بين السطور | الملكية تلمح لكم: “دخلوا سوق راسكم”


سبق أن قال أحد السلاطين المغاربة: “احنا اللّي بغيناه عذبناه واللي كرهناه قتلناه، واللي رضينا عليه هو اللي ما عرفنا ما عرفناه”.. مقولة من سطرين، تحمل معها مئات المعاني(…)، وبما أن القتل توقف عند عهد السلاطين، وربما لم يكن، ففي زمن الملوك، يمكن تلقي الفكرة واستيعابها من زاوية مختلفة، المهم هو أن مفهومها يبقى صالحا لكل زمان ومكان، زمن ربما أصبح فيه القتل يوازي الإبعاد.. والفكرة قد تكتمل وتشكل صلة وصل بين عهد السلاطين وعهد الملوك(…)، لما نستحضر ما قاله هارون الرشيد في هذا الصدد: “إنّنا معشر الملوك إذا غضبنا على أحد من بطانتنا.. ثم رضينا عليه بعد ذلك، بقي لتلك الغضبة أثر لا يُخرجه ليل ولا نهار”.
فبعد وقت لاحظنا فيه وفاة عدد من مستشاري صاحب الجلالة، خلال السنوات الأخيرة، مصطفى الساهل، زليخة النصري، وعبد العزيز مزيان بلفقيه، رحمة الله عليهم والدوام لله.. أعادت وفاة المستشار الملكي محمد المعتصم بداية هذا الشهر، بعد الترحم عليه طبعا، الحديث في الأوساط والصالونات، وحتى المقاهي(…)، عن أحوال من تبقى منهم، بين من يهمس إلى الأجواء المعكرة بين صاحب الكنية “العالية” وصاحب “الجيل الجديد”.. الذي يواخذه على التدخل في الأمور العائلية التي لا تعنيه(…)، وبين من يتساءل عن سر التخفيف من الظهور(…)، ومن يُجيب بتسمية من لا يظهر أبدًا، ومن لم يعد يميز بين من هم المُقَرَّبون اليوم، ومن هم المُبعَدون، ومن ظهوره مُخيّر، ومن ظِلّه مُسيَّر..
وبما أن التاريخ يعيده نفسه دائما وأبداً(…)، فالنبش فيه نادرا ما يبخل في إفادتنا، والحالة هاته، تدفع الواحد منا – كل مرة – إلى الاستنتاج بأن المربع الملكي كما هو مدلوله، يبقى مسور الجدران من أربع جهات، مقفول إذن، وربما يصح في حقه ما قيل في حكاية ألف ليلة وليلة: “داخله مفقود والخارج منه مولود”، لتبقى أمور المربع تخص المربع فقط، أما الناس الذين يصح فيهم قول: “اللي ما عرفناهم ما عرفونا”، أي أولئك الذي نالوا رضى السلطان، فعليهم أن يفهموا اليوم أن الأساس والأساسي، هو أن علاقة الوطن بالمربع الملكي لا ترتبط إلا من خلال المصلحة المشتركة، ما دام المربع الملكي يشكل عنصرا تتوفر فيه شروط الأمانة في رئيسه والسير المستقيم بين العاملين فيه، من مدير الديوان الملكي، إلى آخر “مخزني” واقف في باب البنيقة..
الأهم اليوم، هو أنه دستوريا، وسياسيا، ووطنيا، ومنطقيا، يفترض في الديوان الملكي أن يكون صلة الوصل بين الملك والحكومة، وفي نفس الوقت، بريداً مفتوحا بين القصر والشعب، أما أعضاؤه، فسبق أن قال فيهم الحسن الثاني يوم عيّن في يوم واحد كلا من رضى اجديرة وبوطالب وإدريس السلاوي وأحمد بنسودة، أعضاء في الديوان الملكي: “المستشارون هم خلصائي وجلسائي، فلا أختارهم إلا من بين الذين يعرفونني وممن لا يضايقني أن أستقبلهم ولو في غرفة نومي، وحتى من دون أن أكون قد غادرت الفراش”.
فمن عهد هارون الرشيد، ملك الملوك، إلى زمن الملك الحسن الثاني، مرورا بعهد السلطان المتخصص في القتل(…)، كلهم يلمحون لكم، ما دام كل واحد يلعب دوره(…) خارج أبواب القصر، أما داخل الأسوار: فـ”دخلوا سوق راسكم..”