماذا لم يقم هذا الوزير (البركة) بتدشين مشروعه(..)؟ ولماذا اكتفى بهذا البلاغ؟ والأهم من هذا كله، لماذا تكلف رئيس الحكومة عزيز أخنوش شخصيا بتفقد هذا المشروع؟ وهو نفسه الذي أملى، يوما واحدا قبل صدور البلاغ سالف الذكر، على الصحافة ما تكتبه، حيث قال: ((هذا ورش لم ينته بعد، فنحن في بداية المسار.. الماء وصل بالفعل، لكن الصبيب مازال لم يصل إلى المستوى المطلوب، مشددا على أن الورش لا زال في حاجة إلى إنجاز عدد من المضخات الأخرى التي ستساعد على بلوغ الهدف المحدد في مليون متر مكعب في اليوم، ستحول من حوض سبو إلى حوض أبي رقراق، الذي ما زلنا بعيدين عنه، وأفاد رئيس الحكومة، بأن العمل سيتواصل خلال شهري شتنبر وأكتوبر من أجل تحقيق تحويل مليون متر مكعب في اليوم، مؤكدا على أهمية الرؤية الملكية في تنزيل المشاريع، منوها بالجدية التي لمسها في عمل “مقاولات وطنية تساهم في التنمية ببلادنا”)) (المصدر: موقع هسبريس/ 29 غشت 2023).
بالنسبة لوزارة نزار البركة، وحسب بلاغها الذي لا قيمة له من الناحية العملية طالما أن رئيس الحكومة تكلف بكل شيء.. فقد ((بادرت وزارة التجهيز والماء، بصفتها صاحبة المشروع، بتنسيق مع كافة القطاعات الوزارية، خلال شهر دجنبر 2022، إلى إعطاء انطلاقة أشغال إنجاز الشطر الاستعجالي لمشروع ربط حوض سبو انطلاقا من سد المنع بحوض أبي رقراق على مستوى سد سيدي محمد بن عبد الله.. ويهدف هذا المشروع الضخم إلى تحويل فائض مياه حوض سبو التي كانت تضيع في المحيط الأطلسي إلى حوض أبي رقراق، من أجل تأمين تزويد محور الرباط – الدار البيضاء بالماء الشروب لساكنة تقدر بحوالي 12 مليون نسمة، وكذا تخفيف الضغط على سد المسيرة.. ويتكون هذا المشروع الذي تقدر كلفته الإجمالية بحوالي 6 ملايير درهم من:
– منشأة لأخذ الماء على مستوى سد المنع على واد سبو؛
– 67 كلم من القنوات الفولاذية بقطر 3200 ملم؛
– محطتين للضخ بصبيب 15 متر مكعب في الثانية؛
– حوض لإيصال الماء لحقينة سد سيدي محمد بن عبد الله.
وقد تطلب إنجاز هذا المشروع ما يناهز تسعة أشهر، حيث تم الشروع في تشغيله تدريجيا ابتداء من يوم 24 غشت 2023، لإجراء التجارب اللازمة على المعدات وتحويل المياه بصبيب أولي لا يتعدى 3 متر مكعب في الثانية، وسيتم في غضون الأسابيع القادمة، الزيادة تدريجيا في صبيب المياه ليصل إلى 15 متر مكعب في الثانية، مما سيمكن من تحويل حجم سنوي من فائض مياه حوض سبو يتراوح بين 350 و400 مليون متر مكعب.
وتجدر الإشارة إلى أنه تم إنجاز هذا المشروع بكفاءة وخبرة وطنية من مجموعة من المقاولات (SGTM، SOMAGEC ،STAM-SNCE) ومكتب دراسات (CID) والمختبر العمومي (LPEE)، كما تم تكليف المكتب الجهوي للاستثمار الفلاحي للغرب بتتبع الأشغال)) (المصدر: بلاغ وزارة التجهيز والماء).

هكذا إذن، اكتفت وزارة التجهيز والماء التي يوجد على رأسها الوزير الاستقلالي نزار البركة، بشرح المشروع دون تدشينه أو الاقتراب منه، والأدهى من هذا كله، فإن مصادر “الأسبوع” تؤكد أن الأمر لا يخرج عن “مزيد من التهميش الحكومي لنزار البركة” في زمن المفاوضات حول التعديل الحكومي، فمن الناحية العملية، شرعت وزارة الفلاحة التي يوجد على رأسها الوزير محمد صديقي، القريب جدا من أخنوش باعتباره الكاتب العام الذي رافقه طيلة مشروع “المخطط الأخضر” و”المخطط الأزرق”(..)، في رسم معالم هيكلة جديدة تهدف إلى خلق “إدارة خاصة” بتدبير المياه، سترى النور مستقبلا، ما يعني عمليا إبعاد الأمين العام لحزب الاستقلال عن تدبير “الثروة” المائية، وقد يتطور الأمر إلى فصل وزارة التجهيز عن قطاع الماء خلال التعديل الحكومي المرتقب، وأكثر من ذلك، قد يجد نزار البركة نفسه خارج الحكومة، رفقة وزراء آخرين تم تهميشهم في الفترة الأخيرة تمهيدا لإقالتهم.
والذين يعرفون رئيس الحكومة عزيز أخنوش، يعرفون جيدا طريقة تصريفه للأمور.. فهو الذي مهد الطريق لإبعاد الوزير السابق لحسن عبيابة، الناطق الرسمي السابق باسم الحكومة، عندما رصد عنه بعض ما يعتبره “زلات في النطق” باسم الحكومة، والواقع أن العلاقة بين الرجلين لم تكن جيدة طيلة التجربة الحكومية للوزير الذي أراد أن يصبح أمينا عاما (الاتحاد الدستوري)، وأخنوش وأتباعه هم أنفسهم الذين مهدوا الطريق لإلغاء المندوبية السامية للمياه والغابات، بل تم إرسال المندوب عبد العظيم الحافي إلى بيته بعد أن سلم المفاتيح للوزير السابق حمو أوحلي، لولا أن الجهات العليا تدخلت للحفاظ على استقلالية المندوبية، ورغم ذلك، استعان “المعنيون بالأمر” بخبراء في القانون لتهميش المندوبية عبر إطلاق الاستراتيجية الجديدة “غابات المغرب 2020-2030″، ومن خلالها، تم الرفع من صلاحيات المدراء المركزيين لقطاع المياه والغابات.
وليس غريبا إذن، على رئيس الحكومة أخنوش، الذي “منع” يونس السكوري، وزير الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والتشغيل، من تدشين برنامج “فرصة”، رغم أن التشغيل من اختصاصه، مقابل منحه للوزيرة نادية فتاح العلوي، التي ليس لها أي مستقبل سياسي، (ليس غريبا) أن يكون في مواجهة جديدة مع نزار البركة، بعد أن ضمن لنفسه استمرار الحكومة بخلاف ما كان عليه الأمر أيام تشكيل الأغلبية..
عزلة نزار البركة كرستها الأيام الأخيرة بحيث لم يظهر له أثر في الحوز، كما لم يظهر له أثر في جلسات العمل التي خصصها الملك محمد السادس لإطلاق حزمة إجراءات لإنقاذ الحوز وباقي المناطق المنكوبة، وكان يتم الاكتفاء بحضور رئيس الحكومة عزيز أخنوش، والمستشار فؤاد عالي الهمة، ووزير الداخلية عبد الوافي لفتيت، ووزير الأوقاف والشؤون الإسلامية أحمد التوفيق، ووزيرة الاقتصاد والمالية نادية فتاح العلوي، وفاطمة الزهراء المنصوري وزيرة إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة، والوزير المنتدب لدى وزيرة الاقتصاد والمالية المكلف بالميزانية فوزي لقجع، والفريق أول محمد بريظ المفتش العام للقوات المسلحة الملكية وقائد المنطقة الجنوبية.
ولا يقف الأمر عند هذا الحد، بل إن حرب المياه المقبلة داخل الحكومة ستكون حول محطات تحلية المياه، علما أن أخنوش يوجد في قلب هذه المعركة منذ مدة، حيث أن شركاته وتحالفاته لم تترك أي طلب عروض دون أن تدخل فيه، وآخر المعارك كانت حول محطة تحلية المياه في الداخلة، وأخيرا في الدار البيضاء، وستتم العودة لهذا الموضوع فيما بعد(..).
حروب المياه قد يكون ضحيتها وزير التجهيز والماء نزار البركة، الذي بات من المفقودين في زلزال الحوز حتى أن الصحافة كتبت عنه ساخرة: ((بعض الوزراء المعنيين بأثار الزلزال لم يظهر لهم أثر، أبرزهم نزار البركة وزير الماء، وهو ما جعل “إخوته” في حزب الاستقلال يتساءلون عن سر هذا الغياب، وما إذا كان قد توصل بتعليمات “تمنعه” من زيارة الأقاليم التي ضربها الزلزال، للوقوف بنفسه على حالة الطرق والمسالك التي تضررت.
وفي انتظار أن يظهر الوزراء “المختفون” ويحذون حذو الوزيرة المنصوري، فإن عمدة مراكش أكدت في تصريحات متفرقة، أثناء زيارتها إلى الجماعات المتضررة، أنه “لا يمكن تغيير ثقافة الجبل”، وأن “المشاورات جارية مع المتضررين”)) (المصدر: جريدة “الصباح”/ عدد 19 شتنبر 2023).
من حرب المياه إلى عدم القدرة على عقد مؤتمر حزب الاستقلال، والعجز عن فرض شروط لاختيار وزراء الحزب، وتركه وحيدا من طرف صقور الحزب، داخل مجلس النواب ومجلس المستشارين، سيكون نزار البركة قد خطى خطوات كبيرة نحو إنهاء مستقبله السياسي رغم أن تجربته “التكنوقراطية” تخول له لعب أدوار أخرى في المستقبل(..).