المنبر الحر | عودة القضية الفلسطينية للواجهة بعد التطويق الإقليمي لإسرائيل
بقلم: نزار القريشي
إن عودة القضية الفلسطينية إلى زخمها الدولي، بعد التطويق الإقليمي لإسرائيل وأزمتها الداخلية، والتي بدأت بالاتفاق السعودي-الإيراني واستمرت بالتضييق المتعمد على المصلين في الحرم القدسي، وبإطلاق الصواريخ على الكيان الصهيوني، ودعوة بريطانيا لإنهاء الأزمة بعد هذا التصعيد، والذي قد يتم عبر القاهرة، يؤكد أن القضية الفلسطينية عنصر محوري في العلاقات الدولية وتجلياتها، وبعد الرسائل الإقليمية والدولية، وتصريح الخارجية الروسية بأن الإجراءات الإسرائيلية أحادية الجانب، هي من عملت على تفاقم الأزمة، وأن موقف الصين الداعم للدولة الفلسطينية هو ما أوضح كيف أن إسرائيل باتت مطوقة إقليميا بعد الرسائل التي سعت دول الإقليم تمريرها، وذلك عبر المحاولات الجادة لحل مشاكل المنطقة، والتي تسبب فيها برنامج “الفوضى الخلاقة” الصهيو-أمريكي سيء الذكر، بدأ بالنزاع اليمني ووصول وفد سعودي وعماني إلى صنعاء لإنهاء الأزمة اليمنية بين الأطراف المتنازعة، والذي قد يجنب اليمن التقسيم، وهي رغبة إسرائيلية للسيطرة على البحر الأحمر كامتداد للكيان الصهيوني نحو القرن الإفريقي، غير أن زيارة محمد بن سلمان لمصر ولقائه الرئيس عبد الفتاح السيسي، والتفاهم حول الوضع النهائي لجزيرتي تيران وصنافر، والذي قد يبلور وضعا جديدا للملاحة في اتجاه خليج العقبة، هو ما قد يرتبط بمشروع “نيوم” والتوافق حول رؤية السعودية في أفق 2030، والتنمية المتوخاة بسيناء والتي ستنعكس على الوضع بغزة بالاستثمارات السعودية، ومحاولات الاستخبارات الحربية المصرية الرامية لتعديل بعض بنود اتفاقية “كامب ديفيد”، وخاصة المتعلقة بالمنطقة “ج” والمتوافقة مع رؤية “عباس كامل”.
هذا، وبعد عودة محور “الممانعة” إلى السطوع عبر الحلف بين “حماس” و”الجهاد” و”الفصائل” و”عرين الأسود” و”حزب الله” وسوريا، والعمل على نقل السلاح للضفة الغربية، وبعد ترتيبات المخابرات العامة المصرية في البحر الأحمر والتواجد الروسي بسوريا، والتقدم الملحوظ في العلاقة بين دمشق وأنقرة والقاهرة، إلى جانب المحاولات الحثيثة لحل أزمة اليمن، هو ما يؤكد أن أي حرب إسرائيلية ضد أي طرف إقليمي، ستتحول إلى حرب إقليمية ضد إسرائيل إن بطريقة وبأخرى، وهو ما أدى بوزير خارجية روسيا إلى التصريح بأن إنهاء الأزمة مع الشعب الفلسطيني لن تتم إلا عبر حل الدولتين.
وفي سياق ذي صلة، فإن تحذير بحرية الحرس الثوري الإيراني وإنذارها بإسقاط طائرة تجسس أمريكية في بحر عمان مع الحدود الإيرانية، وبعد هجمات إسرائيلية ضد سوريا ردا على التصعيد الروسي ضد الجيش الأمريكي والبريطاني، اتضح أن موسكو سمحت برفع السقف المحدد لإيران في دعمها لسوريا، انطلاقا من وحدات القاعدة الروسية باللاذقية، وذلك بعد وصول السلاح الإسرائيلي للجيش الأوكراني، بعد اقتراب البحريتين الروسية والأمريكية من بعضهما البعض لأقل من 500 متر، ودخول أمريكا للحرب ضد “حزب الله” على الساحة السورية، في تبادل مكشوف للأدوار بين الجيش الأمريكي والإسرائيلي.
وقد سعى خفض إنتاج النفط من طرف “أوبيك +” إلى رفع الضغط على روسيا كعامل مساعد لإعادة ترتيب التغييرات التي تشهدها العلاقات الدولية، وهو ما أكده لافروف بأن أي اتفاق سلام مع أوكرانيا يجب أن يبنى على قاعدة عالم جديد متعدد الأقطاب، وهو ما أكده الرئيس الصيني بعد زيارة ماكرون لبكين وتمسكه بدعم موسكو، وبعد الرسائل الإقليمية والدولية المتبادلة مؤخرا بين أكثر من عاصمة، وبعد زيارة الرئيس الصيني لموسكو بغية اضطلاعه على أسرار الحرب الأوكرانية كاستعداد لأي تطور في بحر الصين الجنوبي، وخصوصا بعد نقل أسلحة نووية روسية إلى بلاروسيا مع احتمال نقلها أيضا إلى سوريا وشركاء آخرين، وحسب إفادة جريدة “وول ستريت جورنال” الأمريكية، فإن الجيش الأمريكي يحاول نقل معدات عسكرية من الخليج إلى شرق آسيا تمهيدا لحصاره الصين، وهو ما يؤكد التطور المحتمل في بحر الصين الجنوبي والبحر الهادئ والهندي إن هزمت روسيا في حرب أوكرانيا، وهو أيضا ما ستضبطه الصين عبر علاقتها بكوريا الشمالية وروسيا ضد اليابان وكوريا الجنوبية.
هذا، ويبقى الترقب سيد الموقف إزاء أي تطور عسكري قد يشهده إقليم القرم، إذ يهدد الرئيس بوتين باستعمال السلاح النووي، وهو تطور لا تستطيع الدول الأوروبية وحلف “الناتو” تحمل تكلفته، وقد يعيد أوروبا وأمريكا مائة سنة إلى الوراء في حال نشوب حرب عالمية نووية.