المنبر الحر

المنبر الحر | مواهب الأطفال الرياضية والفنية في حاجة إلى التعهد السليم

بقلم: عثمان محمود

    بات من المألوف، على الخصوص في أصباح أيام العطل الأسبوعية، أن يشد الأعين منظر أطفال في أزياء رياضة كرة القدم يحثون الخطى أفرادا وجماعات إلى حيث ملاعب بعينها، وفي كثير من الأحيان، يكون بعضهم في معية أحد الوالدين، كما أن القمصان التي يرتدونها تحمل في الغالب أرقام وأسماء لاعبي المنتخب المغربي الذي كان مثار الإعجاب خلال بطولة كأس العالم الأخيرة. وحتى لا تكون هذه الصحوة الكروية في صفوف هؤلاء الصغار مجرد نزوة عابرة، ينبغي تعهدها وحسن رعايتها من عدة جوانب، ولعل في مقدمتها الوقوف الأمثل على الموهبة الحقة لدى الطفل الذي يؤمل احتضانه وتعهده، فلا يكفي أن يمتلك حذاء رياضيا وقميصا يحمل اسم هذا اللاعب الأشهر أو ذاك، أو أن يكون له تعلق واضح بفريق بعينه، سواء من داخل الوطن أو من خارجه، بل ينبغي أن تلمس موهبته من قبل ذوي الاختصاص أثناء مداعبته للكرة أو تحركه على رقعة الملعب، وكذا انسجامه مع أعضاء الفريق، وما إلى ذلك، وأعتقد أن هذه المهمة موكولة لأساتذة الرياضة داخل المؤسسات التعليمية، والمنقبين عن البراعم الغضة داخل المدارس الكروية التابعة للفرق الوطنية، فمثل هذا التنقيب الصادق عن الطاقات الخالصة في صفوف الصغار يستوجب بالموازاة مع ذلك، العمل على كشف مواهب أخرى لدى الطفل، رياضية كانت أو إبداعية، وهذه المهمة هنا مسندة لدور الشباب والجمعيات التي تنشط في رحابها من خلال نشاطات مدروسة بعناية داخل المؤسسات التعليمية في مجالات متعددة، ومن تم انتقاء الأطفال وتوجيههم، بل وتبنيهم في فترات معينة من أيام الأسبوع باتفاق مع الآباء، وبتنسيق مع مدارسهم، وإعدادياتهم كي لا تكون الأنشطة المتعهدة للمواهب على حساب الدراسة ومستلزماتها.

إن هذا من شأنه أن يحقق المبتغى على أكثر من مستوى، فهو من جهة لا يدع للطفل المجال لكي يعلن عن تعلقه بهذا النوع من الرياضة أو ذاك النوع من الإبداع الفني دون أن يلمس المشرفون ذوو الاختصاص أثرا جليا لموهبته الصريحة في هذا الباب، كما أنه يخول للرياضة والفن معا الاستفادة من الكفاءات في المستقبل على قدم المساواة، فلا يعقل مثلا أن تحظى كرة القدم بكل الاهتمام وتهمش باقي الرياضات إلى حدود التغييب الكلي، حيث أنه عندما تذكر المدينة لا يذكر إلا فريقها الكروي، ولا حديث معه عن فرق ولا أبطال في صنوف رياضية أخرى إن كان لها وجود فعلي، وقل نفس الشيء عن الفن والإبداع، حتى أضحى مثلا فن الموسيقى والغناء هو المستحوذ على ساحة الاهتمام، إن في الإعلام أو في المهرجانات ذوات العدد، فليس غريبا إذن، أن يعمد الأطفال إلى تقليد المغنيين والمغنيات وترديد مقاطع من أغانيهم، وبالتالي، إظهار ميل واضح لهذا الفن على حساب فنون أخرى كان من المؤمل أن يظهروا فيها نجاحا لو فتحت الأبواب مشرعة أمامهم بالشكل المرغوب لاكتشاف مواهبهم على الوجه المطلوب.

تتمة المقال تحت الإعلان

إن للطفل طاقات كامنة يلزم الكشف عنها بشكل دقيق في ظل اختبارات تشخيصية من إعداد وإشراف ذوي الاختصاص الذين لهم الدراية المتبصرة بعقليته ونفسيته ومراحل نموه ودرجات تحمله، وسبل المواءمة بين تعلمه وتربيته، والإقبال على تلك الهواية التي يميل إلى ممارستها، أما أن نترك له المجال ليقبل على مباشرة هوايات بعينها من باب الإعجاب بأبطال رياضيين أو نجوم فنيين، فهذا لا يكشف مطلقا عن المواهب في شكلها الصريح، كما أن ذاك الإقبال يكون مجرد فقاعة سرعان ما تتلاشى.                               

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى