المنبر الحر | إلى أين تتجه الحرب الأوكرانية ؟
بقلم: نزار القريشي
إن ما اتضح مؤخرا، وحسب الأساليب التي تتيحها خوارزميات العقل في جرد الاستنتاجات والنظر في المآلات لمجرى الحرب في أوكرانيا، وما اتضح أيضا من الرغبة المتبادلة ما بين روسيا وأمريكا بعدم إلحاق الهزيمة ببعضهما البعض، على الساحة الأوكرانية، وذلك لتفادي حرب نووية استراتيجية ستكون مدمرة لهما.. هو ما يفسر ويؤكد عدم حسم الأوراق المرتبطة بهذا النزاع الذي طال أمده، في غياب مستمر لحلول تكون مقنعة لأطراف النزاع، حفاظا على ماء وجههم، وهو ما يتجلى وينم عن خوف الرئيس بوتين من إسرائيل، والسطوة المعروفة لأكابر اليهود على العالم، وهو ما أكده أيضا التراجع عن أكل المربعات على الساحة الأوكرانية، والتطورات بإقليم باخموت، وانحصار التقدم الروسي، وما جاء في تصريحات قائد مجموعة “فاغنر”، يفغيني بريغوجين، والذي وصف عدم إسناد قواته بباخموت وقبلها في سوريا وليبيا، بالخيانة من وزارة الدفاع الروسية، في اتهام مباشر منه لوزير الدفاع الروسي، سيرغي شويغو، حيث يريد الجيش الروسي الاكتفاء بضم الأقاليم الأربعة والقرم، والإبقاء على محاولات مترددة ومحتشمة بالتقدم نحو ميناء “أوديسا”، غير أن أوكرانيا زيلينسكي لا ولن ترضى إلا باستعادة الأراضي التي اقتطعتها موسكو من أوكرانيا بما فيها القرم، حسب ما يصرحون به، وهو ما يؤكد الأفق المسدود نحو الحل الذي تعيشه الأزمة الأوكرانية، ويؤكد أيضا الانقسام الذي تسرب للجيش الروسي ما بين جناح شويغو وجناح “القوميون الروس” الذي يتزعمه رئيس “فاغنر”، والذي لديه رغبة في إلحاق الضرر بـ”الناتو” وعلى رأسه أمريكا، وهو تخبط تعيشه روسيا، وهذا ما تأكد في سوريا والتطورات التي عرفتها مجريات الحرب بباخموت، ويبقى السؤال الأساسي في ظل هكذا معطيات: إلى أين تتجه الحرب الأوكرانية وهذا الأفق المسدود في حسم الحرب، والذي يبقى معلقا واستمرار استنزاف روسيا و”الناتو” لكليهما؟ ويترتب عنه سؤال آخر حول إمكانية استغلال الصين لهذا الأفق المسدود للأزمة الأوكرانية والجلوس على عرش العالم على هامش الاستنزاف الروسي والأمريكي والأوروبي في الحرب الجارية؟ وهو نفس الموقف الذي استغلته الولايات المتحدة إبان الحرب العالمية الثانية، والتطورات الحاسمة بين دول المحور والحلفاء، وهو ما نلاحظه خصوصا وعدم التورط المباشر للصين إزاء هذه الأزمة الدولية والمكلفة للعالم لحد الآن.
إلى ذلك، بدأت تظهر جليا المتاعب الغير متوقعة في حسابات المعادلة الدولية لدى حكومة تل أبيب، إذ عوض عرقلة صعود الصين، بات الأمر بالنسبة لإسرائيل ورغبتها في حكم العالم، في إطار تبادل الأدوار ما بين باريس ولندن وواشنطن أو ما يروج له تحت عنوان: “مملكة إسرائيل الكبرى”، بات يتطلب عرقلة صعود الصين والدول التي تليها في الصعود، كالهند وتركيا واليابان وأندونيسيا والبرازيل، حسب ما تؤكده مراكز الأبحاث الدولية ومؤشرات صعود اقتصاديات الدول النامية، فمن الواضح أن السياسة لم تعد تتحكم في الاقتصاد، إذ أصبح الاقتصاد هو المتحكم في السياسة وأجندة كبار الساسة، وهو أمر يجب الانتباه إليه جيدا.
