المنبر الحر | موسم الهجرة إلى الدوري السعودي
بقلم: بنعيسى يوسفي
بالرغم من أني لست من متتبعي أخبار كرة القدم ولا أخبار نجومها محليا ولا دوليا، والأمر لا يستهويني كثيرا، إلا أن هناك في بعض الأحيان أحداثا تفرض نفسها عليك ولو لم تكن من عشاقها، وبالتالي، تلفت نظرك وتجعلك فاغرا فيك وتطلق العنان للتعجب والاستغراب، ومناسبة هذا الاستهلال هو ما تناقلته جل وسائل الإعلام العالمية حول انتقال عدد لا يستهان به من اللاعبين من بطولات احترافية مختلفة، وخاصة من الليغا الإسبانية، إلى الدوري السعودي، وهم في “أرذل العمر الكروي”، في ما يشبه رحلة أو هجرة إليه، يمكن أن نسميها بموسم الهجرة إلى الدوري السعودي، أو كما يطلق عليها الصحافي المقتدر بجريدة “الأخبار” حسن البصري اسم “الليغا السعودية”، وهو محق في ذلك إلى أبعد مدى، فالعارفون بخبايا الكرة والضالعون في متاهاتها ودواليبها، يعلمون جيدا سر هذه التعاقدات الخيالية التي تكلف ميزانيات الأندية المتعاقدة مع هذه الشرذمة من اللاعبين مبالغ خيالية، وأنا لن أدخل في هذه التفاصيل بقدر ما سأطرح فقط بعض الأسئلة حول ماذا ستجنيه أولا المملكة العربية السعودية كدولة، من هذه الصفقات الخرافية؟ وثانيا، ما هي طبيعة الإضافة التي سيقدمها هؤلاء اللاعبون الذين تجاوز أغلبهم الثلاثين من عمرهم اللهم إذا كانت هاته الفرق لا تهمها النتائج أو الأرباح بقدر ما تهمها الشهرة وتقريب هؤلاء اللاعبين المخضرمين للجمهور السعودي لكي يشاهدها عن قرب ؟
من نافلة القول، أن حضور هؤلاء اللاعبين العالميين في الدوري السعودي لكرة القدم، سيجعل هذا الدوري مثار اهتمام الجمهور الرياضي العربي والعالمي، وسيجعل عشاق هؤلاء اللاعبين يتابعونهم ويحضرون إلى الملاعب لمشاهدتهم ومتابعة أدائهم، مما يؤجل تقاعدهم بشكل أو بآخر ما دامت هذه الأندية السعودية تضخ في حساباتهم البنكية مبالغ خيالية تعادل ميزانية بعض الدول العربية الفقيرة، وأنا جد متأكد أن الهدف من قبول هؤلاء اللاعبين اللعب ضمن هذه الأندية السعودية هو المال أولا وأخيرا، ومن لا يزال لديه مشروع غير مكتمل أو لم يشتر جزيرة أو شيئا من هذا القبيل، فهذه هي الفرصة لإكمال وتتميم مشروعه وحلمه والعيش في بحبوحة من الترف والبذخ كما هو معروف عنهم، علما أن كرة القدم مجال استثمار وصناعة قائمة بذاتها تضاهي الغولدينهات العالمية وهدفها الربح، وشراء هؤلاء اللاعبين من طرف هذه الأندية السعودية لا يخرج عن هذا الإطار، ومما لاشك فيه، أن هذه الأندية ممكن أن تجني من وراء هذه الصفقات أموالا طائلة نتيجة الإشهار والنقل التلفزي والجمهور، ولكن في نفس الوقت يمكن أن تخسرها، ولكن يبدو أن حساب الربح والخسارة لا تفكر فيه هذه الأندية بحكم أنها أندية غنية ولها موارد مالية كبيرة يعجز العقل عن تقبلها وهضمها.
صحيح أن وجود لاعبين من هذه الطينة في الدوري السعودي سيعطي لهذا الدوري نكهة خاصة، ومن دون شك أن احتكاك اللاعب المحلي بهؤلاء اللاعبين سيزيد من حماسهم والثقة في أنفسهم وتطوير مستواهم، وسيجعل من جهة أخرى الدوري السعودي يحظى بمكانة محترمة بين الدوريات المحترمة في القارة التي ينتمون إليها، لكن الخوف كل الخوف هو حول مستوى هؤلاء اللاعبين، هل سيبقى قارا أم سيتطور، أم سيضعف؟ لنجد أنفسنا أمام مفارقة، هل سيتم استثمار هؤلاء اللاعبين من أجل حصد الألقاب، أم فقط من أجل تلميع صورة النادي والدوري؟ ونقول بعد مرور الوقت أن اللاعب العالمي الفولاني مر من هنا وحسب، ونجعل ذلك مفخرة تاريخية وذكرى على مر الزمان.
بغض النظر عن الخلفيات والدواعي وحتى الأهداف التي جعلت هذه الأندية السعودية تتعاقد مع هؤلاء اللاعبين وبتلك الأرقام التي لا يصدقها العقل، فإنني أرى في ذلك مبالغة كبيرة، حيث كيف يمكن تفسير انتقال لاعب يدنو من نهاية مشواره ومساره الرياضي إلى فريق مقابل مبلغ مالي أكبر من المبلغ الذي تلقاه في بدايته الاحترافية أو حتى حينما كان في أوج عطائه؟ وما سر هذا السخاء الحاتمي الذي تبديه هذه الأندية مع هؤلاء اللاعبين؟ هل إلى هذه الدرجة تبدو تلك الأندية غنية، أم المسألة تنطوي على خدع لا يمكن أن يعرف خباياها إلا الراسخون في الرياضة وزبانيتها؟ وأخيرا، ماذا يقول الرأي العام السعودي في هذه العملية، وهذا الذي يحدث أمام أعينه؟ هل تحققت جميع مطالب المواطن السعودي ولم يعد ينقصه أي شيء على جميع المستويات لتصرف هذه الملايير من الدولارات على شرذمة من اللاعبين بدأ مستواهم في التراجع؟ هل انتهت السعودية من جميع المشاريع التنموية التي تخدم المواطن السعودي حتى تطاوعها نفسها على تسمين الحسابات البنكية لهؤلاء اللاعبين التي بدأ تاريخ نهاية صلاحيتهم يلوح في الأفق ؟