بين السطور | الدور المغربي في “الربيع الإفريقي”


المستقبل يوجد في إفريقيا، رغم أن هذا المستقبل محفوف بالمخاطر والانقلابات(..)، ففي بعض الدول يمكن أن يسافر الرئيس ولا يرجع، وفي دول أخرى قد يتغذى مع الحكومة، وعند العشاء يجد نفسه محتجزا داخل “الصالة” من طرف الجيش(..)، ورغم كل ذلك، فالمستقبل يوجد في إفريقيا..
منذ عام 2020، شهدت إفريقيا 8 انقلابات بين غربها ووسطها، لكن القاسم المشترك بين الجميع هو تنامي موجة العداء ضد التواجد الفرنسي في القارة السمراء، وقد تأكد ذلك عمليا منذ الإطاحة بالرئيس محمد بازوم في 26 يوليوز 2023، وما تلاه من تهديدات بالتدخل العسكري وتشبث للانقلابيين بضرورة خروج ممثلي فرنسا من البلاد، مهما كان الثمن.. فخسارة النيجر لن تكون كبيرة في جميع الأحوال إذا أخذنا بعين الاعتبار أن هذا البلد الإفريقي هو الذي يوفر 35 في المائة من الاحتياجات الفرنسية لليورانيوم على مدى سنوات، وهو نفسه البلد الذي يقف وراء توفير المواد الخام لتشغيل 70 في المائة من محطات الكهرباء الفرنسية، فماذا تستفيد النيجر، غير الاستنزاف(..)؟
“فرنسا ارحلي”.. هذا هو الشعار المرفوع في “ربيع إفريقيا” رغم أن زعماء المشهد هذه المرة ليسوا سياسيين بالضرورة، بل معظمهم يرتدي اللباس العسكري، ولكن ذلك لم يؤد إلى الاصطدام مع الشعب في كثير من الحالات، لأن المواطنين يعرفون مسبقا أن “فرنسا هي صانعة الطغاة”..
ولا يمكن النظر إلى إفريقيا دون ربط ذلك بما يحصل على مستوى العالم، من صراع بين القوى العظمى، بين الغرب وروسيا والصين من جهة أخرى، حتى أن بلدا جميلا مثل أوكرانيا، وجد نفسه مدهوسا تحت الأقدام، لأنه حشر نفسه في صراع الجبابرة، بين روسيا وقوات “الناتو”.. ولم تكن الحرب لتقف عند أوكرانيا، بل إنها انتقلت إلى إفريقيا، بدليل أن قوات “فاغنر” التي تم نقلها باستعمال آخر أساليب المخابرات، باتت توجد اليوم في عمق القارة، بعد أن لعبت دورا حاسما ضد أوكرانيا.
ما علاقة “فاغنر” بإفريقيا؟ ولماذا كل هذا الانفتاح الروسي على إفريقيا إذا لم يكن الغرض اجتثاث فرنسا من جذورها؟ وقد تسبب احتماء الأفارقة بروسيا في ظهور زعماء يجاهرون بالعداء تجاه “ماما فرنسا”، ومنهم رئيس بوركينا فاسو إبراهيم تراوري، الشاب الذي ولد سنة 1988، وهو الذي طرد فرنسا من بلاده وخطب انطلاقا من روسيا قائلا: “يجب على قادة الدول الإفريقية ألا يتصرفوا كدمية في أيدي الإمبرياليين والمستعمرين، وأقول لهؤلاء القادة: علينا أن نضمن الاكتفاء الذاتي لشعوبنا، مثل أن نعالج مشكلة النقص في الغذاء، وهذه الأولوية لنا، وعلينا أن نحترم شعوبنا التي تناضل ضد الاستعمارية”، وقد تسبب هذا الخطاب في استقباله من طرف الشعب بجماهير حاشدة، راجت صوره في مختلف مواقع التواصل الاجتماعي.
هذه هي إفريقيا.. شعوب تحكم بمشاعرها وقلوبها قبل عقولها(..)، ولكن الثورة ضد الهيمنة الغربية كانت لها مؤشرات قبل هذه الانقلابات، ولهذا لا غرابة أن تصدر عن فرنسا تصرفات مسيئة للمغرب، فضلا عن التلكؤ في دعم القضية الوطنية.. يعرف قراءنا حق المعرفة أننا نادرا ما نميل لطرف على حساب الآخر(…)، وأننا نحلل الأحداث أكثر مما نتغزل في الناس أو نطيح(…)، وبذلك يمكن القول هنا أليس الملك محمد السادس هو الذي لطالما خطب في الأفارقة مطالبا بإنهاء عهود الاستعمار؟ أليس هو الذي لا يختلف حوله اثنان في إفريقيا سواء كانوا في الحكم أو المعارضة؟
إن ما يحدث، يعطي الأفضلية للمغرب في إمكانية لعب دور في المستقبل، فما يحدث اليوم من انتفاضة تهدف إلى التحرر الاقتصادي لإفريقيا، ينسجم تماما مع الرؤية الملكية، أليس هو من خاطب الأفارقة ذات يوم قائلا: ((إننا بصدد بناء إفريقيا الغد، التي سيرثها أبناؤنا من بعدنا. ونحن إذ نقيم صرحها على أسس اقتصادية متينة، فإنما نسعى بذلك إلى أن تعود خيراتها بالنفع العميم على الشعوب الإفريقية بالدرجة الأولى.. وإذا كنا قد قطعنا أشواطا مهمة في بناء إفريقيا المستقبل وتأهيلها لتتولى زمام أمورها، فإننا مطالبون أيضا بقطع أشواط أخرى على نفس الدرب حتى لا تظل تنميتنا الاقتصادية رهينة أهواء وإرادات خارجية)).. أليس هذا واحدا من خطابات التحرر التي سبقت زمنها بسنوات ؟