إن تشكيل الأحلاف السياسية، التي تترتب عن الأحلاف الاقتصادية والعسكرية، يجلى في الترتيبات التي تشاهد على الساحة الدولية، وما يترتب عنها بمناطق حيوية وعسكرية استراتيجية، والتي تسعى بكين وموسكو للسيطرة عليها، والمحاولات الجارية لإعادة هيكلة التنافس الدولي والسيطرة على المسالك البرية والممرات المائية، وهو ما اتضح من زيارة الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون لموسكو، ورغبة هذه الأخيرة في السيطرة على مياه غرب المتوسط في تهديد استراتيجي لبريطانيا بجبل طارق، وتضييق مباشر على مجرى الملاحة البحرية السالك للجيش الأمريكي، وسلاح البحرية الملكية المغربية، في مقابل ذلك، فإن الصفقة التي أقدم عليها حميدتي، قائد قوات الدعم السريع بالسودان، مع إسرائيل، عبر وساطة فرنسية، وضرب قواته لسفارة فلسطين والصين والسعودية، وفشل الدبابة الألمانية “ليوبارد” بعد دخولها المعركة على الساحة الأوكرانية، وتهديد موسكو لبرلين عبر تصريحات ميدفديف، حيث أدى ذلك بالبريطانيين إلى عدم إدخال دبابة “تشالنجر 2” إلى ساحة المعركة، هو ما أكد التراجع الذي تعرفه التقنية الألمانية والمخيبة لآمال الأوروبيين، خصوصا وما كانت تتمتع به من جودة وتقنية عالية في التصنيع، إذ بعد دخول “ليوبارد” لم تحقق أوكرانيا أي نجاح في هجومها المضاد وتكبدت خسائر تقدر بأضعاف خسائر روسيا.
وفي سياق ذي صلة، فقد استهدفت زيارة الرئيس الجزائري لموسكو تحجيم دور “أفريكوم” و”الأسد الإفريقي” والقوات المسلحة الملكية المغربية، خصوصا في ظل التطويق الذي أحس به الجيش الجزائري بعد إشراك الجيش التونسي في مشاريع جهوية للجيش الأمريكي، وفي ظل تردد موريتانيا في البحث عن تموقع لم تحسمه نواكشوط بعد.
وبشرق المتوسط، يظل الإنتاج العسكري التركي مصدر قلق لإسرائيل، إذ بات واضحا أن تليين المواقف مع أنقرة وتفادي التصعيد معها، يخدم المرحلة لصالح السلام بالمنطقة، خصوصا بعد حسم نتائج الانتخابات الرئاسية لصالح أردوغان، في حين يظل تطور التقنية الهندية واليابانية من ضرورات المرحلة بالنسبة للغرب و”الناتو” للمساعدة في التصدي للصعود الصيني، وهو ما سينتج معه من جانب آخر، قطب أوروبي جديد على أنقاض الاتحاد الأوروبي الذي استنزف في الحرب الأوكرانية، وهي فكرة واقعية ستؤكد أن إدارة الموقف الأوروبي ستستمر من المبادرات المشتركة للندن وباريس وبرلين، غير أن بوادر صعود أحزاب اليمين بأوروبا وعودتها، سيعيد كل مشاكل القارة العجوز للبروز على واجهة الأحداث، وعلى رأسها الإبقاء على استمرار الأزمة الأوكرانية، وملف الهجرة والاقتصاد والطاقة والتهديد الإرهابي العابر للقارات، إذ المطلوب من العواصم المؤثرة، إيجاد مخرج للعالم من الأزمة الأوكرانية في انتظار معرفة جديد خطط “حكماء صهيون” المتعلقة بتدبير الوضع الدولي، وتوزيعهم للأدوار، والتي ستستهدف دون شك عرقلة صعود الصين، مع إنهاء الأزمة الأوكرانية، وهو ما يخبئه علم السياسة فوق رقعة الشطرنج من تحت طاولة الكبار.