للنقاش | التلاميذ الغشاشون.. ضحايا منظومة تعليمية فاشلة

يعود الحديث مع قرب نهاية كل موسم دراسي عن علبة “ظاهرة الغش” السوداء، التي لم تتمكن منظومة الحياة البشرية من فك شيفراتها والتخلص منها، وطبعا لا يمكن أن نحمل التلاميذ الغشاشين مسؤولية جرم الغش، ونعتهم بالمجرمين وتهديدهم بالسجن والعقاب والطرد، ولا يمكن الاكتفاء بتنبيه أسرهم وإرغامهم على توقيع التزامات تؤكد عدم إقدام أبنائهم (تحت طائلة المحاسبة القانونية) على استعمال الغش عند الامتحانات الإشهادية، لأن الكل مسؤول عن تفشي هذه الظاهرة، بداية من القصور الواضح في المنظومة التربوية على مستوى البرامج والمناهج وطرق تعلم اللغات، مرورا بالأسرة والمحيط الاجتماعي والواقع المعيشي، ووصولا إلى قيمة الشواهد العليا المحصل عليها وعلاقتها المشبوهة بأسواق الشغل (بالقطاعات العمومية والخصوصية).. كل هذا يبرز بجلاء الأهداف والغايات من قطاع التعليم، الذي يفرز لنا أجيالا غير مبدعة ولا مبادرة في الأغلب، أجيال مفتوحة الشهية، مدمنة على الاستهلاك فقط.

الجهل بطرق التحصيل يضلل التلاميذ
مع الأسف الشديد، نادرا ما يسلك التلميذ أو الطالب المسار الصحيح من أجل التحصيل الجيد والجاد للدروس التي يتلقاها يوميا داخل المؤسسة التعليمية، نادرا ما نجد التلميذ والطالب مهتما بتنظيم دفاتره، ومداوما على تحرير الدروس وتدوين الملاحظات الشفوية التي تصدر عن الأستاذ، والتي لا تتضمنها ملخصات الدروس، والمفروض أن يعد لها التلميذ والطالب دفترا خاصا لاعتمادها عندما يكون بصدد مراجعة دروسه بالمنزل، ونادرا ما يبادر التلميذ والطالب إلى تخصيص ساعة أو ساعتين يوميا على أعلى تقدير من أجل مراجعة واستيعاب كل الدروس التي تلقاها خلال ذلك اليوم حتى يكون قادرا على مواكبة دروس وشروحات الأستاذ في اليوم الموالي..
فلو اعتمد التلميذ والطالب الحفظ والتحصيل والفهم اليومي، لما وجد صعوبة في الإعداد لأي امتحان كان، إشهاديا أو فرضا عاديا، ولو اعتمد المسار الماراطوني الذي يبدأ ببداية الموسم الدراسي عوض اللجوء إلى السرعة المرهقة والمكلفة نفسيا وبدنيا، لتمكن من الحصول على استعداد جيد يمكنه من اجتياز الامتحانات بسلاسة وتفوق وبأقل جهد، وعوض الشعور بالعجز والإحباط وسلك أساليب الغش والتلاعب من أجل الحصول على نقط غير مستحقة، وقد ينتهي بغالبية المحبطين والغشاشين إلى التكرار والطرد، وربما السجن.
للأسف، ترسخت لدى معظم التلاميذ والطلبة مفاهيم وأساليب بيداغوجية خاطئة للإعداد لاجتياز الامتحانات العادية والإشهادية، والتي تعتمد على الشحن السريع للأدمغة بمعلومات لا تلبث أن تضيع بسبب سوء التخزين والتكديس العشوائي، وغياب أدنى تركيز وتدقيق في كيفية استخراجها واستعمالها للرد على أسئلة الامتحانات المختلفة.
فمعظم التلاميذ والطلبة يعتمدون “الدوباج” المدرسي والجامعي كآلية لمواجهة الامتحانات والفروض، حيث يقضون معظم فترات السنة الدراسية والجامعية في اللهو والترفيه إلى حين اقتراب مواعيد الامتحانات والفروض، لينكبوا على الحفظ والفهم والاستيعاب المكثف بعشوائية للدروس المبرمجة للتقييم، وتبدأ معها رحلات البحث عن أساليب جديدة للغش لدعم ذلك المجهود الذي يعرفون مسبقا أنه لن يكون مفيدا لهم عند الامتحان، بل إن عمليات تحصيل وشحن المعارف والمكتسبات والمهارات في كل الشعب والمسالك بتلك الطرق العشوائية، تنتهي بمجرد اجتياز الامتحانات، ويخرج التلاميذ والطلبة من قاعة الامتحان بأدمغة فارغة من كل تلك المعلومات التي دسوها فيها قبل أيام، حيث يتم تلقائيا تفريغ كل ما قضوا الليالي والأيام في شحنه، فلا أحد ينبههم إلى ضرورة سلك طرق للحفظ والاستيعاب والتحصيل التدريجي اليومي باعتماد الكيف لضمان الاحتفاظ بتلك المعارف داخل الأذهان، ليس من أجل اجتياز امتحان أو مباراة، ولكن من أجل توظيفها في عمليات التحصيل الموالية بالمستويات الأعلى، لأن التخلص منها يعيق عملية تحصيل معارف جديدة.
مع الأسف، يدخلون طوال سنوات الدراسة في دوامة الشحن والتفريغ السريعة، فيفقدوا مهارات الشحن بسبب تضاعف صعوبة التحصيل، وتنتهي مساراتهم التعليمية بدون كفايات ولا مهارات لمواجهة الحياة، حتى وإن تمكن بعضهم من الحصول على شواهد عليا ودبلومات، باعتماد ما علق في أذهانهم من جزيئات معرفية.
ما يتعرض له التلاميذ والطلبة أثناء اجتيازهم للامتحانات من تعثرات واضطرابات نفسية و”بلوكاج”، هو بسبب لجوئهم إلى “الدوباج” والشحن العشوائي، وعدم متابعة التحصيل والفهم بشكل منتظم، إذ لا يمكن أن نحمل العقل البشري ما لا يمكن تحمله، فعندما نشحن التلميذ بالمعلومات في مواد مختلفة بدون تصفيف ولا حسن توظيف، فإنه لا يستطيع الحفاظ على كل الحمولة إلى الأبد، فيحرص على حملها إلى غاية يوم الامتحان فقط، وبعدها بدقائق وربما لحظات، يفرغ كل الحمولة، وقد لا يوفق في المضي قدما حتى موعد الامتحان، فيصاب باضطرابات وأمراض، ويفقد خيوط كل تلك المعلومات التي راكمها بعشوائية وتسرع، فحتى الشاحنة ذات الحمولة العشوائية والزائدة تبقى عرضة لمخاطر السير، ونادرا ما تنقل الحمولة بدون خسائر وقد تنقلب وتفرغ كل الحمولة مع كل هبة ريح أو منعرج أو فرملة، وقد تتساقط أجزاء من الحمولة على طول طريق الرحلة، لأن الحمولة غير مؤمنة ولا محصنة، لذا علينا بتعليم وفق نظام التنقيط (goute à goute) كما هو معمول به في السقي، وعلينا برغبة مشتركة وحب وتبادل الاحترام، وعلينا بفضاءات مدرسية للهو والترفيه وإفراز التوجهات والهوايات وصقلها، فإذا كان التلاميذ “يتقيئون” كل ما تغذوا به من معارف ومكتسبات علمية وأدبية بمجرد خوضهم لامتحان أو فرض محروس، وإذا كانوا لا يؤمنون بمنطق ترسيخ تلك المعارف في أذهانهم وصقلها، ولا يعترفون بقيمتها في تدبير القادم من الدروس والمناهج، وتدبير الحياة بكل تجلياتها.. فما الجدوى إذن من الرؤية الاستراتيجية ؟
طول المقررات وكثرة ساعات الدراسة
أمن واستقرار التلميذ والطالب النفسي والبيداغوجي، وضمانات التركيز والتحفيز والرغبة في التحصيل والمتابعة.. تتطلب أولا إعادة النظر في المناهج والبرامج التعليمية، ليس فقط من حيث المحتوى، ولكن من حيث الكم وطول المقررات، وهو ما يحد من التحصيل الدراسي لدى المتلقي ويعيق المدرس، والأمر هنا لا يتعلق فقط بعدم توافق الساعات المخصصة لبرامج كل مادة دراسية مع المحتوى الدراسي، ولكن يتعلق أكثر بفرض جلوس التلميذ لمدة أربع ساعات في وضعية غير صحية، وإرغامه على الانتباه والتتبع والتحصيل لدرجة أن هناك تلاميذ يكتمون حاجاتهم البيولوجية والنفسية خوفا من سوء فهمها من طرف الأستاذ، علما أن الحركية تنعش الذات وتعين العقل على التفكير وحسن التدبير.. ألا يكفي أن يدرس التلميذ لمدة نصف يوم فقط، وفسح المجال للثقافة والترفيه والرياضة في النصف الثاني ؟
تعليم بلا منطق ولا فلسفة
ليست وحدها عشوائية التحصيل والحفظ التي يسلكها معظم التلاميذ والطلبة، هي سبب عدم القدرة على مواجهة الامتحانات، ولا حتى واقع مستقبل التعليم المتردي بسبب ضبابية المسالك والشعب وغياب جسور واضحة للشغل، ولكن هناك سبب ثاني يغفل عنه الكثيرون، يتمثل في غياب تعليم مبني على المنطق، وعدم ترسيخ بيداغوجية المنطق المفروض اعتمادها في كل سلوكات وتفاعلات التلاميذ، والمفروض أن يكون التلميذ والطالب جسورا ومنافذ منطقية تمكنه من إحداث طرق وأساليب التحصيل والتجاوب.
فمادة الرياضيات التي ينفر منها التلاميذ والطلبة (الأدبيون)، المراد منها تكوين عقول ذكية ومنفتحة وقابلة للتحليل والنقاش والاقتراح والابتكار والتحصيل والحفظ، ودروسها هي حصص تدريبية للعقل تمكنه من تربية ذهنية، سواء كان المتلقي علميا أو أدبيا، وتدريس الرياضيات لا يعني شحن التلاميذ بالتعاريف والخاصيات، ولكن تعني ترويض العقل على التفاعل والتجاوب مع كل ما يعترضه، وتجعله قادرا على ابتكار آلة، وكذا على كتابة رواية أو سيناريو أو حل لغز قضية ما أو جريمة… فالرياضيات هي رياضة العقول كما التربية البدنية هي رياضة الأجساد، ولا يمكن أن نؤثث لجسد سليم بواسطة عقل غير سليم، وأهم درس في الرياضيات هو درس المنطق، الذي خصصت له حصص قليلة في برنامج مادة الرياضيات.
ألم يحن الوقت لإعادة النظر في البرامج والمناهج التعليمية الخاصة بمادة الرياضيات على المستوى الثانوي (الإعدادي والتأهيلي)؟ وخصوصا ما يفترض أن يتوفر عليه التلاميذ من عتاد لاستيعاب المفردات التي تفتح بها الأسئلة (برهن، بين، استنتج، تحقق…)، وإتقان طرق الاستدلال بناء على تلك المفردات، وتحصيل ما يلزم من عبارات وروابط منطقية تمكن من تيسير عمليات التعلم والتطبيق والفهم الجيد، وكذا إعادة النظر في مجموعة من المصطلحات التي تم اعتمادها بالمغرب فقط عند تعريب الرياضيات، علما أنها غير معتمدة عربيا، وأنه لا امتداد لها عند حصول التلاميذ على شهادة الباكالوريا.
قصور البرامج والمناهج الخاصة بمادة الرياضيات، يعتبر من بين أسباب تدني مستويات التلاميذ علميا ونفور بعضهم، وهي أزمة وجب إحداث لجنة وطنية علمية من أجل إيجاد بدائل، ولا يمكن بأي حال من الأحوال التغاضي عنها، أو محاولة تجاوزها بالحديث عما قد يحققه التلاميذ والطلبة من إنجازات علمية وطنيا أو دوليا.
الحقيقة، أنه لم يعد للمنطق العلمي المفروض ترسيخه في أذهان وعقول كل التلاميذ، أي أثر في البرامج والمناهج المعتمدة بكل الأسلاك التعليمية بعد أن أصبح “المنطق” مجرد درس من بين مجموعة دروس غامضة، يدرس في ثمان ساعات لتلاميذ مستوى الأولى الباكالوريا بكل شعبها الأدبية والعلمية والتقنية فقط، والمفروض أنه المنطق اللازم لبناء فقرات الدروس وتركيبتها وتسلسلها وترابطها وتدرجها، المنطق الذي يوفر الآليات الديداكتيكية وطرق الاستدلال والبرهان لتبيان وتوضيح البيانات والمبرهنات والعمليات المعقدة، والكفيل بمد التلاميذ بالأساليب اللازمة لحل المسائل والتحقق من النتائج وتحقيق الأهداف التعليمية، إذ ارتأت الوزارة ومديرية البرامج، أن تحرم منه تلاميذ المستويات الابتدائية والإعدادية وشعب الجذع المشترك، عكس ما كان في المناهج الفرنسية، علما أن تلاميذ تلك المستويات مجبرون على التعامل منطقيا مع مجموعة من الدروس، وخصوصا العلمية منها، التي تتطلب طرقا وأساليب منطقية صرفة لفهمها والإجابة عن تمارينها وفروضها، ليجد التلميذ نفسه مجبرا على الاستدلال بعشوائية وضبابية واستعمال روابط غير منطقية، فعلى سبيل المثال لا الحصر، يمكن الحديث عن مادة الرياضيات، التي تفرض على التلميذ اكتساب تعاريف وخاصيات ومبرهنات ومسلمات، والاستفادة منها من أجل الإجابة على مجموعة من التمارين، حيث يضطر تلميذ بالثانوي الإعدادي أو الجدع المشترك، لاعتماد طرق غير منطقية بروابط غير علمية، من قبيل: (بما أن.. فإن، إذن، لكن، وحيث، نستنتج، ومنه…) عوض الروابط المنطقية العلمية (الاستلزام، التكافؤ، الفصل، العطف…)، وعوض الطرق الاستدلالية التي تحكمها ضوابط وشروط علمية، بل إن درس المنطق يمر على أذهان التلاميذ مرور الكرام كباقي الدروس دون أن يترسخ ضمن الآليات الأساسية للاستدلال والبرهان العلمي لدى التلاميذ، حيث يتخلص هؤلاء من كل ما جاء فيه، ويعودوا للتعامل بعشوائية مع كل الدروس العلمية وتمارينها، فبفضل المنطق يمكن للتلميذ أن يدرك أن الصحيح لن ينتج سوى الصحيح، وأن الخطأ يمكن أن ينتج الخطأ والصحيح.. ويمكنه أن يدرك المعنى الحقيقي للشيء وضده.. وأن ضد “الواقف” ليس هو “الجالس”، بل هو “غير الواقف”، وأن ضد “الأبيض” ليس هو “الأسود”، بل “غير الأسود”، وأن يعلم كيف يختار طرق الاستدلال المحددة في درس “المنطق” لحل كل التمارين والمسائل، وكيف يتحقق من ردوده ونتائجه.. تعليم بلا منطق علمي ولا فلسفي، خصوصا بعد أن تم تهميش مادة الفلسفة وتجريدها من حق الأمومة المكتسب لكل العلوم والثقافات، وحصرها ضمن خانة باقي المواد الأدبية، ببرامج ومناهج غير محفزة للتلاميذ والأساتذة، حيث الكل يستدل ويناقش ويحلل ما دونه فلاسفة القرون السالفة، ولم نعد نسمع عن مواقف وآراء ومذاهب فلسفية جديدة.. فقد أريد لتلك المادة أن تكون ضيفا ثقيلا على التلاميذ، بالكاد يحرصون على حضور حصتها الأسبوعية، حيث يغيب المنطق العلمي والترابط بينها وبين المواد العلمية، “الفلسفة أو كما لقبت سابقا بـ”أم العلوم”، لم تعد تربطها أي صلة قرابة بالمواد العلمية.
الكتاب المدرسي.. كم بلا كيف
لم يعد للكتب المدرسية أي دور في التحصيل الدراسي بالنسبة لمجموعة كبيرة من الأطر التربوية، بل إن كتاب التلميذ المدرسي يشكل في معظم الأوقات عائقا أمام التحصيل الجيد، ويؤدي به إلى التيهان، لذلك يجب على الوزارة الوصية أن تتوقف عن اعتماد الكم عوض الكيف في تدبير برامجها التربوية ومناهجها الدراسية، لأنها تسببت في إثقال كاهل التلميذ وأضرت بمالية الأسر، وفقد المدرس والتلميذ الثقة في تلك الكتب، ويبقى الاقتصار على استغلال بعض أنشطتها وتمارينها.. كتب أفقدت التلاميذ شهية القراءة والحفظ والرغبة في التحصيل، وبعضها رسخ لديهم أفكارا وسلوكات غير متزنة، كتب مدرسية من المفروض أن تساعد التلميذ في تعليمه، وأن تشكل إلى جانب المدرس، حضنا دافئا لضمان تحصيل جيد، إلا أن تنوعها ومحتوى ومضامين بعضها بات يشكل عائقا يزيد من تأزم العملية التعليمية.
كتب مدرسية من المفروض أن تمر عملية اعتمادها من مراحل، تبدأ بتجريبها داخل مدارس نموذجية، والتأكد من صحة محتوياتها اللغوية والبيداغوجية ومدى موافقة برامجها بالمناهج التعليمية اللازمة، لكن لا شيء من هذا يطبق، بل إن بعض مؤلفي وناشري تلك الكتب، يتأخرون حتى في إصدارها مطلع كل موسم دراسي، حيث يمر الدخول المدرسي ويبقى التلاميذ يترقبون صدور تلك الكتب، التي غالبا ما تكون بها أخطاء لغوية أو معلوماتية أو بيداغوجية، لتبدأ رحلة التصحيح من طرف المدرسين والمفتشين التربويين، وانتظار صدور طبعة ثانية معدلة، وأكثر من هذا، فالوزارة الوصية ترغم على القبول بعدة كتب مدرسية لنفس مادة التدريس، خاصة بنفس المستوى الدراسي، عوض اعتماد كتاب مدرسي واحد، وهنا تبدأ عملية إرضاء المؤلفين والناشرين على حساب التلاميذ والأساتذة.
بدون لغات لا يمكن استيعاب الدروس
واقع الحال يؤكد أن الوزارة الوصية غير جادة في إيجاد حلول ناجعة لفك عقد تدريس اللغات، وتمكين التلاميذ من برامج ومناهج قادرة على تسهيل عمليات التعلم اللغوية، فما نراه ونلمسه من تغييرات وبدائل لا يمكن أن يمهد لتدريس جيد وعقلاني للغات، ويظهر بجلاء أن الهدف والمراد هو ضرب اللغة العربية، وفرض تعليم اللغتين الفرنسية والإنجليزية لضمان استمرار الاحتلال الفكري الغربي، وكثيرا ما طرح آباء وأولياء أمور التلاميذ استفسارات عديدة حول سبب عدم تمكن أبنائهم من استيعاب مواد اللغة الفرنسية والإنجليزية والإسبانية، وكيف أنهم يقضون السنوات الطوال يدرسون تلك المواد ولا يستطيعون نطق حتى جملة صحيحة بها، فاللغة الفرنسية تدرس كمادة بداية من الفصل الثالث ابتدائي، والإنجليزية أو الإسبانية تدرس ابتداء من مرحلة الإعدادي، مما يجعل الحاصل على شهادة الباكالوريا يكون قد استفاد من دراسة الفرنسية لمدة على الأقل عشرة مواسم دراسية، والإنجليزية أو الإسبانية لمدة تفوق الأربع سنوات، هذا عن التعليم العمومي، أما بالتعليم الخصوصي، فإن التلاميذ يدرسون اللغات حتى قبل دخول المستوى الأول ابتدائي.
سنوات عديدة يقضيها التلاميذ في دراسة اللغات بالمؤسسات الابتدائية والثانوية، والنتيجة أننا نحصل على حاملين لشهادة الباكالوريا بمختلف شعبها لا يفقهون شيئا في تلك اللغات التي يجدونها المسلك الوحيد لإتمام دراستهم الجامعية، وأمام هذه النتائج، ارتفعت بعض الأصوات مجددا تطالب بإلغاء التعريب بصفة نهائية، وإعادة التعليم في مراحله المختلفة باللغة الأجنبية كما كان في عهد الاستعمار وبعده بسنوات خلت.. فقد فرضت الحماية اللغة الفرنسية داخل المؤسسات التعليمية والإدارات العمومية والخاصة بالمغرب، وظلت ثابتة بعد الاستقلال، ومنحت لها الشرعية والاستمرار في ميدان التعليم والتربية وتكوين الأطر، واستطاعت فرنسا بفضل تلاميذها الذين كونتهم، وعملائها الذين احتضنتهم، من اختراق نظام التربية والتعليم، وانتهاج سياسة تعليمية هدفها محو اللغة العربية وكل ما تجر وراءها من عقيدة إسلامية وتراث وتقاليد مغربية أصيلة، ولم تتمكن كل الحكومات التي تعاقبت على تسيير البلاد المستقلة من إحداث تعليم وطني إسلامي مستقل رغم ما سبق وأعلن عنه من المبادئ الأربعة خلال أول لقاء عقدته اللجنة الملكية لإصلاح التعليم بتاريخ 1997.9.28، وهي التعريب، التعميم، التوحيد، والمغْرَبة، ليظل العقل الفرنسي راسخا في أذهان المغاربة، يسيطر على أدمغتهم التي تعتبره القائد والقدوة في كل مجالات الحداثة، ويصبح المغاربة تائهين.. لا هم قادرون على المشي ولا على القفز.