تحليلات أسبوعية

بين السطور | أمن البلاد بين كاميرات المراقبة وعيون الناس وقراءة اللطيف

بقلم: الطيب العلوي

    في رده عن سؤال كتابي بالبرلمان هذا الأسبوع، كشف السي لفتيت وزير الداخلية، عن توسيع نطاق مراقبة البلاد بالكاميرات(…)، بما في ذلك الأماكن العامة والشوارع والأزقة، وإذا كان هذا المشروع الضخم قد أتم بالفعل، على حد قول السيد الوزير، 24 مشروعا في هذا الاتجاه، لتركيب أنظمة المراقبة بالكاميرات، وأن 17 مشروعا أخرى ما زالت في مرحلة الدراسة، ومادام أنه ليست لدينا أرقام حول عدد الكاميرات ولا الغلاف المخصص لهذا المشروع(…)، الذي سيساهم بالتأكيد في محاربة الجريمة وزجر المخالفين(…) والحفاظ على الأمن العام، من خلال ضمان سرعة استجابة الأجهزة الأمنية لحوادث السرقة والعنف، وأعمال التخريب، ففي انتظار استكمال هذا المشروع المراقباتي، وحرصا منا على طمأنة السيد الوزير ومعه السيد المدير العام للأمن الوطني، الذي لا شك أنه على دراية بذلك أحسن منا(…)، فإنه مهما كان عدد الكاميرات التي سيتم توزيعها على البلاد، فأساس السلم والأمان بالمغرب هم المغاربة أنفسهم، الذين يقدر عددهم بأربعين مليونا، وإذا احتسبنا عَيْنَي كل واحد منهم.. ما يفسر أن المغرب مُجهز أصلا بما يزيد عن 80 مليون كاميرا وجهاز مراقبة، دون احتساب كاميرات هاتف كل واحد منهم..

إن كل مغربي يُعد جهاز مراقبة، وكل “تبركيكة” أو “حضية” تُعد عملية استخباراتية، وكل فضول مزعج يُعد بحثا معمقا(…)، ما دام في هذا البلد السعيد كل واحد “مُعدَى ومُعدِي” بهذه الظاهرة، التي يعتبرها علم الاجتماع حالة مرضية تعود إلى صفات خاصة بالتنظيم الاجتماعي وصراع الطبقات، ومدى وعي المجتمع، إضافة إلى الفراغ الذي يعيشه الناس ويجعلهم لا يفكرون سوى في الآخرين وأخبارهم.

لكن هذا ليس موضوعنا، وإنما الموضوع هنا هو أن الدول البوليسية(…) لا ترى عيبا في كل هذا، بل تعتبره أداة فعالة للتوصل السريع للمعلومة، ولو عرف المواطنون كيف تستفيد الأجهزة من وقتهم الفارغ، لما تركوا دقيقة واحدة منه..

إن ظاهرة “الحضية” لم تَعُد مجرد أخبار تنتقل عن طريق الجلسات فقط، وإنما تطورت وأصبحت أيضا على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، فبمجرد تلقي الخبر، ينتشر إلى أكبر عدد من الأشخاص، ولم تعد عدوى “الحضية” مقتصرة على النساء فقط كما كان الحال أيام أجدادنا، بل انتقلت إلى الرجال، وصارت تطغى على جلساتهم بالمقاهي عوض الاسترخاء مع الأصحاب فقط(…)، وحتى المراهقين بمن فيهم الميسورين ماديا، وفكريا.. “شي حاضي شي”.. أمور كلها في صالح الأمن، وتخفيف للعبء عن البوليس، وتجعلنا نفهم أن المغرب “محضي”، خصوصا بعيون الناس، وبهواتفهم، وعقولهم، وألسنتهم، أكثر من الكاميرات التي سيتم تثبيتها فقط لـ”تعزيز” أمان البلاد.. هذا المصطلح لم يأت على لسان الوزير لفتيت بالصدفة، لأنه يعرف حق المعرفة أن المراقبين “الكبار” للمغرب هم المغاربة أنفسهم، زيادة طبعا عن “اللطيف”، الذي يحمي الجهات العليا(…)، “يا لطيف يا لطيف”، ذلك التقليد المغربي الأصيل الذي تغلغل في أعماق كل مغربي عبر الأجيال، خصوصا وأنه يصدر عن كل مؤمن وكل مظلوم(…)، وهي حالة الأغلبية الساحقة بالمغرب، التي لا تجد ملجئا إلا في الاستنجاد باللطيف الخبير.. وإن افترضنا أنه أتى يوم تنقطع فيه الاتصالات، وشبكة الأنترنيت، وتنطفئ أنوار الكاميرات، أذكركم بأن أجدادنا عاشوا لقرون رغم كل شيء(…)، دون كاميرا ولا هم يحزنون، وبرهنوا لنا أن “اللطيف” سلاح خطير، وأن قراءته كانت تجري في المساجد، وفي المجالس المغلقة، خوفا من التنكيل، وبعيدا عن آذان البوليس(…)، لكون ضباط الاستعمار كانوا يقدرون خطورتها(…)، لأنهم كانوا يعرفون سرّها..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى