بين السطور | خبايا التعديل الذي لم يكن..
بينما كان البعض يستحم، والبعض الآخر يستجم.. وبعد أن افتقد الرأي العام لذة تحليلات التقلبات السياسية(…)، ومتعة تطويل لائحة المرشحين لكل تعديل حكومي(…)، ونشوة تقصير آماد المستوزرين، عاد خلال شهر غشت الذي ودعناه، حديث خاطف، كالزخات الرعدية القليلة التي نعرفها في كل صيف، عن تعديل حكومي مرتقب، سرعان ما اختفى اختفاء دلّ على شيء واحد، ألا وهو أن هناك صراعا داخليا أكيدا داخل دواليب الحكومة، هو ما يروج كل مرة لمثل تلك الأخبار، إما كورقة ضغط على الحكومة، أو من أجل المزايدات السياسوية، ليبقى في الأخير كل تعديل حكومي يظهر من سابع المستحيلات ما لم يكن هناك “بلوكاج حكومي” كما حصل في عهد بن كيران، وهو ما لم يوافق عليه الملك..
كل فاهم للوضعية الحكومية الحالية وسامع بأخبار عن التعديل، إلا ورأى فيه حزب الاستقلال على المحك، نظرا لوجوده التنظيمي الخارج عن القانون(…) منذ ما يزيد عن سنة، إذ لا هو وضع خطة لعقد مؤتمره الوطني الثامن عشر، ولا عقد مؤتمرا استثنائيا، ما يزيد من تأثير الوضعية التنظيمية التي يوجد عليها حزب علال الفاسي على مكانته داخل التحالف الحكومي، ويجعل منه مصدر قلق لحكومة السي عزيز، الذي يتفادى حاليا كل أزمة(…) تهدد استقرار أغلبيته الحكومية، بما في ذلك المشاركة في التحالف، وكدليل آخر يؤكد أن الاستقلال لا يريد أن ينسف التحالف الحكومي.. البيان الذي خرج به الحزب هذا الأسبوع، بعد استقالة عضوه بجماعة دمنات، عبد اللطيف بوغالم، تضامنا مع ضحايا أيت عنيناس بأزيلال، يقول فيه بأن استقالة بوغالم لا تخدم مصالح الحزب باعتباره كاتبا محليا للفرع، ولا مصالح المجلس الجماعي على وجه الخصوص لكونه عنصرا نشيطا وفاعلا داخل المجلس وفي أوساط المجتمع المدني، ودعوة حزب بأكمله لعضوه الصغير(…) إلى الانضباط لتوصيات ومخرجات الاجتماعات التي قام بها فرع محلي صغير(…) للحزب، تجعل من الفاهم يفهم..
رحم الله تلك الأيام التي كانت فيها التنبؤات بالتعديل الوزاري تتصدر كل صحيفة، والتخمينات بقدوم هذا محل ذاك، تخطئ مرّة وتصيب مرّات، وعندما كان المواطن يطلق شائعة بسقوط هذه الحكومة، أو إبعاد هذا الوزير، سرعان ما كانت الهيآت السياسية نفسها تساهم في المعزوفة، بإطلاق أسماء في سوق الشائعات قصد التقاط ردود الفعل بشأنها(…). يا سلام على زمن ممتع كنا نعيش فيه الحياة السياسية مثلما تعيش الأجيال اليوم الحياة الرياضية، وكان الناس يراهنون على الوزراء مثلما يراهن هواة “التيرسي” على الخيول، أما اليوم، فلن أدفعكم إلى الاستنتاج بأن تحليل الأمور السياسية صار يدعو الواحد إلى النبش في المنوعات والأخبار الجهوية كنبش المشعوذين في القبور..
إن الواقع بين الأمس واليوم، هو أن الظروف التي نعيشها اليوم غير الظروف التي كانت بالأمس، والتعديلات الحكومية كانت “فعلا” مفاجئة، لأن المفاجآت كانت فعلا مُعدَّلة.. وكم من مفاجأة فرضت تعديلا، وكم من تعديل حدّ من أخطار المفاجآت..
دخول موفق للجميع.