بين السطور

بين السطور | الصديق عدو.. والعدو صديق

بقلم: الطيب العلوي

    سبق أن حكى مؤسس جريدتنا مصطفى العلوي، رحمه الله، في إحدى مقالاته، قصة أحد الوزراء السابقين في عهد الحسن الثاني، لما دعوه للخطاب في إحدى المناسبات، فصعد للمنصة، وبينما كانت الرياح متحركة، تطايرت الأوراق المكتوبة من بين يديه، وعندما جمعها له مدير ديوانه وأعادها إليه، انحنى أمام الميكروفون وصاح: “سابعاً!”، ذلك لأن الأوراق عندما جُمعت لم تكن مرتبة..

ما دامت الذاكرة الشعبية لا تنسى، لا ما قبل ولا ما بعد(…)، وكذلك كان حال الدبلوماسية، فنذكر للمثال قصة وزير الخارجية في عهد السلطان مولاي عبد الرحمان (1822-1859)، واسمه محمد الخطيب، وكان في الأصل بائعا للسكر والشاي في الأسواق، فبرع في الوزارة إلى جانب التجارة(…)، وحينما كان المغرب يفاوض سفير إنجلترا آنذاك في صفقة دولية، ابتدع الوزير الخطيب فلسفة جديدة في مجال التعامل الدبلوماسي، ولخصها حسب المراحل التالية:

أولا: اعطوا الوعود الكثيرة للقناصل؛

ثانيا: أخروا تنفيذ الوعود؛

ثالثا: اربحوا الوقت؛

رابعا: سيتعب القناصل بالانتظار، ويكفون عن المطالبة بنفس الوعود.

إن تاريخ المغرب السياسي والدبلوماسي مليء بأمثلة من هذا النوع(…)، في زمن لم يكن ضروريا أن يكون الوزير مثقفا، ولا مفكراً، حيث الميزات المشترطة في الوزراء كانت مبنية على مقاييس أخرى، كما لم يكن آنذاك إعلام يفضح “عباد الله” كما هو الحال عليه اليوم، حيث أصبح كل مسؤول يتمرّن قبل أن ينطق(…)، كما دخل المسؤولون في سباق تعلم اللغات(…).

إن المغرب اليوم، يدخل أيام عطلة سياسية تصادف بشائر تعزيز صداقات مع دول أكدت قناعتها بجغرافية المملكة وبحدودها التاريخية، والدخول السياسي المقبل صار يلوح ببصيص أمل لما عدنا نفكر فيما إذا كانت بعض الاتفاقيات التي سبق أن أمضى عليها المغرب، كاتفاقية الصيد البحري المبرمة بين المغرب والاتحاد الأوروبي سنة 2019، والتي انتهى العمل بالبروتوكول الملحق بها، قد تدفع الاتحاد الأوروبي رغم كل شيء(…)، إلى الاعتراف بمغربية الصحراء، بعدما قامت إسبانيا بحملة داخله من أجل إقناع البرلمانيين الأوروبيين بضرورة الدخول مع المغرب في مفاوضات لتجديد اتفاقية الصيد البحري.. تلك الهدية التي قدمها الملك محمد السادس للملك الإسباني فيليبي السادس إبان حكومة لويس رودريغيز ثباتيرو.. “إيه يا اليام”… أما المخاوف التي ترافقه (الدخول السياسي)، والتي أسبابها كانت ولا زالت نفسها: المناصب المدرة للدخل الوفير، والامتيازات الهائلة دون أدنى فائدة للشعب.. فهي بدورها كانت ولا زالت صامدة ككل سنة.

فهنيئا لنا بزمن أصبح فيه المسؤول مثقفا، على الأقل إلى درجة أن أصبح قادرا على تصفيف أوراقه في الترتيب الصحيح(…)، أما دهاؤه وحنكته، فستتطور لما يدرك أن العدو قد يرتدي أحيانا قناع الصديق، وأن صديق اليوم من المرجح أن يصبح غدا عدوّا..

عطلة سعيدة للجميع.

النشرة الإخبارية

اشترك الآن للتوصل كل مساء بأهم مقالات اليوم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى