تحت الأضواء | فشل مخطط “المغرب الأخضر” يهدد الأمن الغذائي
برلمانيون يؤكدون عجز السياسة الفلاحية
الرباط. الأسبوع
اتهمت فرق المعارضة البرلمانية رئيس الحكومة عزيز أخنوش، بالعجز عن حل المشاكل التي يعاني منها المغاربة جراء استفحال أسعار العديد من المواد الأساسية والخضروات والمحروقات، واتساع دائرة الفقر والبطالة، منتقدة “المخطط الأخضر” والسياسة الفلاحية للحكومة التي لم تحقق الاكتفاء الذاتي والسيادة الغذائية للمواطنين، في ظل تدهور القدرة الشرائية وارتفاع تكلفة القفة اليومية.
وكشفت فرق المعارضة العديد من النقاط السلبية المتعلقة بعدم نجاعة تدبير الحكومة للأمن الغذائي، من أبرزها عشر نقاط ضعف في تصريح رئيس الحكومة خلال جلسة “السيادة الغذائية”: عدم تحقيق الاكتفاء الذاتي، تهميش الفلاحين الصغار والمتوسطين، دعم الفلاحين الكبار، التركيز على الفلاحة التصديرية، تهميش النمط الفلاحي المخصص للاستهلاك الداخلي، الارتفاع في استيراد القطاني والحبوب، الاستنزاف الفاحش للفرشة المائية، فقدان 229 ألف منصب شغل بالوسط القروي، وعدم مراقبة اختلالات التسويق والوسطاء وغياب مراسيم مجلس المنافسة، ثم التهرب من تقييم “المخطط الأخضر”.
في هذا السياق، انتقد عبد الرحيم شهيد، رئيس الفريق الاشتراكي بمجلس النواب، توقف نشاط المجموعة الموضوعاتية المكلفة بتقييم مخطط “المغرب الأخضر” وتقييم السياسات العمومية، رغم أنها كانت بطلب من فرق الأغلبية ويترأسها رئيس فريق منها، متسائلا عن سبب تهرب الحكومة من تقييم المخطط السابق وتعطيل آلياته، إلى جانب مخطط الماء و”أليوتيس”، مما سيجعل التقييم بيد الشارع المغربي الذي يلمس الواقع الصعب العنيد والغلاء المستمر.
وقال شهيد: المطلوب اليوم هو إجراء تقييم موضوعي ذي بعد اجتماعي لمعرفة الأثار الحقيقية لهذا المخطط في المعيش اليومي للمغاربة.. المطلوب اليوم أن نتحلى بالشجاعة لنقر بأن أكثر من عشر سنوات لم تسعف في تمكين المغاربة من الغذاء بأسعار مناسبة، ولم تخلق طبقة فلاحية متوسطة، إذ حسب دراسة لجامعة سيدي محمد بن عبد الله، اتضح أن 40 % من المستثمرين في المجال الفلاحي لا علاقة لهم بالمجال، وأن جل الفلاحين هاجروا إلى المدن، لأن السياسة الفلاحية لم تحقق الاكتفاء الذاتي في أي مادة من المواد الاستهلاكية الأساسية، ولم تسعف الفلاحين الصغار والمتوسطين في الولوج إلى المواد الأولية بأثمان مناسبة لتطوير إنتاجهم الغذائي، وبدل المساهمة في التشغيل، أصبحنا اليوم أمام واقع مر، حيث سجل الفصل الأول من سنة 2023، فقدان 247 ألف منصب شغل في مجال الفلاحة والغابة والصيد.
وانتقد شهيد اهتمام وزارة الفلاحة والحكومة بالزراعات الموجهة للتصدير، وتهميش النمط الفلاحي الموجه للاستهلاك الداخلي، والاستغناء عن الفلاحة المعيشية التي كانت صمام أمان الأمن الغذائي والاستقرار، مشيرا إلى عدة أرقام تؤكد الخصاص الذي يعرفه السوق الداخلي من العديد من المنتجات الزراعية، حيث أنه بين سنة 2008 وسنة 2021 (والأرقام بالألف قنطار)، كنا نستورد من الفول 9 فأصبحنا نستورد 336، كنا نستورد من الجلبانة 3 أصبحنا نستورد 161، كنا نستورد من العدس 171 أصبحنا نستورد 680، كنا نستورد من الحمص 1 أصبحنا نستورد 76، كنا نستورد من الفاصوليا 14 أصبحنا نستورد 102.
وحسب نفس المصدر، فإن العديد من الاختلالات المرتبطة بالقطاع الفلاحي جاءت في تقرير المجلس الأعلى للحسابات، من أبرزها ضعف المشاريع المنجزة، إذ لم يتم تنفيذ سوى 63 مشروعا من أصل 286 مشروعا تجميعيا بنسبة 22 في المائة، بحيث كان الهدف هو تجميع ما يقارب 377.365 فلاحا مجمعا بما يشمل مساحة قدرها 807.943 هكتارا من الأراضي الفلاحية، وقطيعا يقدر بحوالي 1.583.277 رأسا من الماشية، بينما لم يتحقق إلا تجميع 56.473 فلاحا مجمعا، أي بنسبة إنجاز 15 %، وتجميع مساحة 182.853 هكتارا، أي بنسبة إنجاز 23 %، وتجميع 126.238 رأسا من الماشية، أي بنسبة إنجاز 8 %.
بدوره، انتقد عبد الصمد حيكر، عضو المجموعة النيابية للعدالة والتنمية، جواب رئيس الحكومة خلال الجلسة الشهرية، حول تحقيق السيادة الغذائية في ظل تراجع القدرة الشرائية بشكل كبير، والتوجه المطرد نحو القضاء على الطبقة المتوسطة، مع تزايد نسبة الفقر نتيجة انتقال فئات واسعة من الهشاشة إلى دائرة الفقر، بفعل التضخم والغلاء المتفاحش، في ظل تنامي تركيز الثروة في أيدي فئة قليلة والتي عرفت ثرواتها ارتفاعا بينا في ظل ما يعانيه الشعب المغربي من أزمات، خاصة في ظل احتلال المغرب للمرتبة 63 عالميا في مجال الولوج للغذاء حسب بعض التقارير.
وأكد حيكر أن مخطط “المغرب الأخضر” الذي استنزف حوالي 43 مليار درهم من المال العام في الفترة ما بين 2008 و2017، دون احتساب كلفة العقار العمومي الذي تم تسخيره، ودون احتساب كلفة الثروة المائية المستنزفة.. فإنه ظل يعاني من جملة اختلالات، تكمن في عدم إدراج الأمن الغذائي وتأمين السيادة الغذائية كأهداف لهذا المخطط ولا لمخطط “الجيل الأخضر”، كما أن كلا المخططين لم يجعلا من أهدافهما الاكتفاء الذاتي من الحبوب والسكر والزيوت النباتية (زيت المائدة وزيت الزيتون)، وهي من المواد الأساسية للمعيش اليومي للمغاربة، إلى جانب القطاني والخضروات واللحوم (الحمراء والبيضاء)، إضافة إلى الحليب، بالإضافة إلى أن مخطط “الجيل الأخضر” خفض من نسبة تغطية الإنتاج لمادتي السكر وزيوت المائدة، إذ حددها بخصوص السكر في 50 % في أفق 2030، بعد أن كان مخطط “المغرب الأخضر” قد حدد هذه النسبة في 58 %.
وأضاف نفس المتحدث، أن “التركيز على الفلاحة التصديرية على حساب الفلاحة المعيشية جعل ما تحقق من نمو في الصادرات الفلاحية لا يجسد إنجازا حقيقيا خالصا، وذلك بالنظر إلى أن نسبة الصادرات الفلاحية لا تغطي نسبة الواردات الفلاحية، مما أدى إلى تفاقم عجز الميزان التجاري بـ 9 ملايير درهم ما بين 2008 و2020، حيث أن وزير الفلاحة، محمد الصديقي، صرح أمام مجلس النواب سنة 2022، بأن هذا العجز انتقل من 13.7 سنة 2008 إلى 22.7 سنة 2020، ثم أن معدل مجموع صادراتنا الفلاحية مجتمعة لم يتجاوز 21.72 مليار درهم، في حين لم تنزل وارداتنا من ثلاثة مواد أساسية فقط (الحبوب والسكر وزيت المائدة) عن 23.85 مليار درهم، وبالرغم من ذلك، فإن اكتفاءنا الذاتي من هذه المواد الأساسية الثلاثة، ظل ضعيفا جدا مقارنة مع ارتفاع كلفة استيرادها، فضلا عن أن ذلك يجعلنا بعيدين عن تحقيق السيادة الغذائية في جزء من المواد الأساسية وليس كلها” (المصدر الفلاحة سنة 2018- طبعة 2019).
من جانبه، أكد رشيد حموني، رئيس فريق التقدم والاشتراكية، أن مسألة الأمن الغذائي مرتبطة أساسا بالسياسات العمومية الهادفة إلى ضمان العيش الكريم، من خلال الإجراءات الواجب اتخاذها لمواجهة غلاء الأسعار وحماية القدرة الشرائية للمغاربة، واعتبار ذلك أولوية لا تقل أهمية عن الإصلاحات الكبرى التي تقول بها الحكومة، مضيفا أنه بقدر ما ارتفعت وفرة بعض المنتوجات، بقدر ما نشهد غلاء غير مسبوق يفوق إمكانيات المواطنين، لاسيما في ظل لجوء الحكومة إلى استيراد الحبوب والأبقار واللحوم والسكر والزيت.
وأبرز نفس المتحدث، أن من إخفاقات الحكومة في “المخطط الأخضر”، كون معظم أشكال الدعم المالي استفاد منها، في المقام الأول، كبار الملاكين، في حين لا يزال الفلاحون الصغار والمزارعون يعانون، حيث أن ثلاثة أرباع الفقراء موجودون في الوسط القروي، إلى جانب فقدان مؤخرا حوالي 229 ألف منصب شغل بالوسط القروي، حسب المندوبية السامية للتخطيط، وقال أن “ما نصدره يستهلك كميات مائية هائلة تفوق مواردنا المائية المحدودة أصلا، والمهددة بفعل الجفاف الهيكلي والتغيرات المناخية، وحتى إذا افترضنا هذه الإنجازات السريعة للتجهيزات المائية المبرمجة، والتي توفرت لها جميع الإمكانيات اليوم، فذلك لن يبرر الاستمرار في الاستهلاك المفرط والعشوائي للماء في الزراعات التصديرية، في الوقت الذي يتعين أن تعطى الأولوية لمياه الشرب، مع عقلنة وتأطير استعمال الماء الموجه للسقي الفلاحي طبعا”، مسجلا وجود إصرار غريب على اعتبار مناقشة مخطط “المغرب الأخضر”، وامتدادته الحالية، موضوعا مقدسا ومحرما، ويثير حساسية مفرطة وكأنه موضوع شخصي لا يحق لأحد الاقتراب منه أو المطالبة بتقييمه ومراجعته، والحال أنه لا يوجد أي مخطط في العالم ينجح 100 .%
ودعا حموني إلى: الحفاظ على حق الأجيال اللاحقة في الموارد الطبيعية؛ تحقيق التوازن بين السوق الداخلية والخارجية؛ تحقيق الاكتفاء الذاتي الأساسي؛ تحسين الظروف المعيشية للفلاحين والكسابة الصغار؛ الرفع من دخل العمال الزراعيين؛ الاهتمام بالفلاحة الأسرية والتضامنية؛ الاستثمار في الزراعات المستدامة؛ وإصلاح أسواق الجملة؛ وزجر المضاربات والاحتكار؛ جعل الإنتاج السمكي في خدمة المستهلك المغربي؛ وتطوير الصناعات الغذائية والزراعية؛ الاستثمار في الزراعات المستدامة؛ إصلاح أسواق الجملة.
بدوره، حذر النائب البرلماني محمد أوزين، رئيس الحكومة عزيز أخنوش، من تبعات الجوع التي أصبحت تستفحل وسط المغاربة في ظل تصاعد موجات الغلاء، قائلا: “كنا نخشى الجوع بفضل نقص المواد الغذائية، واليوم نخشى على بطوننا من الجوع، واليوم نخشى على أوطاننا من تبعات الجوع، إذ يجب أن يرد رئيس الحكومة على المواطنين الذين يشتكون من الغلاء والجوع، لكن البطن الملآن لا يفهم في الجوع”.
واعتبر الأمين العام لحزب الحركة الشعبية، أن اختيار موضوع جلسة رئيس الحكومة، غير موفق، لأنه عوض الأمن الغذائي، أصبح اليوم الحديث عن الغذاء الأمني، موضحا، أن المغاربة وبكل شموخ، يخرجون عبر مواقع التواصل الاجتماعي يشكون “الكاميلة”، طبعا الكرش الجيعانة ليس لديها الأذن باش تسمع، والجوع لا ضمير له، وهذا هو الخطر مقابل الكرش الشبعانة”، في ظل استمرار ارتفاع لهيب أسعار المواد الغذائية.
وانتقد أوزين استراتيجية الحكومة الفلاحية، التي أربكت سلاسل الإنتاج وقضت على الحلقة الضعيفة، التي هي الفلاح الصغير والمستهلك البسيط، ومخطط “المغرب الأخضر” لم يحقق أهدافه، وأنقذته التساقطات المطرية من الفشل الذريع في سنواته الأولى، كما أنه أنهك الفرشة المائية رغم الملايير التي ضخت فيه، وتساءل: ماذا قدمت الحكومة للمواطنين بعيدا عن الوعود والتبريرات والتطمينات، فعدد الأسر التي تدهورت معيشتها وصل إلى 85 % حسب المندوبية السامية للتخطيط، لافتا إلى أن كل المؤشرات التي جاءت في مشروع قانون المالية لسنة 2022 خاطئة، فمعدل النمو نزل من 3.2 % التي وعدت بها الحكومة إلى 1.5 %، وبعجز يقارب 67 % على مستوى محاصيل السنة الفلاحية، والتضخم الذي وعدتم أن يبقى في حدود 1.2 % تحول إلى 8.3، ونفس الشيء بالنسبة لتوقعات قانون المالية لسنة 2023، والتي تبين أنها غير صحيحة.