بقلم: عبده حقي
ينتج روبوت الدردشة “شات جي بي تي”، المدعوم بالذكاء الاصطناعي، محتوى يبدو كما لو أنه قد تم إنشاؤه بواسطة الإنسان، وبالتالي، هناك العديد من الاستخدامات التقنية المقترحة التي أصبحت قدراتها الهائلة تثير أسئلة مهمة حول ملكية المحتوى، فمن يمكنه المطالبة بحقوق الطبع والنشر للمحتوى الذي يتم إنشاؤه بواسطة الذكاء الاصطناعي؟
في حالة عدم وجود مطالبة من قبل مالك المحتوى الأصلي، من الممكن أن تكون حقوق الطبع والنشر لمولدات روبوت الدردشة مع المستخدمين الفرديين أو الشركات التي طورت الذكاء الاصطناعي.
يستند قانون حقوق النشر إلى مبدأ عام، مفاده أن المحتوى الذي ينشئه البشر فقط هو الذي يمكن حمايته، وقد تم تطوير الخوارزميات التي تقوم عليها دردشة “جي بي تي” في شركة “أوبن إيه آي”، لذلك، يبدو أن هذه الشركة تتمتع بحماية حقوق التأليف والنشر على تلك الخوارزميات.
وهناك خيار آخر، يتعلق بملكية المحتوى الذي يتم إنشاؤه بواسطة الذكاء الاصطناعي: الذكاء الاصطناعي نفسه، ففي بعض الدول المتقدمة، يحظر قانونها الحالي على الذكاء الاصطناعي امتلاك حقوق الطبع والنشر (أو حتى الاعتراف بأن الذكاء الاصطناعي قادر على إنشاء المحتوى)، لأنه ليس بشريا، وبالتالي، لا يمكن معاملته كمؤلف أو مالك بموجب قانون حقوق النشر والتصاميم وبراءات الاختراع، ومن غير المحتمل أيضا أن يتغير هذا الموقف في المستقبل.
في الوقت الراهن، يلتزم صانعو سياسات حقوق الإبداع البشري باعتباره منشورا يتم من خلاله منح حق للمؤلف البشري، ومع ذلك، مع تطور الذكاء الاصطناعي وقدرته على خلق المزيد، قد يفكر صانعو السياسات في منح الأهلية القانونية للذكاء الاصطناعي، كما قد يمثل هذا تحولا جوهريا في كيفية عمل قانون حقوق الطبع والنشر وإعادة تصور من (أو ماذا) يمكن تصنيفه كمؤلف ومالك لحقوق الطبع والنشر.
ومما لا شك فيه، أنه ستكون لمثل هذا التغيير أثار على الأعمال التجارية، حيث تدمج الشركات الذكاء الاصطناعي في منتجاتها وخدماتها، ولقد أعلنت “مايكروسوفت” مؤخرا، أنها ستدرج منتجها “كوبيلوت” استنادا إلى “شات جي بي تي” في برامج الشركة، مثل “وورد” و”باور بوينت” و”إكسيل”.
وهكذا يبدو أن المزيد من التطورات مثل هذه ستتوالى لدى الشركات التي تبنت في وقت مبكر فرصة للاستفادة من الوضع الحالي، باستخدام الذكاء الاصطناعي لزيادة كفاءة عملياتها، وغالبا ما يمكن للشركات أن تكتسب ميزة عندما تكون أول من يقدم منتوجا أو خدمة إلى السوق، وهو وضع يسمى “ميزة المحرك الأول”.
وقد أجرت حكومة المملكة المتحدة مؤخرا استشارة حول الذكاء الاصطناعي وحقوق النشر، فأظهرت هذه الاستشارة رأيين متضاربين، يعتقد قطاع التكنولوجيا أن حقوق الطبع والنشر للمحتوى الذي تم إنشاؤه بواسطة الذكاء الاصطناعي يجب أن تكون ملكا للمستخدمين، بينما يريد قطاع الإبداع استبعاد هذا المحتوى تماما من الملكية، ولم تتخذ حكومة إنجلترا أي إجراء بشأن النتائج، وبدلا من ذلك، أوصت بإجراء مزيد من المشاورات بين الأطراف المعنية.
إذا تحول قانون حقوق النشر بعيدا عن تركيزه على الفاعلية البشرية في المستقبل، فيمكن للمرء أن يتخيل سيناريو حيث يتم تصنيف الذكاء الاصطناعي على أن مؤلفي ومطوري ذلك الذكاء الاصطناعي، بصفتهم أصحاب المولدات، وقد يؤدي هذا إلى خلق حالة تمارس فيها مجموعة من شركات الذكاء الاصطناعي القوية، تأثيرا هائلا، وقد ينتهي بهم الأمر بامتلاك مئات الآلاف من المواد المحمية بحقوق الطبع والنشر (الأغاني والمواد المنشورة المقروءة، والمرئيات، والأصول الرقمية الأخرى)، ويمكن القول أن هذا قد يؤدي إلى وضع بائس، حيث يتم إنشاء غالبية الأعمال بواسطة الذكاء الاصطناعي وتملكها الشركات.
إذن، من المنطقي أن تبقى هذه المعرفة في المجال العام، ربما يكون الحل هو أن يعلن كل شخص أو شركة مساهمته عند استخدام الذكاء الاصطناعي، أو أن مساهمته يتم حسابها تلقائيا بواسطة البرامج، وبناء على ذلك، يحصلون على ائتمان أو منفعة مالية بناء على حجم العمل الذي ساهموا به.
لا يزال محتوى الذكاء الاصطناعي المستند إلى مواد محمية بحقوق الطبع والنشر يمثل مشكلة هامة للغاية، وقد يؤدي عدم القدرة على الاعتماد على المواد المحمية بحقوق الطبع والنشر، إلى تقويض قدرة نظام الذكاء الاصطناعي على الرد على مطالبات المستخدمين النهائيين، ولكن إذا كان المحتوى قائما على أعمال محمية، فسنحتاج إلى قبول مرحلة تاريخية جديدة من الابتكار المفتوح حيث لا تهم حقوق الملكية الفكرية.