المنبر الحر | غياب الحزم والصرامة أثناء تنفيذ القانون
بقلم: عثمان محمود
إذا كان التحايل بمختلف أشكاله على أي قانون يسعى إلى الردع بغية توفير النظام العام واحدا من العوامل التي تجعل منه قانونا بدون نتائج تذكر، فإن غياب الحزم الأكيد ساعة تنفيذه قد يصل به إلى التجميد الكلي، بحيث يصير حينها مجرد كلام وأرقام وتواريخ، ولا وجود فعلي لأثره على أرض الواقع، ويبقى بذلك مرور الأيام كفيلا بحجبه بصفة نهائية وكأنه لم يصدر يوما عن جهة بعينها، ولنا هنا أكثر من مثال يوضح لنا خطورة التراخي إبان تنفيذ القوانين التنظيمية.. ففي هذا الباب، نذكر القانون الذي صدر يوما في شأن الأكياس البلاستيكية وما واكبه من تحسيس إعلامي مكثف، وزجر صارم في حق المنتجين والموزعين والمستعملين، فكادت يومها تغيب تلك الأكياس الغياب النهائي بعد أن ظهر البديل في أشكال متنوعة، غير أنه لما بات البائع ومعه المستهلك يستأنسان بحضور ذاك البديل، دب الفتور المقيت إلى الحملة ككل، فأطلت الأكياس البلاستيكية برأسها داخل الأسواق الشعبية والمتاجر الصغرى وكأنها ليست هي التي صدر في حقها المنع في يوم من الأيام فاستعادت مكانتها جنبا إلى جنب مع الأكياس التي عوضتها أيام الحملة المذكورة، وتلك عاقبة التهاون والتراخي أثناء تفعيل مثل هذه القوانين، ومن ذلك أيضا قانون السير الذي جاء يوما لينبه المارة بشكل زجري إلى أن هناك ممرا خاصا بهم يدعى ممر الراجلين، عليهم احترامه والمرور منه إلزاميا، فانطلقت الحملة المواكبة لتفعيله قوية، وبدأ المخالف يؤدي المخالفة في عين المكان، فلزم بذلك الراجلون كل الحذر والحيطة، لكنها كانت كالحملة السابقة مجرد حملة عابرة مصيرها التلاشي السريع، لتترك أمر العبور أمام الراجل من أي زاوية شاء حتى ولو عرقل السير أو عبر راكضا وليس بينه وبين الممر المخصص له إلا خطوات محسوبة ! وقل نفس القول عن القانون الذي صدر هناك في بعض المدن بخصوص اعتداء المقاهي على الملك العام، فانظر هل من أثر له اليوم في واقع الحال؟ ولا نغفل عن أمر ما صدر ويصدر في حق الباعة المتجولين واحتلالهم للساحات والأرصفة، واسأل ولا تمل عن النتائج الملموسة التي خلفتها الحملات التي نظمت قصد التصدي لهذا الاعتداء السافر على الملك العمومي، والقضاء على هذه الفوضى التي وراءها أولئك الباعة، وإذا جئنا إلى المذكرة التي صدرت قبل أشهر ببعض الأقاليم في جنوب مغربنا الغالي، التي يزرع فيها البطيخ الأحمر، فإن التعامل معها بدون جدية قد كان حقا مهزلة بما للكلمة من معنى، فعلى الرغم من قلة التساقطات المطرية، فإن تلك الفاكهة الصيفية زرعت بالشكل المعتاد، وربما أكثر، وما إن هلّ شهر أبريل حتى حضرت في حياة الناس بوفرة، وبأثمنة مناسبة جدا وكأنها ليست تلك الفاكهة الصيفية التي يتطلب إنتاجها الماء الكثير الذي عز تواجده في زمان التغير المناخي القاسي.. فإلى متى سيستمر إصدار القوانين المنظمة لحياة المواطن في غياب الحزم، والصرامة؟
إن ذلك الغياب، يجعل أي قانون – مهما كانت الجهة التي صدر عنها – منزوع الأنياب والمخالب، إذ لا نتائج تذكر لكذا قانون يطبع تنفيذه الفتور، والتراخي، والتغاضي، والتقصير، وعليه، فإن من أوجب الواجبات أن توفر كل الظروف الملائمة للتنفيذ التام والمتكامل للقوانين الصادرة في هذا الشأن أو ذاك، بداية من التحسيس بمضمونها وغايتها المثلى، وانتهاء بالضرب بقوة لا هوادة فيها على يد كل من سولت له نفسه التحايل عليها.