المنبر الحر | ما هو موقع المغرب من أزمة النيجر ؟

بقلم: محسن زردان
“إفريقيا أرض الانقلابات العسكرية”.. تبدو الصورة مألوفة أن يجد زعيم سلطة إفريقي نفسه خارج دواليب السلطة نتيجة الإطاحة به من طرف شلة من العسكر، أملا منهم في وداع الاستبداد، والقطيعة مع الفساد والعمالة للخارج، إذ سرعان ما يرتدي أحد العساكر زيا مدنيا ويتقدم للانتخابات ويفوز بالرئاسيات ويحمل على الأكتاف كضامن للديمقراطية ومدافع عن السلم والسلام الدوليين، في انتظار انقلاب آخر يزيحه من السلطة.
هذه المرة، سفينة الانقلاب رست على دولة النيجر، الغير بعيدة عن المملكة المغربية والمحاذية لجارتها الجزائر، التي أبدت تخوفا وقلقا من توتر الأوضاع بهذا البلد وتداعياته السياسية والاجتماعية والاقتصادية والإنسانية على المنطقة.
فالانقلاب في النيجر يمكن أن يحدث تحولا في خريطة التحالفات في القارة، خصوصا بعد تضرر مصالح التواجد الفرنسي بالمنطقة، الذي وجد نفسه حليفا غير مرغوب فيه، مما جعل الفرصة مواتية لروسيا والصين لإمكانية الانقضاض على الوضع من أجل إرساء قدميهما بهذا البلد.
كما يمكن أن يشكل هذا الانقلاب العسكري فرصة مناسبة للمغرب لوضع تكتيكات جديدة تخدم مصالحه الاستراتيجية، من جهة، فهو في حاجة لربح تحالفات جديدة على حساب الجزائر التي تعرف علاقاتها مع المغرب توترا مستمرا ارتفعت وتيرته في السنوات الأخيرة، ومن جهة أخرى، فإن فتح جبهة صراع على الحدود الجنوبية للجزائر يمكن أن يشغلها بعض الشيء عن الدعم المطلق لجبهة البوليساريو، وتصويب جهودها نحو حل ملفات أخرى، عوض تركيز جل إمكانياتها لمعاكسة الوحدة الترابية للمغرب.
ثم إن هناك قناعة متزايدة بأن سياسة المغرب تجاه الجزائر – منذ سنوات – والمرتكزة على مبدأ احترام حسن الجوار وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، لم تثن الجزائر عن تغيير مواقفها تجاه الوحدة الترابية للمغرب، بل زاد من تعنتها ودعمها الصريح والمطلق لجبهة البوليساريو ضدا على الوحدة الترابية للمملكة، كما أن سياسة المداهنة والاكتفاء بموقع دفاعي للمغرب تجاه الجزائر، لم يجلب للمغرب إلا إطالة أمد الصراع على وحدته الترابية منذ عقود وتضييع فرص الاندماج المغاربي بالمنطقة.
على ضوء ذلك، يبقى السؤال معلقا: هل تستمر المملكة في تبني نفس النهج الدفاعي الذي أثبت محدوديته، أم ستغير من استراتيجيتها صوب نهج هجومي قد يؤدي إلى تليين موقف الجزائر والكف عن دعم الكيان الانفصالي ؟
المؤشرات الأخيرة التي عرفها ملف الصحراء المغربية، بتأييد دول جد مؤثرة في الساحة الدولية لمقترح الحكم الذاتي تبدأ بالولايات المتحدة الأمريكية مرورا بإسبانيا وهولندا وصولا إلى ألمانيا، أعطى للمغرب ثقة أكبر وهامشا للتحرك قصد ربح أوراق للضغط في مواجهة الجزائر.
إذا كانت لغة المغرب الدبلوماسية تغيرت، وأضحت تستند إلى لغة المصالح الحيوية بفتح أذرعها لمن يناصر قضاياها، والوقوف ندا للند لمن يعاكس ثوابتها الوطنية، فإن هذا الموقف يجب أن يتجسد في تحركاتها والمبادرة لوضع قدم في دولة النيجر، كما تفعل القوى الكبرى التي تتصارع لربح مكاسب استراتيجية بالمنطقة.
على المستوى الاستراتيجي، المغرب في صالحه سيناريو تدخل عسكري بالنيجر، سواء من طرف المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا، أو أطراف خارجية أخرى، لأن ذلك سيحدث أزمة صراع بين قوى متصارعة لها أجندات خارجية، خصوصا وأن تجليات انقسام داخلي تطفو على السطح بوجود جيوب مقاومة من أجل إرجاع الرئيس المطاح به ضدا على تطلعات العسكر، ومن هذا الباب ستظهر قوى تعاكس توجهات العسكر بالجزائر، وحينذاك ستثار وتطرح على الطاولة الخلافات الحدودية التي خلفها الاستعمار الفرنسي، الذي اقتطع مناطق عديدة لمجموعة من دول المنطقة وضمها للجزائر حديثة النشأة.
قد يبدو الأمر مغامرة من طرف المغرب بإمكانية تدخله في أزمة النيجر، لكن منطق السياسة الدولية يقول بأن تحقيق المكاسب الاستراتيجية لا بد له من هامش للمغامرة عوض الانكفاء على الذات والتفرج على الأحداث والنأي بالنفس عن التدخل في الصراعات، سعيا للحياد الذي في كثير من الأحيان هو في حكم المعادلة الخاسرة.