المنبر الحر

المنبر الحر | الوجهان المتناقضان لظاهرة تشجيع فرق كرة القدم

بقلم: عثمان محمود

    أيا كان الشعار الذي ترفعه الجماهير المساندة لفرقنا الوطنية لكرة القدم، وأيا كانت الرموز التي تتخذها وتعتز بها، وأيا كانت المبادئ التي تتحرك في ظلها أثناء المساندة، فإن تكتلها بهذا الشكل يبقى بحق ظاهرة لافتة للانتباه من زاويتين تحملان تناقضا يكاد يكون صارخا.. من ناحية، فإن تشجيع هاته الجماهير الغفيرة اللامشروط لفرقها، يحمل في طياته العديد من القيم النبيلة، فتبكيرها مثلا إلى الملاعب، وتنقلها في معية تلك الفرق بتلقائية وعن طيب خاطر، يحمل بلا ريب كل مواصفات التضحية بالجهد البدني والوقت والمال، وهي تضحية تستبطن حبا صادقا، وإخلاصا ممزوجا بوفاء قل نظيره، يدفع بالجماهير المذكورة إلى الوقوف مع فريقها في انتصاراته الباهرة، وهزائمه النكراء، ولا يخفى هنا التسلح الأكيد بالصبر لمواجهة حيثيات التنقل، وعناء المحن التي قد يمر بها هذا الفريق أو ذاك، فضلا عن التحمل أثناء الوقوف على المدرجات، والتغني بالأغاني الحماسية التي لا تزيدها الأهداف المسجلة إلا حماسا فوق حماس، وإذا جئنا إلى القيم الفنية، فإن الجماهير المشجعة المتحدث عنها قد صارت ذات حس فني تلمس أثاره في اللوحات الفنية التي تبرع في تشكيلها مع بداية المباريات، وخلال مختلف أطوارها، وقل نفس الشيء عن الرسومات التي أضحت تزين بعض الجدران داخل الأحياء والدروب والساحات، ولا ينسينا هذا كله الأغاني ذات الإيقاعات الحماسية المضبوطة التي تردد جنبات الملاعب صداها. أما بالنسبة للجانب المناقض لما ورد ذكره آنفا، فسنجد في الطليعة طبعا العنف المقيت الذي تتطاير شراراته بين الفينة والأخرى عقب إطلاق صافرة نهاية بعض المباريات، فيطال الملاعب وما حولها، فتنجم عنه خسائر متنوعة تسيء إلى الرياضة والتنافس الشريف الذي يقر بأن التباري يفرز لا محالة منتصرا ومنهزما، وإن لم يكن ذلك فلا غالب ولا مغلوب، فتقبل الهزيمة حينها بالصدر الرحب لا يقل أهمية عن الانتشاء والتلذذ بطعم الانتصار والفوز، وقد امتدت أثار ذاك العنف إلى الذوق والجمال الذي تم التنويه به سابقا لدى المشجعين المتحمسين، فها هي الرسومات التي تجسد شعارات الفرق، والرموز التي تنضوي تحتها الجموع المساندة لها، تحمل كل ضروب التجهم والغلظة، سواء بالنسبة للوجوه داخل تلك الرسومات أو طغيان اللون الأسود بالدرجة الأولى، وما إليه من الألوان القاتمة التي تفيض قسوة، أضف إلى ذلك خشونة ألفاظ كلمات الأغاني التي باتت تتغنى بها حناجر الجماهير المشجعة، فضلا عن تناولها لقضايا أبعد ما تكون عن عالم الرياضة، وما يمت إليه بصلة.

فلتعلم إذن، هذه الجموع الغفيرة التي أوقفت جهدها ووقتها ومالها لفرقها المفضلة، أن عملها ذاك يحمل بحق العديد من نبيل الصفات، وكل ضروب الإبداع الفني التلقائي والعفوي لتلك الفرق، يغذي كل ذلك حب صادق في أجلى مظاهره، وهو ما يستدعي الحفاظ عليه تاما في أبهى حلله وأزهى أشكاله، وذلك باجتثاث جذور العنف البغيض الذي أضحى يميز مشجعي بعض الفرق، ولتأخذ تلك الجماهير التي يسيء الاستهتار والاندفاع الأهوج إلى أهدافها وغاياتها، العبرة من طرق التشجيع هناك في ملاعب الفرق ذات الصيت العالمي، لا بل داخل ملاعب مختلف الرياضات الجماعية أو الفردية بدء من كرة المضرب، ووصولا إلى حلبات الملاكمة، فالتشجيع الصرف أيتها الجماهير المتفانية في حبها لفرقها، لا يسمح أبدا للعنف بالتسلل إلى رحابه حتى لا يتحول إلى غوغائية “لا تبقي ولا تذر”.

تتمة المقال بعد الإعلان

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى