المنبر الحر | أين الحركات النسوية من ظاهرة التسول في صفوف العجائز والأرامل ؟

بقلم: عثمان محمود
تبقى الحركات النسوية النشطة داخل فعاليات المجتمع المدني، أكثر حضورا إذا ما قورنت بغيرها من الهيئات والجمعيات، ولا أدل على ذلك تحركاتها في المناسبات الوطنية والدولية التي تخص المرأة، ومواقفها العلنية عندما يطرأ طارئ تكون ضحيته المرأة. هذا فضلا عن تواجدها الفعلي داخل الأحزاب والتنظيمات بمختلف توجهاتها، غير أنه على الرغم من هذا النشاط الملحوظ، فإن هناك مظاهر اجتماعية تبدو فيها المرأة في وضعية مزرية كما لو أنه لا وجود لتلك الحركات التي جندت نفسها للدفاع عن حقوق النساء وصون كرامتهن، وإيصال أصواتهن إلى من تهمهم أمورهن، ولعل في طليعة هاتيك المظاهر الاجتماعية، ظاهرة التسول في صفوف النساء اللائي يجبن الأسواق المحلية، أو يفترشن أرصفة الأزقة والدروب في حالات مزرية، وأجساد منهكة، وهو ما يتطلب التحرك العملي من قبل تلك الحركات النسوية على اختلاف مشاربها، لا نقول للقضاء المبرم على مثل هكذا ظاهرة اجتماعية وصلت إلى درجة الاستفحال، لكن هذا لا يمنع من خوض غمار حرب لا هوادة فيها في وجه مسببات هذه الظاهرة قصد التخفيف من حدة انتشارها، فالنضال من أجل الرفع مما تسلمه صناديق التقاعد إلى الأرامل – على سبيل المثال – خطوة لا يستهان بها في هذا الشأن، إذ إن القدر المالي الذي يسلم إلى بعض الأرامل أهزل من هزيل، فكيف له أن يواجه أعباء الحياة التي لا تزيدها الأيام إلا ثقلا، الأمر الذي يدفعهن إلى التسول لسد الخصاص، وقل نفس الكلام عن التقصير في حق العديد من العاملات اللائي يفنين زهرة الحياة في العمل والكد حتى إذا أفرغن جهودهن، وجدن أنفسهن في نهاية المطاف عاجزات عن مجابهة متطلبات العيش وتوفير الأدوية، فيكون التسول أبسط الحلول أمامهن.
إذن، فنضال الحركات النسوية هنا ضروري لتحسين ظروف عمل النساء في المعامل والضيعات، مع المطالبة بتأمين صحي ملائم، وضمان تقاعد يكفي الحاجيات الأساسية على الأقل، ولا بأس من الوقوف إلى جانب أولئك اللائي كسدت تجارتهن البسيطة فاحتمين مرغمات بالتسول على مدار اليوم حتى ولو تم ذلك على حساب الكرامة والعزة، وحتى لو عرض أجسادهن المتهالكة إلى المزيد من الإنهاك، ولا ينبغي إغفال أمر الأطفال الذين يدفعون بالعديد من المتسولات إلى السير على هذا الدرب، فهم إن لم يكونوا مع أمهاتهم أو جداتهم أثناء التسول، يبقون في طليعة الدوافع المباشرة وراء تنقل أولئك النسوة بين أيدي المتصدقين والمتصدقات من أجل توفير لقمة العيش، لذلك، فإن التفات الحركات النسوية بشكل عملي إلى هذا الصنف من الأرامل، والوقوف إلى جانب أبنائهن إطعاما وكسوة وتمدرسا، من شأنه أن يقلل من انتشار ظاهرة التسول في صفوف النساء، والتي باتت تلفت الأنظار هذه الأيام.
فليكن نضال حركاتنا النسوية عمليا تلمس أثاره على أرض الواقع بدل أن يظل مجرد شعارات تتغنى بها الحناجر في المناسبات التي تكرم فيها المرأة، وليكن المنطلق بالتفكير الجاد في البحث العميق عن مسببات تسول نساء عجائز وأرامل في معية الأطفال أو بدونهم، فالظاهرة أكيد تسيئ إلى المرأة.. أليس كذلك أيتها المناضلات المدافعات في استماتة عن المساواة في الحقوق والواجبات ؟!