المنبر الحر

المنبر الحر | مخاطر احتكار الرأسمال الحقوقي من طرف الحقوقيين بالمغرب

بقلم: زهير أهل الحسين

    بالأمس القريب، أشار المفكر المغربي محمد عابد الجابري في سلسلة “مواقف”، إلى بعض الأخطاء الاستراتيجية التي وقع فيها اليسار المغربي، ومنها الدعوة إلى فصل الدين عن السياسة واعتباره شأنا شخصيا لا علاقة له بالمجال السياسي.

هذا الفراغ، استغلته بشكل كبير بعض الأحزاب السياسية مثل حزب العدالة والتنمية، في جعل الدين براديغما رئيسيا ومحركا وجدانيا في استراتيجيته السياسية، سواء تعلق الأمر بالعالم القروي أو العالم الحضري، فانطلت الحيلة على الدهماء أثناء الانتخابات، حيث يسوق سياسيا على أنه حزب ذو مرجعية دينية، وبالتالي، من الأفضل التصويت عليه، ولا يجب التصويت على أحزاب اليسار لأنها تعادي الدين وتدعو إلى العلمانية والعياذ بالله، ونحن نعلم بأن الشأن الديني تسيره المؤسسة الملكية ويمنع استعمال الدين داخل الحملات الانتخابية حسب مقتضيات القانون الانتخابي.  

حاليا، تعاد نفس الأخطاء الاستراتيجية مع بيان الفارق في المجال الحقوقي، حيث يلاحظ نزوع الحقوقيين بشكل كبير نحو الهيمنة في بناء السياسة العمومية لحقوق الإنسان من خلال احتكار الرأسمال الحقوقي، سواء تعلق الأمر بالشكل أو بالمضمون.

فيما يتعلق بالشكل، فمن خلال إنتاج مفاهيمه والعبارات التي يجب أن تستعمل من قبيل الهجرة غير النظامية وليس الهجرة غير القانونية، والنزلاء وليس السجناء، وحسب القوانين المتعارف عليها دوليا وليس وطنيا، والكونية وليس الخصوصية، وتعميم المساواة في جميع الميادين بين الرجل والمرأة، وتقسيم الأعمال المنزلية بين الرجل والمرأة، كما أن المرجعيات الجهوية مثل الإعلان الإسلامي لحقوق الإنسان، والميثاق العربي لحقوق الإنسان، والميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان.. غالبا ما يتم تجاهلها لصالح المرجعيات الدولية مثل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي تمت صياغته عندما كانت أغلب الدول العربية الإسلامية محتلة من طرف ما كان يعرف آنذاك في الأدبيات السياسية الدولية بالدول الإمبريالية مثل فرنسا وبريطانيا.

وفيما يتعلق بالمضمون، فإن أغلب الحقوقيين، لا سيما الذين ينتمون للمجلس الوطني لحقوق الإنسان، وباقي الجمعيات التي تتماهى مع خطابه، يحاولون توجيه فهم حقوق الإنسان من خلال أطروحاتهم ومنها ما يتعلق بالخصوصية، والمساواة، وعقوبة الإعدام كحالات تطبيقية.

ففيما يتعلق بالخصوصية، يرون بأن حقوق الإنسان هي كونية ولا وجود للخصوصية، وهذا يتعارض مع توصية الجمعية العامة للأمم المتحدة حول المؤسسات الوطنية لتعزيز حقوق الإنسان، التي صدرت بتاريخ 23 يناير 2014، والتي تنص على أنه “يجب على المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان أن تضع في اعتبارها أهمية الخصوصيات الوطنية والإقليمية، ومختلف الخلفيات التاريخية والدينية”.

وبالنسبة للمساواة، فمنهم من يدعو إلى تفعيل هذا المبدأ في جميع الميادين بما في ذلك المجال الديني، وهذا جهل مركب، لأنه توجد حالات ترث فيها المرأة أكثر من الرجل، ولم نسمع بحقوقي أشاد بتفوق المنطق الديني على المنطق الحقوقي، كما أنه يوجد علماء دين متخصصون في علم المواريث لهم من التراكم العلمي ما يكفي لشرح كل حالة على حدة.

أما إذا سألتهم عن عقوبة الإعدام، فيجيبون بأنها ضد حقوق الإنسان وتتعارض مع الفصل 20 من الدستور، الذي ينص على أن “الحق في الحياة هو أول الحقوق لكل إنسان”، ويحمي القانون هذا الحق، لكن لو سألتهم عن فظاعة الفعل الجرمي المرتكب مثل سفاح تارودانت، الذي اغتصب العديد من الأطفال، يجبونك بأنه أخذ جزاءه وانتهى الأمر.

خلاصة القول، يجب بناء سياسة عمومية لحقوق الإنسان تكون فيها الحكومة طرفا رئيسيا في المعادلة الحقوقية، مع إشراك باقي المؤسسات الحقوقية التي تتخذ من حقوق الإنسان موضوعا لها، مع الاستشارة العلمية، لا سيما مع الباحثين في العلوم القانونية، حيث التمحيص والتدقيق في استعمال المفاهيم وفق منهجية صارمة للعلوم الاجتماعية، تفاديا للفوضى الفكرية، لأنه كلما استعلمنا مفاهيم في غير موضعها، زاد العالم فوضى، وهذا ما يريده التيار الفوضوي ودعاة إيديولوجية “المينارشيزم”.

النشرة الإخبارية

اشترك الآن للتوصل كل مساء بأهم مقالات اليوم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى