المنبر الحر | التواصل الرقمي قبل التواصل الاجتماعي
بقلم: زهير أهل الحسين
من بين الوظائف الاجتماعية التي يضطلع بها الباحث في العلوم الاجتماعية، هي التنبيه للمخاطر التي تحذق بالأمة والمجتمع والفرد والدولة وكأنه يقول بطريقة صريحة “اللهم اشهد إني قد بلغت”، لكن الباحث في العلوم الاجتماعية مثل الطبيب، يشخص المرض ويعطي الدواء من أجل العلاج، غير أنه لا يمتلك سلطة قهرية، بل تأثيرا معنويا على أولي الألباب.
ومن ضمن المخاطر التي أصبحت تهدد المجتمع المغربي بشكل كبير، تراجع التواصل الاجتماعي بسبب هيمنة التواصل الرقمي، لاسيما بعد الانتقال من الهاتف الثابت إلى الهاتف النقال، المزود بخدمة الأنترنيت وشبكات التواصل الاجتماعي، فصار من تتعرف عليه يقول لك نتواصل في “الواتساب” أو عبر “الفايسبوك”، ولكي أبرهن على فرضية النقاش، سأعطي مثالا له نفس الصورة، لكن بمضامين مختلفة.
مثلا، عندما تلج مقصورة في القطار، غالبا ما تحيي من يقتسمون معك المكان، ثم يقع تواصل اجتماعي تلقائي حول بعض مواضيع الساعة أو مواضيع علمية قد يشارك فيها الجميع، كل حسب رأيه، ومنهم من يشارك بحسن الاستماع والإنصات، وغالبا ما ينتهي السفر بتبادل الأرقام واكتساب معارف اجتماعية.. وكم من معارف إنسانية ربحت بسبب التواصل الاجتماعي.
حاليا، عندما تلج المقصورة، وتقول لهم السلام عليكم، يحيونك على مضض وكأنك أفسدت عليهم خلوتهم، لأنهم كانوا في صلاة رقمية مع معبودهم الصغير “هبل”، فمنهم من كان في لايف مباشر مع أمه، ومنهم من كان يصور مناظر، ومنهم من كان في رسائل مع عائلته أو أصدقائه، وغير ذلك، ويخيم الصمت على المقصورة، لا يقتحم صمتها إلا المراقب حينما يريد أن يتأكد من التذاكر.
خلاصة القول: هذا التوصيف هو صورة مصغرة لتراجع التواصل الاجتماعي بسبب هيمنة التواصل الرقمي، الذي يبدو أنه بدا يكتسح باقي أنواع التواصل مثل التواصل الإداري والتواصل المؤسساتي والتواصل العلمي والتواصل الاجتماعي، وهذا ما ترمي إليه الرأسمالية الرقمية في سحب العلاقة بين الإنسان والإنسان.