المنبر الحر | السوريالية ومشاركة الأميين في الحياة السياسية
بقلم: زهير أهل الحسين
السوريالية هي حركة فنية ظهرت في أوروبا كرد فعل على الأوضاع السيئة التي خلفتها الحرب العالمية الأولى والحرب العالمية الثانية من خسائر بشرية وأمراض نفسية وعقلية لدى المجتمع الأوروبي، وتعتمد السوريالية على اللاعقل واللامنطق والفوضى والارتجالية.
فالسوريالية هي أن أقول لك مثلا بأن السلحفاة أسرع من الأرنب، وأن لون البرتقالة يشبه لون البحر، وأن الإدمان على المخدرات أفضل من ممارسة الرياضة، ولو قلت هذا الكلام لشخص سوي فسيجيبك: “واش كضحك علي”، لكن لمن يتبنى المدرسة السوريالية، العكس هو الصحيح، بل هو عين العقل.
وأحد مظاهر السوريالية السياسية بالمغرب، هي مشاركة الأميين في الاستحقاقات السياسية الكبرى، لا سيما مراجعة الدستور الأخيرة، حيث يسمح لهم بالمشاركة على قدم المساواة مع أساتذة القانون الدستوري، ولو صادفت في طريقك أميا إلى مكتب التصويت، فإنك تتساءل في قرارة نفسك: “يا إلهي: كيف يعقل أن يشارك أمي في حدث سياسي كهذا؟ أليس هذا نوعا من العبث السياسي؟ وماذا يعرف عن الدستور والقوانين التنظيمية؟ وهل هو دستور ديمقراطي، أم دستور ممنوح؟ وهل هناك توازن بين المؤسسات السياسية؟ وماذا يعرف هذا الأمي عن قانون “توكفيل”؟ وهل مراجعة دستور 1996 هي رد فعل سياسي على ما وقع في تونس وليبيا وسوريا ومصر، أم له علاقة بتطور النسق السياسي المغربي، وغيرها من الإشكالات التي تشكل مادة علمية جيدة لدى الباحثين في القانون الدستوري وعلم السياسة؟
وبما أن نسبة الأمية جد مرتفعة بالمغرب، فهذا ينعكس إيجابا على نسبة “نعم”، لهذا نجد أن نسبة التصويت بـ”نعم” مرتفعة مقارنة بـ”لا”، وفي علم الاجتماع السياسي: كل مجتمع سياسي تجد فيه نسبة “نعم” مرتفعة جدا مقارنة مع “لا”، يعني أن هناك خللا سياسيا ناتجا عن معطيات غير سياسية أو معطيات سياسوية لا علاقة لها بالسياسة تتحكم في صورتها الخارجية، وهذا ما يعرف بديمقراطية الواجهة.
وفي نفس السياق السوريالي السياسي، مستحضرين ما أشار إليه ماكس فيبر في كتابه “Le Savant et le Politique” حول أشكال ممارسة السياسة، فالأميون يمارسون السياسة بشكل مناسباتي، أي على مدار 5 سنوات عندما يتعلق الأمر بالانتخابات التشريعية، وعلى مدار عدة سنوات عندما يتعلق الأمر بمراجعة الدستور، لكن يؤثرون زمانيا ومكانيا في صبغ مشروعية سياسية على حدث سياسي ويحجبون الرؤية على من يمتلكون ثفافة سياسية.
والبحث في أركيولوجيا السوريالية السياسية يقودنا إلى الحاكم اليوناني، الذي وضع مبادئ الديمقراطية، لا سيما مبدأ المساواة، حيث كان يسمح للدهماء بالمشاركة في العملية السياسة، لكن وقع تمييع في المشاركة السياسية، وهذا ما تعرض له سقراط بالنقد والتحليل، والذي يعتبر السياسة علما وفنا كباقي العلوم مثل الطب والنحت وعلم الفلك، ولا يمكن أن يمارسها إلا أهل الاختصاص، سواء كان محكوما أو حاكما من أجل التسيير الجيد للمدينة-الدولة.
بناء على هذه الحلقات المفقودة في الممارسة السياسية عامة والمشاركة الديمقراطية خاصة، أصبح للسوريالية السياسية منذ الديمقراطية اللاتينية، وجود سياسي قائم في الزمكان، لكن بقدر ما هي في صالح السياسة في شقها الشعبوي والديماغوجي، بقدر ما تحجب الرؤية عن العقلانية السياسية التي يفترض أن يمارس السياسة من له دراية بها، لذلك أقول دائما، أن أحد مفاتيح الإصلاح السياسي في المغرب هي عدم مشاركة الأميين في الحياة السياسية، لأنهم قاصرين سياسيا، وككل قاصر بالمعنى القانوني، يجب وضعه تحت الوصاية، لكن الفرق بين المعطى القانوني والمعطى السياسي هو أن الأميين هم قاصرين مدى الحياة، في حين أن القاصر بالمفهوم القانوني ترفع عنه الوصاية بعد بلوغ سن 18 سنة.
عصارة القول: طالما أن الأميين يشاركون في العملية السياسية، سيظل المشهد السياسي بالمغرب سورياليا مغرقا في التناقض والفوضى والشعوبية والارتجالية، لذلك فقدنا الأمل في التغيير السياسي الذي نطمح إليه طالما أن السوريالية السياسية حاضرة بقوة في النظام السياسي المغربي، وأختم بحوار سوريالي سياسي:
– فين غادة آميمتي؟
– غادة آوليدي نصوت؛
– على من غادة تصوتي؟
– غادي ندير ورقة في الصندوق ونجي بحالي اللي قالي المقدم هي اللي غادي ندير، حيث آوليدي ماقارياش.. سعداتكم نتوما آوليدي اللي قاريين كتعرفوا آش واقع، أما احنا غا تابعين جيلالة بالنافخ.