المنبر الحر | نحو اقتراح خطة لمحاربة الفساد (1)
بقلم: ذ. عبد الواحد بن مسعود
من هيئة المحامين بالرباط
يلاحظ من خلال ما نشرته وتنشره الصحف الوطنية، وما تم شرحه، بل وفضحه من خلال المداخلة التي قدمت للبرلمان وهو منعقد بغرفتيه.. مداخلة المجلس الأعلى للحسابات، (يلاحظ) أن هناك خطرا جسيما يحيط بالأمة المغربية برمتها، بسبب الفساد الذي انتشر واستشرى في بعض المرافق والمؤسسات، ونتج عنه هدر المال العام، والتلاعب في موضوع الصفقات، وتزوير الوثائق والمستندات، فكون المفسدون ثروات واستغنوا غنى فاحشا على حساب شعب يعيش ظروفا صعبة، وقد أطلق بعض المحللين على عصابة المفسدين اسم أصحاب الدولة العميقة، أي أصحاب النفوذ واستغلال المناصب، والحصانة، وشراء الضمائر المنحلة، وتقديم الرشوة، والتزوير في العلميات الانتخابية، واختلاس أموال الجماعات الترابية، وغاب عنهم أن الله بصير بما يفعله العباد.
هذه الظاهرة، سبق وأن عمت موجتها، وتصدى لها جلالة الملك المغفور له الحسن الثاني، وقاومها من خلال مرحلتين هامتين، هما: مرحلة إحداث محكمة العدل الخاصة، لمحاربة الرشوة واستغلال النفوذ وجرائم الغدر، والاختلاس، وجرائم التزوير، وتأسست تلك المحكمة لمعاقبة جرائم الموظفين العموميين، والقانون الجنائي عرف الموظف العمومي تعريفا واسعا في الفصل 224 من القانون الجنائي، الذي ينص على ما يلي: ((يعد موظفا عموميا، في تطبيق أحكام التشريع الجنائي، كل شخص كيفما كانت صفته، يعهد إليه في حدود معينة بمباشرة وظيفة أو مهمة ولو مؤقتة بأجر أو بدون أجر، ويساهم بذلك في خدمة الدولة، أو المصالح العمومية أو الهيئات البلدية، أو المؤسسات العمومية أو مصلحة ذات نفع عام، وتراعى صفة الموظف وقت ارتكاب الجريمة))، ومع ذلك فإن هذه الصفة تعتبر باقية بعد انتهاء خدمته، إذا كانت هي التي سهلت له ارتكاب الجريمة أو مكنته من تنفيذها.
أما المرحلة الثانية، فقد جاءت في دستور المملكة الصادر بتاريخ 10 مارس 1972، حيث أشار ذلك الفصل إلى الخطوة الأولى لتطبيق خطة محاربة الفساد، وما يهدد كيان الدولة، وذلك في الفصل 35، الذي جاء سياقه كما يلي: إذا كانت حوزة التراب الوطني مهددة أو وقع من الأحداث ما من شأنه أن يمس بسير المؤسسات الدستورية، فيمكن للملك أن يعلن حالة الاستثناء بظهير شريف بعد استشارة رئيس مجلس النواب، وتوجيه خطاب للأمة، وبسبب ذلك، تكون له الصلاحية، رغم جميع النصوص المخالفة، في اتخاذ التدابير التي يفرضها الدفاع عن حوزة التراب ويقتضيها رجوع المؤسسات الدستورية إلى سيرها العادي أو يقتضيها تسيير شؤون الدولة، وتنتهي حالة الاستثناء باتخاذ نفس الإجراءات المتبعة لإعلانها.
ومن أسباب إعلان حالة الاستثناء، التطاحن بين الأحزاب، والمعارك العنيفة التي شهدها مجلس النواب في ذلك الوقت بدلا من الانكباب على مناقشة مشاريع واقتراحات القوانين التي تخدم البلاد والعباد، ولم ير الملك الراحل رحمه الله أي ضرر في تعطيل سير المؤسسات الدستورية مؤقتا، لأنها خرجت عن جادة الصواب، ولأنه طبق الحديث الشريف “من رأى منكم منكرا فلغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان”، ولم يلتفت إلى التيارات الشاذة التي تعتبر وقف سير المؤسسات الدستورية مؤقتا من شأنه أن يعطل الحياة الديمقراطية في البلاد، لأن علاج الجسم المريض قد يتطلب تخديره لتقف أعضاؤه عن الحركة مدة العلاج، ثم ينتعش المريض ويفيق من تخديره ويواصل حياته بصحة جيدة وعقل سليم.
ومنذ مدة، شعر الملك محمد السادس بخطر تبديد المال العام وكون الثروة المغربية لا يستفيد منها جميع المغاربة، وألقى السؤال أين هي تلك الثروة؟ وظهر أن الثروة المغربية تبدد وتختلس من طرف عصابة قد يطلق عليهم أعداء الوطن، وأصحاب الدولة العميقة، وتلك العصابة مكونة من شخصيات يحتلون مناصب عالية، ويشرفون على تسيير الشؤون العامة لسنوات طوال، ونواب في مختلف المجالس، بينما تعاني طبقة واسعة من أبناء الشعب، من الفقر المدقع، وقراهم من أبسط مقومات العيش، وغياب المرافق الحيوية، مثل المدارس والمستشفيات والطرق لفك العزلة، ويكفي القول أن طائرات الدرك الملكي هي التي تتدخل لنقل المرضى والمرأة الحامل لمستشفى الولادة، ولم يغب عن دستور المملكة الصادر بتاريخ 29 يوليوز 2011، النص في الفصل 89 منه على حالة الاستثناء، ودخل تعديل مهم على ذلك الفصل، وأصبحت صياغته كما يلي: ((إذا كانت مصلحة التراب الوطني مهددة، أو وقع من الأحداث ما يعرقل السير العادي للمؤسسات الدستورية، أمكن للمك أن يعلن حالة الاستثناء بظهير، بعد استشارة كل من رئيس الحكومة ورئيس مجلس النواب، ورئيس مجلس المستشارين، ورئيس المحكمة الدستورية، وتوجيه خطاب إلى الأمة، ويخول الملك بذلك صلاحية اتخاذ الإجراءات التي يفرضها الدفاع عن الوحدة الترابية، ويقتضيها الرجوع، في أقرب الآجال، إلى السير العادي للمؤسسات الدستورية. لا يحل البرلمان أثناء ممارسة السلطات الاستثنائية. تبقى الحريات والحقوق الأساسية المنصوص عليها في هذا الدستور مضمونة. ترفع حالة الاستثناء بمجرد انتفاء الأسباب التي دعت إليها. وباتخاذ الإجراءات الشكلية المقررة لإعلانها)).