المنبر الحر

المنبر الحر | العنصرية.. الوجه القبيح للغرب

بقلم: ذ. الحسن العبد

    العنصرية ظاهرة عالمية يندى لها الجبين، وينفطر لها الفؤاد، وتشمئز منها النفوس، ويتفق الجميع على أنها شعور بشوفينية ضيقة، يبديه الشخص تجاه شخص أو فئة معينة من الناس على أساس انتمائهم العرقي والجنسي كذلك، أو الديني أو الإثني، وكثيرا ما يكون هذا الشعور مصحوبا بكره أو عداء يصل إلى تعامل أو تصرفات عنصرية، كاستعمال العنف أو الإكراه أو المنع من حق ما.

فعند تواجدك مثلا بأوروبا أو الولايات المتحدة الأمريكية بشكل خاص، تجد مظاهر عنصرية خطيرة، غالبا ما تفضي أسبابها ونتائجها إلى كوارث إنسانية لا تبقي ولا تذر، لكن، وللأسف الشديد، السلوكات العنصرية “ما خطات حتى نفس ولا دار ولا وطن”، فهي لا تختص بمكان أو زمان، وما حدث في فرنسا في غضون الشهر الفارط من عنف وعنف مضاد، ينذر بالخطر إذا لم نتعقل وننزل من أعلى عليين، بكل تواضع إنساني، إلى أصلنا الطيني كأبناء وبنات آدم، وأبونا جميعا من تراب، ونربي أنفسنا على قبول بعضنا البعض في ظل الاختلاف.

تتمة المقال تحت الإعلان

وبخصوص الأحداث الأخيرة بفرنسا، يقول أسامه عبد الرحيم متحدثا عن “فاتورة العنصرية.. جذور أزمة ضواحي المهاجرين في فرنسا”: ((بدأت تتشكل ظاهرة الضواحي أو الأحياء الشعبية بمفهومها الحالي بعد الحرب العالمية الثانية (1939- 1945)، حيث استعانت فرنسا بأبناء مستعمراتها لإعادة بناء ما دمرته الحرب في ظل نقص عمالتها المحلية وترفعها عن الأعمال الشاقة أو الملوثة، وبرز إلى السطح مرة أخرى جبل الجليد الضخم الذي يعبر عن مأساة ضواحي المهاجرين في فرنسا، وكيف تعمدت باريس تهميش سكان هذه الأحياء الذين جاءت بهم منذ عقود لخدمة الاقتصاد الفرنسي، بعدما تأججت الاحتجاجات التي نشبت في فرنسا مؤخرا، بسبب مقتل الفتى الفرنسي نائل مرزوقي ذي الأصول الجزائرية، برصاص شرطي أبيض، في حادثة مشابهة لمقتل الأمريكي الأسود جورج فلويد، الذي أطلق موجة احتجاجات واسعة ضد العنصرية في شتى أرجاء الولايات المتحدة في عام 2020، فقتل الشاب الفرنسي ذي الأصول الجزائرية نائل، والبالغ من العمر 17 عاما برصاص شرطي فرنسي في ضاحية نانتير غرب باريس، خلف موجة احتجاجات وعنف مستمرة في كل أنحاء فرنسا أثرت سلبا على معظم مؤشرات الاقتصاد)).

ويرى جل الباحثين أنه في ظل اجتياح العنصرية للقارة الأوروبية وتصاعد خطاب التحريض على كراهية الأجانب بشكل عام والأقليات بشكل خاص، وسط تشجيع من بعض الحكومات على التمييز والعنف ضد اللاجئين والمهاجرين من العرب والمسلمين والمنحدرين من أصول إفريقية، ينطوي على خطر كبير يهدد أمن المجتمعات والأشخاص، نظرا لما يرتبط بهذه النزعة الهدامة من خلق أجواء يسودها الحقد والكراهية والخوف، وتمس كرامة الإنسان وتهدم مبدأ المساواة بين جميع البشر، ومن ثم تدفع الشعوب إلى دوامة العنف والنزاعات التي لا تُحمد عقباها.

إن ما نشاهده اليوم من تنامي الحركات اليمينية المتشددة، يدل على اعتناق إيديولوجيات نيونازية، تحولت معها العنصرية، في نظر البعض، إلى شكل علني وأخذت طابعا هيكليا ومؤسسيا في العديد من المجالات، مثل سوق العمل والتعليم والرعاية الصحية والإسكان، فضلا عن استخدام خطاب مكافحة الإرهاب وحماية الأمن القومي لتبرير استخدام العنف واتخاذ الإجراءات والتدابير ضد العرب والأفارقة، والتي تفتقر إلى معايير حقوق الإنسان بالمخالفة للقوانين الدولية.

تتمة المقال تحت الإعلان

يكفي أن الحرب الروسية الأوكرانية تكشف عن الوجه القبيح للغرب وزيف الشعارات والقيم التي لطالما ينادون بها، حيث ظهرت العنصرية الفجة، بحسبهم، أثناء التغطية الإعلامية للحرب من قبل العديد من المراسلين والمحللين السياسيين في قنوات فرنسية وأمريكية وصحف بريطانية، وذلك في التعامل مع اللاجئين وإجراء مقارنات بينهم بحسب جنسياتهم وخلفياتهم العرقية والثقافية والقومية وتفضيل الأوكرانيين لأنهم “أوروبيون ومتحضرون وبيض”، يقول بعض الإعلاميين.

كما وصلت العنصرية لمستويات غير مسبوقة في مجال الرياضة في أوروبا خلال السنوات الأخيرة، حيث تزايدت حالات التعصب والكراهية ضد اللاعبين بسبب لونهم وجنسهم ودينهم، ليتعرض عدد كبير من الرياضيين لهتافات وشتائم وتحيات نازية، ووصل الأمر لتوقيع عريضة لعدم توظيف بعض اللاعبين أو حتى الحرمان من فرص اللعب أو الانضمام إلى فرق كرة القدم على أساس اللون أو الجنسية أو الدين.

ويقول الرئيس الفرنسي الأسبق فرانسوا ميتران، أن “المهاجرين لم يأتوا بمفردهم وإنما تم جلبهم بالشاحنات والقوارب، لأن فرنسا كانت بحاجة إلى العمالة في المناجم وصناعة السيارات والأشغال العامة وجميع الصناعات الملوثة التي يرفضها الفرنسيون”، ففي خمسينات وستينات القرن الماضي، تم جلب أعداد كبيرة من المهاجرين إلى فرنسا للعمل في المناجم والمصانع والبناء والأشغال العامة، ومعها كل الأعمال الشاقة، مقابل أجور زهيدة مقارنة بنظرائهم الفرنسيين.

تتمة المقال تحت الإعلان

لذلك، آن الأوان لوضع حد للتمييز العنصري ومعه كل سياسات التهميش الممنهج للأفارقة والعرب لأجل فسح المجال حصرا لتفوق العرق الأبيض الأوروبي، فلا يمكن للازدهار المستدام والتمييز العنصري أن يجتمعا في مكان واحد، والحل هو أن نتقي شر بعضنا البعض بتعارف يليق بإنسانية البشر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى