المنبر الحر

المنبر الحر | نحو اقتراح خطة لمحاربة الفساد (2)

بقلم: ذ. عبد الواحد بن مسعود   

من هيئة المحامين بالرباط

    في إطار محاربة الفساد، تطرق دستور 2011 في الفصل 89، لحالة الاستثناء، ودخل تعديل مهم على هذا الفصل، وأصبحت كالتالي: ((إذا كانت مصلحة التراب الوطني مهددة، أو وقع من الأحداث ما يعرقل السير العادي للمؤسسات الدستورية، أمكن للملك أن يعلن حالة الاستثناء بظهير بعد استشارة كل من رئيس الحكومة ورئيس مجلس النواب، ورئيس مجلس المستشارين، ورئيس المحكمة الدستورية، وتوجيه خطاب إلى الأمة، ويخول الملك بذلك صلاحية اتخاذ الإجراءات التي يفرضها الدفاع عن الوحدة الترابية، ويقتضيها الرجوع، في أقرب الآجال، إلى السير العادي للمؤسسات الدستورية. لا يحل البرلمان أثناء ممارسة السلطات الاستثنائية. تبقى الحريات والحقوق الأساسية المنصوص عليها في هذا الدستور مضمونة. ترفع حالة الاستثناء بمجرد انتفاء الأسباب التي دعت إليها. وباتخاذ الإجراءات الشكلية المقررة لإعلانها)).

فإذا قمنا بتحليل هذا الفصل وما أتى به من مستجدات في موضوع الإعلان عن حالة الاستثناء، وعدم هدر الحقوق، أو تعطيل المؤسسة الدستورية ومنها البرلمان، نستنتج ما يلي: إن المشرع لم يبين نوع التهديد ونوع الأحداث التي تعرقل السير العادي للمؤسسات الدستورية، وترك أمر تقديرها وتقدير خطورتها  للدراسة والمناقشة وتحليل الوضعية، لاسيما مع الجهات المذكورة في ذلك الفصل، أي رئيس الحكومة ورئيس مجلس النواب ورئيس مجلس المستشارين ورئيس المحكمة الدستورية، ثم إخبار الشعب بخطاب ملكي يبين الأسباب الداعية إلى الإعلان عن حالة الاستثناء، كل ذلك حتى لا يقال أن الملك اتخذ قرارا فرديا  أحاديا في موضوع الإعلان عن حالة الاستثناء ولبيان الأسباب والموجبات التي دعت إلى اتخاذ ذلك الإجراء، وهذا يعد من باب احترام النصيحة والاستشارة قبل اتخاذ قرار حاسم، ومن باب تعليل جميع القرارات المهمة التي قد ينعكس أثرها على كيان الدولة برمتها، ومن مستجدات هذا الفصل، أن مدة حالة الاستثناء يجب أن تكون قصيرة ما أمكن، حيث أن المشرع الدستوري ذكر الرجوع إلى الحالة  العادية في أقرب الآجال، كما نص ذلك الفصل على أن البرلمان لا يحل أثناء ممارسة السلطات الاستثنائية، لتبقى المناقشة والاستفسارات والأسئلة تروج داخل البرلمان بغرفتيه، وليحاسب كل مسؤول عن تطبيق الخطة التي دعت إلى الإعلان عن حالة الاستثناء، والإصلاحات الجارية والنتيجة الايجابية التي أسفرت عن تطبيق الخطة، ومن أهم المستجدات أيضا، أن الإعلان عن حالة الاستثناء ليس معناه تعطيل ممارسة الحريات والحقوق الأساسية المنصوص عليها في دستور المملكة، وليس معناه كبت حرية التعبير، وتقييد حرية الصحافة،  وهدر مبدأ البراءة هي الأصل، وعدم احترام استقلال السلطة القضائية، واحترام حق الدفاع، وتطبيق القانون في عملية التفتيش، فتلك الحريات والحقوق الأساسية منصوص عليها في دستور المملكة من الفصل 19 إلى الفصل 40 ومنصوص عليها في قانون المسطرة الجنائية والقوانين الخاصة المتعلقة بحماية المال العام، وأملاك الدولة، ويبقى من حق حماية الدولة اتخاذ الإجراءات الكفيلة بحماية ترابها، وحماية مؤسساتها، ومنع المفسدين من الفرار من وجه العدالة، وعقود الممتلكات، والحسابات البنكية.. كل ذلك حتى لا يقال في المحافل المغرضة أن حالة الاستثناء ترمي إلى تصفية حسابات، أو نكسة للإطاحة بالنظام الديمقراطي، وهذا اقتراح يدخل تحت مقتضيات الفصل 25 من دستور المملكة، الذي ينص على أن حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها.

وقبل الإعلان عن حالة الاستثناء، تكون الجهة المشرفة على محاربة الفساد تتوفر على برنامج يشخص الداء ويقترح الدواء، ويضع خارطة طريق واضحة المعالم،  ثم يقع الاختيار والانتقاء من النزهاء والكفاءات والدراية، رجالا ونساء، ويعاد النظر في قوانين الانتخابات، وتحديد مدة الولاية، والتصريح بالممتلكات قبل الدخول في أي عملية انتخابية، أو القيام بمهمة رسمية، وإقصاء وإبعاد المشبوهين، وإعداد محاضر تتضمن سير خطة الإصلاح للرجوع إليها عند الاقتضاء، وفتح الحوار مع المجتمع المدني ليطلع بكل شفافية على سير البرنامج الإصلاحي والنتيجة التي أسفر عنها، ثم يعلن عن العودة للحياة العادية، وتعود المياه إلى مجاريها بعد تنقية مسالكها من جميع المعوقات.

انتهى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى