المنبر الحر | أوكرانيا.. مصائب قوم عند قوم فوائد
بقلم: بنعيسى يوسفي
إذا كان من توصيف ينطبق على السياسة ومجرياتها وتأثيراتها في المجتمعات عبر العالم، وإذا أضفنا إليها الحروب وما ينتج عنها من نتائج، سواء لدى الأطراف المتنازعة والمتحاربة، أو باقي دول الجوار أو حتى باقي دول العالم كما سنوضح لاحقا، فإنه ينطبق عليها قول الشاعر الكبير أبو الطيب المتنبي: “مصائب قوم عند قوم فوائد”، ويظهر هذا جليا حينما تتابع الأحداث السياسية الأخيرة، وبشكل خاص حرب أوكرانيا، التي لا زالت تفرز العديد من النتائج والتداعيات التي لم تكن في الحسبان ولم يكن مخططا لها من قبل، فهذه الحرب منذ أن اندلعت، ما يربو عن عام ونيف، والدولتان المتحاربتان تحصيان خسائرهما في العتاد والأرواح، وفي الجهة المقابلة، وجدتها العديد من الدول الأوروبية فرصة سانحة لتحقيق العديد من الأهداف والمآرب التي كانت إلى عهد قريب مجرد أماني وأضغاث أحلام ليس إلا.. هكذا هي الحروب والسياسة تجعل من الأحلام حقيقة والمستحيل فيها ممكنا، ففنلندا – مثلا – لم تترك الفرصة تضيع لتطلب الانضمام إلى حلف “الناتو” لكي تحمي نفسها من خطر الدب الروسي الداهم، وتم قبول عضويتها بعد نقاش وتردد طويلين من طرف المتحكمين الرئيسيين في الحلف، وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية، التي يظهر بدون أدنى شك أنها هي الماسكة بزمام الأمور في هذا الحلف، وكل ما ينسج في داخله يكون بهندستها ووفق تصوراتها وقراءاتها التي تصب في مصلحتها أولا وقبل كل شيء، وما على الأطراف الأخرى إلا التأييد والتزكية والتصفيق دون إعارة أي اهتمام لاحتجاجات روسيا أو تنديداتها المتكررة حيال هذا السلوك، وبذلك، أضحت الولايات المتحدة تضيق الخناق أكثر عليها تدريجيا لمحاصرتها وهي تضم إلى “الناتو” دولا متاخمة لحدودها، وبعدما تحقق “حلم” دولة فنلندا، صار نفس الطموح يساور جارتها السويد، للسير على نفس النهج والمنوال، فقدمت هي الأخرى طلبها بنفس الهواجس والبواعث، لكن يبدو أن مسألة انضمام السويد إلى “الناتو” لن تكون بنفس السهولة والسلاسة كما هو الحال مع فنلندا، لأن السويد لها مشاكل واختلافات ومواقف مع بعض دول الحلف، وخاصة تركيا، تتجسد في بعض المخاوف الأمنية بين الطرفين، علاوة على علاقة السويد بالحزب العمالي الكردستاني المحظور، الذي لا تنظر إليه تركيا بعين الرضى، مما ساهم في تعنت ورفض الرئيس أردوغان المبدئي لهذا الانضمام، لكن يبدو أن مياها كثيرة جرت تحت الجسر، وأمست المتغيرات التي فرضتها الحرب الأوكرانية-الروسية تستدعي تغيير العديد من المواقف والقناعات والتوجهات، وشرعت الأطراف التي تريد استثمار هذه الحرب لصالحها، تنهج سياسة هذا بذاك، لتكون الاستفادة عامة ومتبادلة، فأصبحت شروط تركيا لانضمام السويد إلى “الناتو” واضحة، وما على هذه الأخيرة سوى الاستجابة لها، وفعلا، وبعد نقاش عميق بين دول الحلف وعضوها الرئيسي تركيا في الأيام القليلة الماضية، أبدت تركيا موافقتها على هذا الانضمام ووعدت بأن تعرض الأمر على برلمانها ليقول كلمته فيه قبل متم شهر أكتوبر المقبل، لكن الملاحظ في سياق كل هذه الأحداث وسيرورتها، أن مطالب تركيا لم تقف عند هذا الحد، بل إنها عاودت طرح طلبها الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، ورأت أن الوقت قد حان للاستجابة لهذا الطلب الذي لطالما كان يصطدم برفض مطلق من طرف أهم مكونات هذا الاتحاد، وبالخصوص ألمانيا، فكل التنازلات التي تقدمها تركيا حاليا لتسهيل انضمام السويد إلى حلف شمال الأطلسي، لا يمكن أن تجني منها إلا دخولها في هذا الاتحاد من بابه الواسع وإن كانت شروط هذا الولوج تقتضي جملة من الإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والحقوقية بالأساس، وعدت بالانخراط فيها في أسرع وقت ممكن لتنسجم ومعايير هذا الانضمام التي تسري على جميع أعضاء الاتحاد. الأوروبي.
هذا الذي ذكرناه يعتبر من أهم ما تفرزه الحرب الأوكرانية-الروسية اليوم وهي عناوين كبيرة رئيسية، ومن دون شك، ستظهر في المستقبل المنظور أمور أخرى ومصالح أخرى سيستفيد منها البعض على حساب البعض الآخر.. هكذا هي السياسة والحروب ينطبق عليها قول الشاعر “مصائب قوم عند قوم فوائد”.