المنبر الحر | هل يسبب الهوس بمتابعة كرة القدم تخلف العقل الإنساني ؟
بقلم: زهير أهل الحسين
الهدف من هذا المقال، هو البرهنة على أن الهوس بمتابعة كرة القدم منذ مرحلة اللاوعي المجتمعي إلى غاية استيقاظ العقل النقدي من سباته، هو أحد أسباب تخلف العقل البشري عامة والعقل المغربي خاصة، وهو تخلف يخدم بشكل كبير أجندة السياسي في تأجيل اليقظة السياسية ويدر موارد مالية مهمة على الاقتصادي، لكن له تكلفة باهظة على مستوى تعطيل العقل الجمعي وهدر الطاقة المعنوية التي كان يستحب أن توجه نحو تطوير وضبط المعارف العلمية أو التقنية.
فمنذ النشأة الأولى للطفل، يرتدي قميص ميسي أو رونالدو مثلا، وما هو بميسي ولا رونالدو، بل زيد أو عمر، ثم يتابع مباريات فريقه المفضل على المستوى الوطني أو الدولي، بغض النظر عن متابعة الفريق الوطني الذي يوحد الجميع. وحين أتحدث عن المتابعة، فهذا يعني تضييع الوقت بمعدل ساعتين لكل لقاء ومنها ساعتين لكل 30 مباراة في البطولة الوطنية أي 60 ساعة في العام، ناهيك عن مباريات الكأس والبطولات الأجنبية، ولهواة الإحصائيات، أترك معرفة عدد الساعات التي تضيع في تتبع مختلف المسابقات.
ومن المهووسين، خاصة القاصرين سنا وعقلا، من يصبح ابن بطوطة رياضي، يصاحب فريقه في حله وترحاله، تاركا أبويه في قلق عليه، خصوصا عند الاصطدامات التي قد تقع مع رجال الشرطة أو مع جمهور الفريق المنافس، ومنهم من اعتقل بسبب تورطه في أعمال شغب، يعاقب عليها حسب مقتضيات القانون الجنائي.
ومن أجل تكريس تخلف العقل المجتمعي، يعمل الإعلام على تزكيته من خلال بث قنوات رياضية متخصصة منذ أن عملت قطر على وضع الفيروس الأساس للبث المباشر لمباريات كرة القدم، فصارت المقاهي تعج بزبناء اللاوعي المجتمعي، يصيحون صيحة تزلزل أركان عمارة حينما يسجل هدف هنا وهناك، وحين ينتهي اللقاء أو يشرف على النهاية، ترى الدراهم تتساقط مدرارا على النادل كما تتساقط زخات المطر.
ومن أجل تقريب صورة التخلف المجتمعي، فالمهووس بكرة القدم يوم المباراة، ينهض باكرا من أجل التوجه إلى الملعب، وعليه أن يقتني تذكرة وقارورة ماء وما تيسر من الأكل، وربما يساهم في صنع “تيفو” لفريقه المفضل وإلا نبذ من طرف أصدقائه، وبعد ذلك، يتسمر في مكانه إلى غاية ظهور الفريقين وما يصاحبه من تمرينات إلى غاية بداية اللقاء، بطلها حكم يكون الآمر الناهي وكرة تتدحرج بين 22 لاعبا، وقبل انطلاق اللقاء، يعمل المعلق على تكريس اللاوعي المجتمعي بقوله: “عرس كروي بكل ما تحمله الكلمة من معنى، شيبا وشبابا حجوا عن بكرة أبيهم من أجل مشاهدة اللقاء”، وبعد ذلك يعلق: “اووو تيفو رائع وكأنه لوحة فنية لفنانين، أبدعتها أنامل أنصار الفريق.. فهذا يرمز إلى سور الصين العظيم وهذا إلى شلالات نياغارا”، وهنا أتساءل ماذا لو تم توجيه هذه المبالغ إلى شراء شقق من الحجم المتوسط من طرف نفس المهووسين حيث منهم من يقطن بأحياء الصفيح، والمساهمة في بناء ملاعب القرب عوض ضخ هذه المبالغ في ميزانيات الفرق، وهذا ما يحيلنا على المثل “كاتزيدوا الشحمة في ظهر المعلوف”.
ينتهي اللقاء، يتصافح اللاعبون فيما بينهم ويتبادلون القمصان، ومنهم من يذهب مباشرة إلى سيارته الفارهة من أجل العودة إلى منزله الفخم، أما صناع المجد الذين يزرعون البذور دون أن يأكلوا الغلة، فيخرجون من الملعب وكأنهم تيران هائجة، تلتهم وترفس وتركل وتدمر كل ما تجده في طريقها، معتمدة على قوة القطيع، وفي بعض الأحيان يدوسون على بعضهم البعض بلا وعي ولا رحمة.
وكم حز في نفسي انتشار شعبوية “سير سير” و”دير النية” بعد مونديال قطر، وكأنها حكمة لكونفوشيوس مثل “لا تستعمل مدفعا لقتل بعوض” أو “علم ناقص أشد خطرا من جهل تام لأفلاطون”، فصارت مثل ماركة مسجلة تستعمل في جميع السياقات.. وهذا هو مغربنا، تنتشر الشعبوية فيه بسرعة، لكن يقفون سدا منيعا ضد نشر الوعي بين الناس ومنه أن الهوس بكرة القدم يسبب العديد من الاضطرابات النفسية والتباعد الهوياتي والتعصب الكروي وتضييع الوقت في نقاشات بيزنطية من قبيل من الأفضل في التاريخ.
عودا على بدء، إن المهووسين بكرة القدم أغلبهم لا يمارسونها، وهذه أبرز مظاهر تخلف العقل البشري بصفة عامة، كما أن اقتصاد كرة القدم في صالح الرأسماليين والسياسيين، أما الدهماء والرعاع، فهم فقط حطب التدفئة، لذلك نهرت يوما بشدة “متسولا رياضيا” طلب مني بدارجة مقيتة: “خويا عاون الفرقة” قائلا له: اذهب وتسول أمام باب لاعبي فريقك المفضل، فما أنا بمتعاون معك، ناهيك عن عدم قانونية التسول.
هو افيون للتخدير والتضبيع والسيطرة