بين السطور | درس الحوز..


في الثواني الأولى بعدما زُلزِلت الأرض زلزالها.. بدأت الأسر تخرج من بيوتها على استيحاء(…) حتى قبل أن تتساءل في حيرة ما إذا كان الأمر يتعلق بهزة أرضية، أم بدوار (الدوخة)(…)، وبمجرد ما تيقن الجميع من أنه زلزال حقيقي، خرجوا إلى شوارع وأزقة المدن، وقضوا الليلة أمام منازلهم، وداخل سياراتهم، فمنهم من افترش الأرض ومنهم من تلحف السماء، إلا أن الأمر لم يقتصر على سكان مدن وسط وغرب المغرب “اللّي حسّات”، كمراكش وإفران وسيدي سليمان والرباط والدار البيضاء وتمارة وسيدي قاسم والمحمدية، والذين قليل منهم من يتذكر حدوث زلزال بمنطقتهم، وإنما عملية “الهروب الكبير” من البيوت شملت حتى بعض القاطنين في المدن “اللّي ما حسّات”، كالحسيمة ونواحيها بشمال المغرب، التي يمتلك سكانها ما بدأنا نسمع عنه بـ”الثقافة الزلزالية”.. نظرا لتواجد منطقتهم بحزام زلزالي نشيط ومعاناتهم من زلازل قاسية أخطرها زلزال الحسيمة عام 2004، الذي خلف أزيد من 600 قتيل وإصابة المئات وتشريد الآلاف..
وبالعودة إلى هذه الليلة السوداء للثامن من شتنبر، وبينما استمرت أمواج الراديو لدقائق في بث الموسيقى الصاخبة، واستمرت لوقت وجيز(…) جلسات الناشطين بالحانات البعيدة عن الحوز(…)، بمعنى “حوز المغرب” الحقيقي.. حيث كان الزلزال بصدد تكسير الحجارة، التي جعلت الأجساد تقاوم والأنفاس تختنق تحت الركام، ما جعل من نفس الحجارة، بعد أن أرسلت آلاف الأرواح إلى جوار ربها، كسرت قلوب أمة بكاملها.. “اللّي حس بالزنزان”، و”اللّي ما حسش بيه”.
إلا أن الأيام التي أعقبت الفاجعة، جعلتنا نلاحظ إسهام المجتمع برمته في العمل على التغلب على الكارثة التي أصابت البلاد، والعمل الجماعي على محو أثارها لكي تعود الحياة إلى سابق عهدها في أقرب وقت ممكن(…)، وجعلت “البرّاني” الذي نحتاج لدعمه، كما الذي لا نحتاجه(…)، يرى في المغاربة كأفراد جسما واحدا كبنيان مرصوص إذا أصيب منه عضو تداعت له سائر الأعضاء بالسهر والحمى.
ليبقى من بين أحزن ما سمعته في هذا السياق، بعد أن خلف الزلزال ضررا كبيرا في المؤسسات التعليمية بإقليم الحوز، خصوصا بجماعات إغيل مركز الهزة، وثلاث نيعقوب، حيث طالت الانهيارات الأقسام الدراسية، وبينما ظهر أحد المسؤولين يطمئن الناس بأن المدارس سيتم إعادة بنائها في أقرب الآجال، رد عليه أحد السكان بالقول: لِمَ إعادة بناء المدرسة هنا، من سيدخلها؟ فكل أطفال هذا الدوار الذين في سن التمدرس، قد ماتوا..
ليبقى الدرس للمستقبل هنا أشد من الدرس الموجه للحاضر، كي يشكل هذا الزلزال المأساوي بداية لبناء حقيقي(…)، وقطعا تاما مع كل أساليب الغش والاستهتار عملا بالمقولة المغربية: “احفظ لي ساسي وغطي لي راسي، وخليني مع الأيام نقاسي”، حتى لا تنهار الأسقف على رؤوس أجيال المستقبل أمام أعين العالم من جديد..