المنبر الحر | المملكة المغربية.. دولة الإمبراطوريات
بقلم: ذ. الحسن العبد
عرف تاريخ البشرية العديد من الإمبراطوريات القديمة والحديثة، والتي لعبت أدوارا طلائعية في ازدهار الإنسانية، وما ألسن البنيان إلا مظاهر تبرز لنا أمجاد الأمم والشعوب الماضية عبر عدة حقب تاريخية، كما أن العديد من هذه الإمبراطوريات لم تعمر طويلا بسبب تواجد أعراق مختلفة، في صراع دائم ومستمر من جهة، والسماح لأقليات دينية بالتنافس على السلطة الدينية عوض ممارسة شعائرها بسلام وحياد، في ظل سيادة دين النظام الحاكم، والذي هو دين الأغلبية الساحقة من الساكنة، بداخل ترابها وأراضيها المترامية الأطراف من جهة أخرى، مما أدى إلى انفصال مهول عن بعضها البعض لتشكيل دويلات عوض الوحدة الوطنية، وكمثال على تفكك الدول الكبرى، نجد تفكك الاتحاد السوڤياتي بعد أن كان قطبا عالميا كبيرا ينافس القطب الغربي الرأسمالي بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية، الآيلة إلى السقوط عما قريب، ليحل بعدها شمال إفريقيا، ولهذا سنركز على المغرب كنموذج نحو التقدم، كقطب عالمي، بخطى ثابتة رويدا رويدا.
بادئ ذي بدء، وفي إطار الحديث عن الإمبراطوريات القديمة، يمكننا الحديث عن الإمبراطورية البابلية التي كانت تقع في منطقة ما بين نهري الفرات ودجلة في بلاد ما بين النهرين (حاليا جزء من العراق)، وازدهرت، حسب المؤرخين، في الفترة بين الألفية الثالثة قبل الميلاد والألفية الأولى قبل الميلاد، وأشهر ملوكها هو حمورابي الذي أصدر قانون حمورابي الشهير، ثم الإمبراطورية المصرية القديمة، التي كانت تقع على ضفاف نهر النيل في مصر القديمة، وتمتد على مدار آلاف السنين، حيث تميزت بتطور الفن والعمارة والعلوم والأدب، وكان لديها أهرامات مصر وملوك مشهورين مثل توت عنخ آمون ورمسيس الثاني، وكذلك الإمبراطورية الصينية القديمة التي تعود أصولها إلى القرن الثالث عشر قبل الميلاد، ثم أخيرا الإمبراطورية الرومانية التي تمتد من القرن الأول قبل الميلاد حتى القرن الخامس الميلادي، والتي قامت بتوسيع نطاقها لتشمل أجزاء كبيرة من أوروبا والشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
وما دمنا في شمال إفريقيا، فإن المغرب، كما هو معروف اليوم، قد شهد على مر السنين العديد من الإمبراطوريات التاريخية المهمة، كالإمبراطورية الرومانية، حيث تم في العصور القديمة توسيع نفوذها إلى المغرب، وقد كانت مدينة فولوبيليس تابعة لها، بل كانت مركزا إداريا واقتصاديا مزدهرا، ثم جاءت فترة الإمبراطورية البيزنطية، فتأثرت بعض المناطق من المغرب بنفوذ البيزنطيين، وخاصة في الشمال، إلا أنه مع تأسيس الإمبراطورية الإسلامية المرابطية في القرن الأول الهجري (القرن الحادي عشر الميلادي) سيمتد النفوذ إلى كل شمال غرب إفريقيا، أي المغرب والجزائر، ومعها الأندلس وتخوم إفريقيا، وكانت تتميز بالعمارة الأندلسية المميزة والتعايش الثقافي بين المسلمين والمسيحيين واليهود، ودين الدولة الرسمي بطبيعة الحال هو الإسلام، ولا يزال لحد الآن، وسيظل كذلك إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
وجاءت بعدها الإمبراطورية المرينية بعد الدولة الموحدية، وقد تأسست في القرن الثالث عشر الميلادي وسيطرت على مناطق واسعة في المغرب والمغرب الأقصى، حيث أقامت الإمبراطورية العاصمة في مدينة فاس، وتميزت بالعمارة الإسلامية الرائعة.
وفي الأخير، تأسست الإمبراطورية العلوية في القرن السابع عشر الميلادي، وما زالت مستمرة حتى اليوم كمملكة، لكن لها نفوذ قوي ليس فقط في شمال غرب إفريقيا، بل بكل التراب الإفريقي، وكما قال الحسن الثاني رحمه الله: ((المملكة المغربية شجرة جذورها في إفريقيا وأغصانها في أوروبا))، وبذلك يمكن اعتبارها إمبراطورية، لأن أوراقها تتساقط بالثمار شرقا وغربا، فالمكانة التي تحتلها المملكة المغربية بالقارة الإفريقية هي من خلال ما يتمتع به الملك محمد السادس من حظوة لدى القيادات الإفريقية، كما يقول السفير المغربي بفلسطين، عبد الرحيم مزيان.
ومدينة الدار البيضاء تستعد لاحتضان مؤتمر حملة “لأجل فلسطين”، وذلك بقصد حشد أصوات الدول الإفريقية لدعم عضوية كاملة لدولة فلسطين بالأمم المتحدة، مع مكانة الملك الدينية كأمير للمؤمنين لدى الشعوب الإفريقية، يتابع السفير ما يتمثل في الدور الاستراتيجي الذي يقوده المغرب في دعم القضية الفلسطينية بمنظمة الاتحاد الإفريقي ومختلف منتديات التعاون مع المنظمات والتجمعات الدولية والدول المؤثرة، وخاصة منتدى التعاون العربي-الإفريقي، وكل هذا في انتظار تكوين قطب إسلامي عالمي، على غرار باقي الأقطاب العالمية، منطلقه القدس، ولعل البداية تكون بالتأسيس من المغرب كإمبراطورية الخير، فالإسلام أتانا، نحن المغاربة، في طبق من ذهب من المشرق العربي، أرض الرسل والأنبياء، وسيرجع بشمس مشرقة من المغرب العربي، أرض الأولياء، بفتح آت عما قريب إن شاء الله، والقدس عاصمة المسلمين.
ولعل المملكة المغربية، أرض الأمن والاستقرار، هي البلاد العربية والإسلامية الوحيدة في العالم التي عاشت استقرارا دائما في إطار التعايش السلمي بين مختلف الأطراف العرقية التي تتكون منها والتي يوحدها الدين الإسلامي، مع قبولها بتواجد باقي الأقليات الدينية التي تعيش في كنف الأمة المغربية الإسلامية في أمن وسلام، بينما باقي الدول العظمى لم تستطع الثبات على الوحدة والاستقرار، وكمثال روسيا، التي تعمل جادة اليوم لتشكيل قطب قوي مكون من عدة دول بمنظورها الخاص لمنافسة نظام العالم الجديد، القطب الغربي الأمريكي-الأوروبي، ومضايقة نظام العالم القديم-الجديد الذي سيظهر عما قريب ممثلا في العالم العربي والإسلامي.
وفي ظل الصراعات الدولية، يحق لنا أن نتساءل كمسلمين: ما هو النظام العالمي الجديد الذي يعرضه الإسلام لتطهير البشرية وتخليصها من مبدأ القوة والاستغلال لكي يسعد الجميع؟ كيف السبيل إلى أسلمة العالم بدين المحبة والسلام والعدل والمساواة والتقوى؟
يرى بعض الباحثين الإسلاميين، أن عصر اليقظة الإسلامية قد انتهى، ومعه الإسلام السياسي، وأن فجر النهضة على الأبواب، بل قد أقبل بظلاله بالسياسة الإسلامية، ومعها ستشرق شمس الإسلام من جديد على العالم، بالعدل والتقوى، بنظام عالمي قديم-جديد لا يفصل بين الأنا والآخر، ويسع كل بني آدم، حتى وإن اختلفت الثقافات واللغات والحضارات والديانات، يكون فيها الحوار بـ”لكم دينكم ولي ديني”.